عز الدين البغدادي
آثار خبر وفاة السيدة العراقية ملاك في النجف قبل أيام حديثا اثر تعرضها
لعنف منزلي نقاشا عن مشروعية ضرب المرأة، وقد أرسل بعض الأصدقاء يسال عن تفسير آية
(واضربوهن)، واحدهم يقول بأن هذه الآية هي التي أسست لهذا التعامل، وسمحت بضرب المرأة،
وهي التي أوصلت الأمور لما وصلت إليه.
ولفهم هذا النص و تفسير هذه الآية؛ لا بد من ملاحظة الوضع الاجتماعي من جهة
والنصوص الأخرى من جهة أخرى والتي تتعلق بالموضوع.. وأنا تعتقد بان المسألة تتعلق
بطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، وليست نتاج رؤية دينية، ويمكنك أن تطلع على
تقارير خطيرة عن العنف ضد المرأة في كثير من البلدان التي تعتبر بلدانا متطورة
ثقافيا، ولا اعتقد بن هذا يرجع لنص ديني، بل للطبيعة الخشنة عند الرجل والناعمة
عند المرأة.
الأمر الآخر الذي يجب أن نعترف به من باب الفهم الاجتماعي الحقيقي هو أن
النساء تختلف قابلياتهن ووعيهن، فهناك نساء عاقلات متزنات، وهناك نساء تتملكن حالة
من الرعونة، بحيث لو جئت بامرأة من الناشطات في مجال حقوق المرأة ومجابهة التعنيف،
فإنها ستقول لك بأنّ هذه المرأة فعلا تستحق تصرفا أكثر خشونة حتى تتزن، وهذا شيء
موجود لكنه كما اعتقد محدود. فعلا بعض النساء يحتجن إلى شيء من التعامل أكثر
خشونة، أما من لا تحتاج إلى شيء من ذلك فلا سبيل لأحد عليها ، لا الزوج ولا غيره .
طبعا ربما من المهم أن نلاحظ الطبيعة النفسية للمرأة، ومزاجها تجاه قبول أو
رفض ذلك، وهو أمر لن أقف عنده كثيرا، لئلا يفهم بشكل خاطئ.
بالنسبة للجو الاجتماعي للنص، فلا يخفى أن هناك فرقا في طبائع النساء بحسب الأماكن
والثقافات، وهو ما حصل عند الهجرة بعد أن اختلط المهاجرون المكيون بأهل المدينة (الأنصار)،
ففي مكة كانت المرأة مطيعة لزوجها، ليس لأنها إنسانة طيبة جدا بل لأن الرجل كان
يتحمل الجزء الأكبر من النفقة، وعي جالسة في بيتها لا تحمل مسؤولية خارج بيتها،
بينما في المدينة كان الأمر مختلفا فالمرأة كانت قوية تفرض رأيها ويحسب لها الرجل
حسابا لأن المدينة منطقة زراعية وللمرأة الفلاحة دورها الكبير في الإنتاج، ولهذا
وصف عمر بن الخطاب ذلك في حديث آلافك فقال: كنا معشر قريش قوما نغلب النساء فلما
قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم.
كانت الأنصارية لا تتحرج من أن تسأل أسئلة تتعلق بأمور تخجل منها المرأة
المكية، بل حتى في طريقة تعاملهن في حياتهن الخاصة كان هناك فرق، فالمكية أكثر
طاعة، بينما المدنية لم تكن كذلك.
عموما كان هنا مشاكل بسبب اختلاف الثقافتين، لذا إذن الشرع بشكل محدود جدا
في استعمال محدود للعنف (ضرب غير مبرح أي غير مؤلم ولا يترك أثرا) لأنه أفضل من
انتهاء الحياة الزوجية لا سيما عندما يتزوج المكي الذي تعود على طاعة المرأة له من
زوجة أنصارية قوية، فلا يجد نفسها قادرا بسهولة على السيطرة عليها.
وإلا فان الضرب من الناحية الشرعية ليس خيارا جيدا، ولم يعرف عن النبي (ص) انه
استخدمه مع نسائه ولا مرة واحدة، حتى عندما تستفزه إحداهن، والقصص في ذلك كثيرة،
وقد روي أنه استأذن أبو بكر على النبي (ص) الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة عاليا
وهي تقول: والله لقد علمتُ أنّ عليا أحب إليك من أبي فأهوى إليها أبو بكر ليلطمها،
وقال: يا ابنة فلانة أراك ترفعين صوتك على رسول الله، فأمسكه رسول الله (ص) وخرج
أبو بكر مغضبا، فقال لها النبي (ص) يمازحها: يا عائشة كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟!
ثم استأذن أبو بكر بعد ذلك وقد اصطلحا، فقال: أدخلاني في السلم كما أدخلتماني في
الحرب فقال رسول الله (ص): قد فعلنا.
وفي خبر: أنها قد خاصمت النبي (ص) إلى أبي بكر، فقالت: يا رسول الله، اقصد (
أي اعدل)، فلطم أبو بكر وجهها وقال: أتقولين لرسول الله (ص): اقصد؟ وجعل الدم يسيل
من أنفها على ثيابها، ورسول الله (ص) يغسل الدم من ثيابها ويقول: إنا لم نردْ هذا
إنا لم نردْ هذا.
وحتى عندما يأذن بالضرب، فانه يتعامل معه كخيار سيء لكن لا مفر منه، وفي
الحديث أن النبي (ص) قال يوما: لا تضربوا إماء الله، فذئر النساء (أي تمردن) وساءت
أخلاقهن على أزواجهن فقال عمر: يا رسول الله، ذئر النساء وساءت أخلاقهن على أزواجهن
منذ نهيت عن ضربهن، فقال: فاضربوهن. فضرب الناس نساءهم تلك الليلة قال فأتى نساء
كثير يشتكين الضرب فقال النبي (ص) حين أصبح: لقد أطاف بآل محمد الليلة سبعون امرأة
كلهن يشتكين الضرب وايم الله لا تجدون اولئك خياركم.
، وأيضا ما قيل في النبي (ص) كان يوصي كثيرا بالنساء، وكان من آخر ما أوصى
به وهو على فراش الموت. كما كان يوصي بحسن التعامل معهن. ولهذا كان الفهم العلمي
لآية ( واضربوهن) واضحا في رفض العنف، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) في تفسير
الآية: …وَالضرب بالسواك وغيره ضربا رفيقا.
كما روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن عطاء: "بالسواك ونحوه". ورواه
ابن جرير عنه قال: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه.
وجاء في الموسوعة الفقهية: قال المالكية، وبعض الشافعية، والحنابلة: يؤدبها
بضربها بالسواك ونحوه، أو بمنديل ملفوف، أو بيده، لا بسوط، ولا بعصا، ولا بخشب؛
لأن المقصود التأديب. اهـ.
لقد أمر الله في كتابه بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها ومعاشرتها بالمعروف ،
وبين أن لها حقوقا على زوجها كما أن له حقوقا عليها .وأوصى النبي (ص) بالإحسان إلى
الزوجة وإكرامها ، بل جعل خير الناس من يحسن إلى أهله فقال: ، فقال: خيركم خيركم لأهله
وأنا خيركم لأهلي.
وإذا نشزت المرأة على زوجها سلك معها سبيل الوعظ والتذكير، فإن لم يفد سلك
معها سبيل الهجر في المضجع ، ثم إن لم يفد جاز له مع كراهة ضربها ضرب تأديب
وتعليم، لا انتقام وإيذاء، لا سيما وان صيغة الأمر في آية ( واضربوهن) لا تدل على
وجوب ولا استحباب، بل على إباحة ضمن حدود الهدف من الإباحة وحسب، فليس المقصود أهانتها
وإيذاؤها.
0 تعليقات