آخر الأخبار

كورونا وانعكاساتها على السياسة وعلم الاجتماع انهيار نظريات وبروز مفاهيم أخرى













تقرير / ستار النعماني


صدر عن مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية دراسة لمجموعة من الباحثين تناولت (أزمة كورونا وانعكاساتها على علم الاجتماع والعلوم السياسية والعلاقات الدولية) وتأثيراتها المباشرة والغير مباشرة على البنية الاجتماعية والأنظمة السياسية ومستقبل العلاقات بين الدول وما رافقها من حالات شاذة وردود أفعال دولية غير متوقعة نتيجة تفشي هذا الفايروس وفهم التحولات العميقة لبنية المجتمع .


 كل هذا وغيره جعل بعض العلماء يعيدون قراءاتهم للتاريخ بصورة مغايرة ونقد ما كان من المسلمات بخصوص هذا الأمر .


الدراسة تقع في جانبيين:

الجانب الأول : أزمة كورونا وانعكاساتها على علم الاجتماع.

ويقع في هذا الجانب عدة محاور مهمة خلفتها هذه الجائحة منها موضوع التباعد الاجتماعي والعزلة وتلاشي التجمعات البشرية تجنبا للعدوى مبتعدة عن اغلب الأنماط الثقافية والاجتماعية ومن هنا بدأ علم النفس الاجتماعي دراسة الآثار التي ترتبت على هذه العزلة وما تمخضت عنه من ضغوط نفسية واجتماعية وخوف من المجهول وغياب واضح للعلاقات الاجتماعية كل هذا جعل المقاييس والمعايير الاجتماعية السابقة بحالة من الذهول وإيجاد وسائل قادرة على التكييف مع الوضع الجديد.


وبخصوص علم اجتماع الأسرة تشير الدراسة إلى أمر في غاية الأهمية وهو المركزية للأسرة العربية رغم كل التحديات التي فرضتها الظروف لتغيير بنيتها وتركيبها على عكس تركيبة الأسر في المجتمعات الأوربية حيث أصبحت الأسرة العربية هي الملاذ للجميع من نساء وأطفال وشيوخ حيث أن البنائية الوظيفية ستشهد عودة سريعة من خلال نجاح التضامن الاجتماعي بين الأسر والمجتمعات.


 
وفي موضع أخر تتطرق الدراسة لعلم اجتماع جديد وحديث نسبيا وهو علم الاجتماع الرقمي والذي لم تكن له مساحة كافية في جامعاتنا ومناقشة التفاعلات من اتصال وتسويق وتعليم خلال شبكات التواصل الاجتماعي وان العالم الرقمي سيكون له مستقبل كبير خصوصا أن فايروس كورونا احدث صدمة كبيرة كان كثيرون بحاجة لها لإحداث تغيير وذلك بحـث ً الخطـى سريعـا نحـو التقنيـات الجديـدة اليـوم كالطباعـة الثلاثية ، والـذكاء الصناعي والروبوتـات.

 وفي مجال علم الاجتماع الثقافي توضح  الدراسة أن دوائر الانتماء كلما اتسعت زادت المشتركات الإنسانية وكلما تقلصت برز التمايز الثقافي والعرقي للبشر.


أما بخصوص علم الاجتماع السياسي فقد أفرزت هذه الجائحة غياب قيادة عالمية توجه الأزمة الحالية في وقت تداول الى ما يشير الى صراعات على حلبة الموت والمرض إضافة الى منافسة قوية حول من سيحكم العالم في القرن الحالي .


ان فايروس كورونا أصبح مصحوبا بتغييرات اجتماعية كثيرة مثل تراجـع قيـم الحريـة لصالـح قيـم أخـرى، فإنـه يشير انه لا متحرر الآن أكثر من الأفكار والتصورات والطرق التي كنا نرى فيها العالم .فالناس قد شاهدت مجتمعات الرفاهية والتقدم الصناعي بحالة انكشاف غير مسبوقة لسوءاتها كانهيار الأنظمة الصحية وعدم قدرتها على المواجهة والتلكؤ في تقديم خدمات الرعاية وغربيون يرفضون العودة الى بلادهم وحرق علم الاتحاد الأوربي والتدافع على المناديل في الأسواق ورئيس اكبر دولة يصلي ويطلب من الشعب ان يصلي معه وأصوات آذان ترفع لأول مرة في أنظمة علمانية وانهيار مفاهيم كانت طاغية لفترة من الزمن مثل الرأسمالية والخصخصة وأسواق العمل والعولمة والتجارة العالمية والحداثة الشركات العابرة للقارات والعلمانية تعم انهارت هذه المفاهيم وهي تتعرض لضربات متتالية ومع كل ضربة هناك عدة تغييرات تصحبها ستفرض نفسها على الواقع العالمي الجديد وستبدل كل الأطر والمفاهيم التي فرضت بالقوة الصلبة والناعمة وقد أظهرت وسائل إعلام غربية أطباء من بني جلدتنا وهم يضحون بأنفسهم من اجل إنقاذ الآخرين من اجل هذه الغاية النبيلة في أوربا (ربما يحدث هذا لأول مرة من وسائل الإعلام الغربية التي كانت سابقا تحاول التعتيم على منجزات الآخرين) .




وفي محور آخر تذكر الدراسة مسالة الأخلاق وأولويات القيم حيث ان الفايروس قد حجم الفواحش من خلال النظر إليها بخوف وريبة وهو ما أنتج ازدهارا لقيم الفضيلة وتبدل الصورة النمطية للبطل من مقاتل في الحرب الى مرابط في المختبرات وطبيب في المشفى ومختصين في خدمات موازية إنسانية أخرى وبرزت قيمة العلم والعالم .



اهتمت الدراسة بموضوع النظر للعلم على انه واحد فيما أظهرت ان جائحة كورونا ان العلم ليس كذلك وخصوصا مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية وتباين ردود الأفعال وطرق التعامل مع الفيروس بحسب عوامل كثيرة بينها الإيمان والخجل والتغطية تبعا لذلك لقد أصيبت مجتمعاتنا بنصيب من المرض لكنها لم تستسلم أو ترفع الراية البيضاء بل كانت على قدر من المسؤولية وهذا ما يطرح على المختصين في العلوم الإنسانية قضية مهمة جدا هو العودة الى إمكاناتنا ونبحث عن خصوصيتنا صحيح ان العلم متشابك لكن إدراكنا يختلف عن غيرنا ونتصف بصفات لا يملكها غيرنا ولنا من نقاط القوة ما يفقدها غيرنا فعلى سبيل المثال ما أصاب كبار السن والمحرومين من الم في تلك المجتمعات بسب النزعة الفردية المتطرفة وصغر حجم الأسرة أو انعدامها فهذه المشاكل لا تعاني منها المجتمعات ( العربية والإسلامية على وجه الخصوص) بسبب نظام الأسرة المتماسك الذي يتحمل المسؤولية وتقديم الرعاية لهم تجاه الفئات أنفة الذكر مما يتطلب تقديم مزيد من الدعم للأسرة .



وأشارت الدراسة الدور الايجابي المهم لأحد البلدان العربية وهو (العراق )  من خلال الاستخدام الواعي للتقديرات العلمية التي تعول على الأسرة وتضع ثقتها فيها من خلال مساعدة الأسر لضمان بقائهم في المنازل لحمايتهم من المرض والتخفيف عن كاهل المؤسسات الصحية وتخفيف العبء عليها كون العراق من البلدان الذي يعتمد نظام الأسرة و مركزية  الأب محفوظة طوعا من قبل أفراد الأسرة وهذا يساهم في احتواء المرض والسيطرة عليه

الجانب الثاني : الجانب السياسي في مرحلة ما بعد كورونا

أشارت الدراسة الى عجز الأنظمة الغريبة وتم طرح السؤال التالي كيف بمكن لبلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية ان تعجز على توفير كمامات طبية يمكن استخدامها لتلافي العدوى والتي لا يتعدى سعر الواحدة دولار واحد  إلا يثر هذا الأمر الشكوك في قدرة الأنظمة الرأسمالية وكفاءتها  ؟ وربما يؤدي ردود الفعل السياسي القائم على أساس التضامن الشعبي على تغيير أولويات الأنظمة السياسية الحالية القائمة وينتج تغييراً واضحا في النظريات السياسية القائمة خصوصا في الغرب وهناك دعوة في هذه الدراسة على إعادة اكتشاف الذات الإسلامية لإعادة الارتباط  بأفتراضتنا المعرفية والوجودية وإرشادنا الى التزاماتنا القيمية والى القضايا الدولية الأحق بالاهتمام وهي فرصة لتحريك صناع القرار وحث الجامعات على الإبداع أكثر ومعالجة حالة الجمود الفقهي .


ان جائحة كورونا أثبتت انه لا يمكن السيطرة على حركة السوق من خلال ظاهرة التنميط التي تفرضها  قوى العولمة ويمكن اختصار اهم الأخطاء والعيوب في خطابات العولمة الرأسمالية السائدة بالنقاط التالية :


أولا: فشل تحرير التجارة الدولية والسوق الحرة التي تروج لها المنظمات العالمية مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي .



ثانيا: فشل خطابات المساواة والتناقض بين منح حريات فردية أكثر وممارسة مزيد من الضبط الاجتماعي.


ثالثا : أفرزت اتساع جغرافيا الاحتجاج على الشروط القاسية والمجحفة التي تفرضها عولمة السوق .



وفي النهاية أشارت الدراسة انه بالرغم من الأزمات نطرح كثير من المشكل والتحديات فإنها في نفس الوقت فرصة لإعادة هندسة الأنظمة السياسية وإعادة تنظيم شؤون المجتمع .


كتاب : أزمة كورونا وانعكاساتها على علم الاجتماع والعلوم السياسية والعلاقات الدولية تأليف : مجموعة باحثين


إرسال تعليق

0 تعليقات