آخر الأخبار

عولمة التباعد العالمي وفرصة العمر.








بقلم : تمارا حداد.


بالرغم من اختلاف العصر بين العامين 1929 و2020، إلا أن هناك تشابهاً واضحاً بين أزمة الكساد العالمي عام 1929 وأزمة فيروس كورونا وبالتحديد في النواحي الاقتصادية وتداعياتها، حيث ساقت أزمة الكساد عام 1929 العالم إلى تغيير الطريقة التي تتعامل بها الدول مع اقتصاداتها، وإعادة النظر إلى الدور الاقتصادي للدولة بعد انسحابها من الأنشطة الاقتصادية وعند تدخل الدول عاد النشاط الاقتصادي بقوة.


في حين أزمة كورونا العالمية باتت تعيد النظر في الكثير من المفاهيم الاقتصادية ولا سيما المرتبطة بدور الدولة في الاقتصاد وطبيعة الأنشطة الاقتصادية وأساليب العمل والعلاقة بين المنتج والمستهلك هذا من جانب ومن جانب آخر تعيد صياغة مفهوم العولمة لمرحلة " مابعد كورونا" والتي ستترك الاقتصاد العالمي مختلف تماماً عما قبل الأزمة، ومن هنا تأتي الحاجة إلى تغيير هذه المفاهيم درءاً لسقوط قادم لبعض الحكومات.



تداعيات:

لكل أزمة لها جانبين، الجانب السلبي والإيجابي، حيث أن أبرز تداعيات فيروس كورونا السلبية نتيجة الإغلاق التام للأنشطة الاقتصادية حول العالم، هو الخسائر المالية وإغلاق العديد من الشركات والمشاريع المتوسطة والصغرى وقد تلحقها الكبرى إذا استمر الإغلاق الحالي، وسيؤدي إلى ازدياد الفقر وارتفاع نسب البطالة، ناهيك عن تصاعد تهديدات الأمن الغذائي نتيجة تعطل التجارة الدولية وقطع سلاسل الإمدادات الغذائية العالمية وهذا من شأنه أن يفاقم أزمات الغذاء حول العالم.


أما الجانب الإيجابي يتمثل بحدوث طفرة قوية في العالم الافتراضي، والاعتماد الكلي على الإنترنت الذي أدى الى تغيير في السلوكيات سواء أكانت التصرفات السلوكية أو استثمار الوسائط الإلكترونية لاستمرار الأنشطة الاقتصادية والتي حولت حياة البشر إلى عالم الافتراض والفضاءات، فلذلك المستفيد الأكبر في الوقت الراهن هو قطاع الإتصالات وشركات مقدمي خدمة الإنترنت.


وبالنسبة للعولمة فالأزمة الصحية العالمية ستقوم على فرز نظام اقتصادي عالمي جديد مبني على إعادة صياغة نموذج جديد يتمثل بقولبة مفهوم العلاقات الاقتصادية بين الدول بالتقليل من الانكشاف حول العالم الخارجي مع التركيز على الحكومات منصباً على اقتصاداتها الوطنية في المقام الأول مع الحفاظ على العلاقات الخارجية عبر ممارسات غير مادية من خلال اتصال البشر عبر التكنولوجيا.


هنا ستصبح العولمة نموذجاً ذات طابع محلي، نموذج يُحافظ على قدر من الترابط مع العالم لكنه يبقى على مسافة فاصلة يخرج به العالم من أسلوب التباعد الاجتماعي الذي هدفه محاصرة كورونا مع ترسيخ مفهوم " عولمة التباعد العالمي".


قد يكون نموذج التباعد الدولي أو العالمي فرصة العمر من خلال تفرد كل حكومة بالانشغال لمشاكلها الداخلية كون الأزمة الحالية هي أزمة عالمية تمثل تحدياً لكل الدول في الوقت نفسه ومن هنا تصبح كل دولة ملزمة بمواجهتها وتكون مضطرة للعمل منفردة دون مساعدة دول أخرى، ومن هنا يجب إعادة النظر لدور الدولة كمنقذ وهذا يترتب عليها إعادة دورها بما يتناسب مع الوقت الراهن.

الدولة وشراكة القطاع الخاص:

قد تكون فرصة العمر للدول وبالتحديد للدول النامية أن تعيد دورها في إعادة مشاريعها الصناعية والزراعية والإنتاجية المحلية، وضبط حجم الجهاز الحكومي لتحسين كفاءته وإعطاء الدور الأكبر للقطاع الخاص في إدارة الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية من خلال إعطاء الحوافز للقطاع الخاص وإعادة تعريف الخدمة العامة بتفعيل " المشاركة " بين القطاعين العام والخاص وتقليل حجم الصرف الحكومي.


وهذه المشاركة ستكون الحل للتحدي الأكبر المتمثل بالعمال وهم أكبر المتضررين من جائحة كورونا، ومن هنا يجب عدم النظر الى العمال بأنهم زائدون عن حاجة الاقتصاد، بما يعنيه ذلك من تصنيفهم على أنهم عبء على الاقتصاد، لكن الحقيقة هي أن إدماج هذه العمالة في أسواق العمل، ومنحها الوظائف مجدداً هو أحد الضمانات الضرورية للاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد.


فالأهمية الاقتصادية لهؤلاء لا تقتصر فقط على عملهم وما ينتجون، بل تشمل كذلك دورهم في تنشيط الدورة الاقتصادية العالمية، من خلال إنفاقهم على السلع والخدمات، وهو المحرك الرئيسي للنمو، وبالتالي فإن إخراجهم من النشاط الاقتصادي يعني فقدان كل تلك المنافع، ولذلك، فإن الفترة المقبلة تستلزم من الحكومات ضرورة الاستعداد لهذا العبء الثقيل، وهذا يتطلب شراكة القطاع الخاص في إيجاد حلول.


حلول :

أزمة كورونا قد تكون فرصة العمر من خلال التركيز على الاقتصاد الوطني المحلي، وسوف يحتل اقتصاد الخدمات المكانة ومعها نقل التكنولوجيا والمعرفة وأنماط الاقتصاد الافتراضي عبر الوسائط الالكترونية .

والتركيز على مجال التكوين المهني وسياسة الورش الكبرى، والتي توفر المزيد من فرص العمل وضمان إقلاع اقتصادي حقيقي، وإيجاد دعم حكومي للمشروعات الشبابية المتعلقة بمشاريع التنمية والصناعة مع جعل الإبداع و الابتكار و البحث العلمي التكنولوجي رافعة أساسية في تحسين الإنتاج، ومصدر للاستثمارات جديدة قادرة على خلق فرص للعمل.

ومن المهم إبلاء كامل الأهمية للاقتصاد الاجتماعي و التضامني والاقتصاد الأخضر، وكذا للنهوض بالمقاولات الصغرى و المتوسطة، التي تحتوي على طاقات كبيرة في مجال خلق فرص العمل.


ختاما: الأولى أن تُستثمر أزمة كورونا بالرجوع للاقتصاد الوطني قبل تشكيل نظام عالمي جديد" حكومة عالمية" ونظام عبودية جديدة وليس رأسمالية كلاسيكية، لبقاء الأمة العربية ككيانات سياسية ضعيفة رهينة الفضاء الأكبر والنظام الإقطاعي الجديد والذي من المتوقع أن يظهر ما بعد كورونا والمتمثل بثنائية القطبية في الفضاءات الاقتصادية.

إرسال تعليق

0 تعليقات