هاني عزت بسيونى
تراجعت الأسعار الحقيقية للنفط حالياً في بورصات العالم إلى قيمة " ما
دون الصفر " ...
نعم أصبح النفط يوزع مجاناً من قبل المنتجين في مقابل التكفل فقط بأجور
نقله إلى وجهته النهائية ، وهو ما يعتبر أسوأ انهيار في أسواق النفط الدولية على
مر التاريخ ، بل لم تعرف البشرية أصلاً مثيلاً له من قبل حيث خسر النفط أكثر من ٩٤٪
من قيمته خلال يوم واحد فقط ليهبط الان إلى سعر نحو دولار أمريكي واحد فقط للبرميل
وسيستمر انهيار الأسعار لما دون ذلك ولمستوى سلبي لمن يسبق له مثيل ، وهو أسوأ
انهيار تشهد أسواق النفط الدولية في التاريخ على الإطلاق وأسوأ هبوط تشهده
البورصات في العالم فلم تعرف البورصات مثل هذا الهبوط ولا حتى في أزمة الكساد
الكبير التي ضربت العالم عام ١٩٢٩ والتي استمرت لعدة سنوات لاحقة انتهت باندلاع
نيران الحرب العالمية الثانية ....
وتعود أهم أسباب انهيار أسعار النفط عالمياً إلى ما يلي :-
أولاً .. أزمة الحصة السوقية التي أدت الى "حرب أسعار" وانتهت بإغراق
الأسواق بالنفط الذي يضخه منتجوه ، فاتفاق خفض الانتاج الذي تم التوصل اليه سيبدأ
العمل به اعتباراً من بداية شهر مايو القادم ، أما الاتفاق السابق فانتهى العمل به
في ٣١ مارس الماضي مما يعني أن شهر أبريل بينياً كان كفيلاً بإغراق الأسواق بالنفط
في الوقت الذي تراجعت فيه مرونة الطلب بصورة حادة بسبب أزمة "كورونا" وتحديدا
من الصين اكبر مستورد للنفط في العالم بالإضافة للدول الصناعية الكبرى وكذلك هناك
خسارة في الطلب الهيكلي على النفط بشكل عام بسبب انخفاض رحلات السفر إلى الحد
الأدنى كما انه لا يوجد استخدام للطاقة حيث ان هناك توقف شبه كامل لقيادة السيارات
وخلافه في أي مكان حول العالم والمصانع مغلقة والشركات مغلقة إثر الإجراءات التي
اتخذتها دول العالم لمواجهة انتشار فيروس كورونا وبالتالي ستكون أسعار النفط آخر
فئة أصول تتعافى من الإغلاق الكامل في جميع الدول .
ثانياً .. أزمة "كورونا" أدت الى ركود عالمي سيؤدي في المستقبل القريب
إلى المزيد من تراجع مرونة الطلب العالمي على النفط مما يجعل من اتفاق " أوبك
+ " لخفض الإنتاج بواقع ٩ ملايين و ٧٠٠ ألف برميل يومياً بلا أي قيمة او
تأثير على الأسواق وهو الاتفاق نفسه لم يكن سوى الاتفاق الذي لم يكن سوى ترضية
سياسية بين السعودية وروسيا والولايات المتحدة وليس نتاجا لاتفاق قادر على الصمود.
ثالثاً .. سيترتب على الأزمة الحالية أزمات أخرى جديدة تلوح في الأفق حالياً
أهمها أزمة التخزين ، حيث تبين بأن منتجي النفط في العالم ليس لديهم قدرة على
تخزين فائض إنتاجهم وإنما يعتمدون على البيع المباشر لما ينتجوه من نفط مما دفع
المنتجين الى أن يتسابقوا على عرض ما لديهم من نفط للبيع بأي سعر لأن تكلفة
التخزين ببساطة أصبحت أعلى من سعر النفط في السوق مما زاد مستوى العرض على الطلب
بمستوى فاق الحد الاقتصادي المعقول !!!!!
وتتحدث تقارير عن أن بعض المنتجين اضطروا لاستئجار ناقلات نفط عملاقة في
عرض البحر لاستخدامها كمخازن مؤقتة بكلفة باهظة !!.
لهذه الأسباب الثلاثة مبدئياً هوت أسعار النفط عالميا وستنخفض أيضا سريعاً
خلال الأيام القادمة وصولاً إلى تعطل الإنتاج في العديد من دول العالم التي ستجد
أن تكلفة استخراج النفط أعلى من سعره في السوق !!
وعليه فإنها قد توقف منشآتها طوعياً وتقوم بتسريح آلاف العاملين في هذا
القطاع !!! .
وستتجه الدول المنتجة للنفط في العالم نحو أسوأ أزمة اقتصادية عالمية ،
فالسعودية مثلاً وهي أكبر وأهم اقتصاد عربي قد تجد نفسها أمام أكبر عجز في
موازنتها في التاريخ على الإطلاق وكذا دول الخليج العربية الأخرى و إيران وفنزويلا
وغيرهم سوف تجد نفسها أمام أزمة مزدوجة تتعلق بالنفط وتتعلق بفيروس "كورونا"
الذي عطل عجلة الاقتصاد بشكل شبه كامل .
فخلال الأسابيع القليلة الماضية اضطرت السعودية أن تقترض نحو ٧ مليار دولار
أمريكي وبالتوازي فعلت دولة الإمارات الأمر ذاته ، كما استدانت البحرين مليار
دولار أمريكي وقررت سلطنة عُمان خفض إنفاقها العام بواقع مليار و ٣٠٠ مليون دولار
أمريكي ، وأعلنت الأردن أنها تبحث عمن يُقرضها ٦٤٠ مليون دولار أمريكي في حين تبدو
الكويت الأفضل حالاً في المنطقة العربية بسبب ادخارها بما يعرف بـ ( صندوق الأجيال
) وسياساتها المالية المتحفظة .
وسوف يؤثر ذلك بلا ادني شك على العمالة في تلك الدول ومنها العمالة المصرية
التي تمثل احد أهم مصادر الدخل القومي المصري الأربعة ، وإذا ما أضفنا ذلك إلى
أزمة "كورونا" فإننا سنجد أنفسنا أمام مستقبل لا نستطيع إلا أن نسأل
الله فيه العفو والعافية ..
والله المستعان ..!
0 تعليقات