محمد مجاهد الزيات
كتب أحدهم في صحيفة “المصري اليوم” تحت اسم مستعار “نيوتن” ولم يهتم
الكثيرون بمعرفة من هو؟
ومنذ أيام كتب عمودًا حول سيناء تضمن اقتراحًا ملخصه أن تصبح سيناء ولايةً
يُعيَّن لها حاكم لمدة ست سنوات تكون له صلاحيات مستقلة، وتطبق عليها القوانين
التي تُطبق في الدول الأخرى، أي أن تصبح منطقة مستقلة تتمتع بحكم ذاتي خارج
الدستور والقوانين المصرية. وحاول أن يسبق ما توقعه من ردود أفعال على هذا
المقترح، فأشار إلى أنه لا يعني اقتطاع سيناء من مصر، واستمر على مدى أربعة أيام
يروج لفكرته، موجهًا اتهامات شديدة لكل من يعارض رأيه.
بداية تدور حول “المصري اليوم”، رغم ما تحاول الإيحاء به بأنها نافذة تعبير
لآراء مختلفة قد لا تجد فرصة كافية في الصحف الأخرى، علامات استفهام حول سياستها
وتمويلها منذ بدايتها. ورغم عدم معرفتي بالذي يتخفى وراء اسم “نيوتن”، رغم أن
البعض يذهب إلى اتهام السيد “صلاح دياب” بأنه هو الذي يكتب هذا العمود؛ إلا أن ذلك
لا يمنع من مناقشة ما ذهب إليه كاتب المقال بصورة موضوعية، وإن كان من الضروري
الإشارة أولًا إلى ما يلي:
1- لم ينقطع الحديث عن سيناء طوال السنوات الماضية، وكانت ولا تزال هدفًا
لجهات متعددة، تستهدفها كجزء من الوطن المصري. وكان الهدف الاستراتيجي لهذه الجهات
والدافع الرئيسي أن تُحلّ القضية الفلسطينية على حساب سيناء. وقد طرحت دوائر الفكر
الإستراتيجية الإسرائيلية عدة مشروعات تتعلق بسيناء، سواء لتوسيع قطاع غزة إلى
داخلها، أو اقتطاع منطقة تمتد من رفح إلى الشيخ زويد شمالًا كقاعدة مثلث رأسه في
الجنوب، تكون منطقة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، وتحت تسميات مختلفة، منها تقاسم
الأراضي، وتبادل الأراضي. ومن أهم من تبنوا تلك المشروعات كان “جيئورا أيلاند”،
مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، و”عوزي درعي” نائب مستشار الأمن القومي
الإسرائيلي، و”ياعوشع درعي” أكاديمي على صلة بدوائر صنع القرار في إسرائيل. وكان
آخرها -العام الماضي- المشروع الذي طرحه “شمعون شايبر” السكرتير العسكري لوزير
الخارجية الإسرائيلي، و”شلومو فوجل” أحد مسئولي المبادرات الإقليمية بين إسرائيل
وجيرانها.
2- منذ عدة أشهر، أذاعت هيئة الإذاعة البريطانية برنامجًا زعمت فيه أن
إسرائيل عرضت على الرئيس “محمد حسني مبارك” مشروعًا لتوطين الفلسطينيين في سيناء،
وهو ما نفاه الرئيس الراحل، ونفاه أيضًا السيد “أحمد أبو الغيط” الأمين العام
لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية السابق في حينه.
3- كان قد سبق ذلك أيضًا صدور دراسات عن دوائر فكر يُفترض أنها رصينة،
وتلتزم قواعد البحث العلمي النزيه، خاصة مجموعة الأزمات الدولية التي أصدرت دراسة
حول سيناء استندت إلى وثائق مشكوك فيها تزعم أن سكان سيناء ليسوا مصريين، وأنهم من
أعراق مختلفة، وتوافق ذلك مع برامج من خلال القنوات الفضائية الإنجليزية
والألمانية.
بالنظر لما سبق، يصبح ما طرحه المُتخفي تحت اسم “نيوتن” في منتهى الخطورة،
وليس رأيًا مطروحًا للنقاش أو الحوار. فهل التمهيد لاقتطاع جزء عزيز من الوطن يكون
مجرد رأي بريء؟ ألا يشير هذا الرأي إلى المخططات الجهنمية التي طُرحت من قبل
لتقسيم الدولة المصرية؟
إن التقييم الموضوعي لذلك يجب ألا يغفل مجموعة من الحقائق التي من أهمها ما
يلي:
1- أنه يتزامن مع حملة شرسة لوسائل الإعلام التابعة للتنظيم الدولي للإخوان
المسلمين وقطر على اتساع العالم، توجه اتهامات للحكومة المصرية - دون أية أسانيد- حول
تعاملها مع سيناء.
2- أن ما يجري على هذا المستوى - وللغرابة- يتم في التوقيت الذي تمكنت فيه
القوات المسلحة المصرية وأجهزة الشرطة من محاصرة عناصر الإرهاب التي حاولت فرض
وصايتها على سيناء، وقدمت خلال ذلك الكثير من الدماء الزكية التي روت أرضها الطيبة
لتبث الخير والأمان لمواطنيها.
3- كما أن ذلك يتزامن مع أكبر عملية تعمير تشهدها سيناء في تاريخها، سواء
على مستوى البنية الأساسية أو المشروعات الاقتصادية والخدمية العملاقة وشبكة
الطرق، وتوطين البدو، واستئصال بؤر الجريمة والتهريب، بحيث يمكن القول باطمئنان إن
سيناء عادت للوطن بعد أن كادت تضيع.
تقديري، أن مثل هذا المقال يتسق مع كل المشروعات التي طُرحت سابقًا حول
سيناء، ويكشف عن استمرار نفس المخططات المتوافقة مع سياسات لا تستهدف سيناء فقط،
ولكن الوطن بأكمله، ومحاولته تغليف دعوته بتحقيق التنمية، بحيث يندرج بوضوح ضمن
خطة ممنهجة يشارك فيها أطراف متعددة، وتوقيته يشوش على الإنجازات التي حققتها
الدولة المصرية من خلال إدارة جيدة لأزمة جائحة كورونا، وانشغال السيد رئيس
الجمهورية بكافة التفاصيل، وحرصه على تعامل جاد لكافة أجهزة الدولة عسكرية ومدنية
في منظومة متكاملة لمواجهة أية تداعيات صحية أو اقتصادية أو اجتماعية محتملة لهذه
الأزمة.
سوف تتواصل عملية تعمير سيناء رغم التداعيات الاقتصادية المتوقعة لكورونا،
فتوجيهات السيد الرئيس هي أن يتواصل العمل في المشروعات المُقررة، خاصة مع
التأكيدات المتتالية لرئيس الجمهورية بأن تعمير سيناء ضرورة وركيزة للأمن القومي
المصري، وهو ما سيفرز في النهاية الأمن والرخاء لسيناء ولمصر. وليذهب “نيوتن” ومن
وراءه إلى الجحيم.
نقلا عن : المركز المصرى للفكر و الدراسات الاستراتيجية
0 تعليقات