آخر الأخبار

ليس كل ما كان وجد وجب !









علي الأصولي

الحكم الشرعي الفقهي، لا ينظر إليه ولا إلى مستنده وقوة دليله، في أبحاث الخارج لغرض إنزاله للواقع عن طريق الرسالة العملية أو الاستفتائية في سبيل إبراء ذمة المكلف المقلد والمقلد ( بالفتح والكسر ) كيفما كان وكيفما اتفق،


بل ينظر إليه من عدة زوايا منها تحقيق الغرض والمصلحة والفائدة والثمرة، لأن غاية الحكمة التشريعية بالحقيقة هو ما ذكرته أعلاه،



إذن لا يكفي فهم النظرية بمعزل عن فهم الواقع ومدى انسجام تلك النظرية وواقعها الموضوعي، والكلام كل الكلام لا بالحملة بل في الجملة، فإذا كانت النظرية أو الحكم الشرعي المستنبط أو الحكم الولائي لا تعود بالفائدة بعد تنزيلها للواقع، ينبغي للفقيه المجتهد ان يحصرها في مدار بحثي العلمي لا أن يحاول تطبيقها مع علمه أن مفسدتها من الوضوح بمكان،



نعم: ما تجده من إخفاقات فقهية فتاوائية أو ولائية هو بسبب عدم رعاية ما ذكرناه،


هذا الفقر في الرؤية البحثية العلمية الموضوعية سبب لبعض الفقهاء أزمات اجتماعية أو ادخل بعض أتباعهم في أزمات هم في غنى عنها،
ولذا نوهت فيما سبق على من أراد أن بعرف أفق وفهم مرجعية تقليده فلينظر إلى نظرته في الأزمات وتحديد أهم الملاكات لتتعامل معها ومنه يعرف أين يقف الفقيه وكبرى الحوادث،



خذ مثلا، روح الفقه إذا نظرنا إليها بمعزل عن الجمود النصي ونحاول أن ننزلها للواقع، فإننا سوف نوفق بتحقيق تقديم الحكم الشرعي ونجني ثمرة ذلك التنزيل،


وهذا ما لاحظناه في التاريخ الفقهي للنبي (ص) وأهل بيته (ع) ومع عدم رعاية وتوازن النظر فإن المفسدة سوف نجدها في الانتظار لا محالة والعرف ببابك !



ولذا نوهت على ذلك بتنبيه عنواني ( ليس كل ما وجد وجب ) يعني أن النتيجة البحثية القطعية وفق ما توصلت إليها من دليل لا أن تلقى على الواقع بدون معرفة نفس الواقع وصداه ومؤثراته، نحن نتعامل مع فقه وهذا الفقه تارة يلحظ بشكل فردي وتارة يلحظ بشكل مجتمعي أو اجتماعي فتكون النتائج مؤسفة وكارثية لارتباط الناس وحركتهم والخطابات الفقهية، بلحاظ كونهم مقلدة ( ومقلدة ) بإفراط منقطع النظير فهم أي الناس ( منهم ) لا يختلفون مع مقلدة الحنابلة!


ومن هنا قلنا أكثر من مرة ضرورة ملاحظة واستقراء روح الفقه في مظانه والعمل على ضبط إيقاعه وفهم ملاكه، لغرض تنزيله على واقعه ولو بشكل تدريجي أو نحو ذلك، لتحقيق مصلحة التشريع،




هذه الدعوة ليست من اختراعاتي وابداعاتي، بل وجدت لها إشارات واضحة في فقه أهل البيت (ع) ونصوصهم.



خذ مثلا عنوان التقية، قد لا تعرف عنه أكثر من كونه اتقاء شر الدخول ومشاكل مع السلاطين، أو الفقهاء المؤثرين، بل إن الأمر عنوان التقية أخذ فيه الأوسع من ذلك إذ شمل حتى التقية من بعض الأصحاب ( وأن كانت ظاهرة تقية الأصحاب هو في خصوص معارفهم وأسرارهم -ع- ) ولكن هذا لا يمنع من توسيع العنوان التقوي للحصة الفقهية،



ولذا نجد أن المعصوم ينزع بالإجابات الفقهية ويعلل ذلك بأنه يخاف على شيعته من الوقيعة بينهم وبين حكام الجور،


بل وقد يتم كتم معلومة فقهية أو تأجيل طرحها لوقت آخر إذا كانت تتعلق بجانب ولائي، وهذا ما لا حظناه في قصة الخمس إذ لم يطالب بها إلا الأئمة(ع) من توسط منهم ومن تأخر وأما المتقدمين منهم (ع) سكتوا عن وجوب الخمس والمطالبة، وكل ذلك لا يسمى ويصنف على أنه خلاف النص المفروض وجوده والإبلاغ بشأنه،




إن المعصوم بتعامل مع روح الشريعة لا مع نصوصها الجامدة وهذا الأمر ينبغي أن لا يغفل عنه في الذهنية الفقهية،



وهذه الدعوة ينبغي أخذها لمن تمرس بفهم النظرية، لا أن يحدد ملاكات الروح التشريعية الفقهية بيد أي كان،




لضمان أن من يسلك هذا الطريق هو لغاية تحقيق المصلحة لا أن نترك لمن يحاول أن يتذرع والخروج من دائرة الأحكام بحجج مصلحية،


بالتالي الشرع فيه مصالح وهذه المصالح لا يتصور فيها الفساد إلا من خالفه روحا ونصا،



نعم قد تكون الصعوبة في أصل رؤية وتحديد الملاك الأهم في مسألة الحكم من جهة وتنزله للعمل من جهة أخرى،


بتعبير آخر، يجب أن نفهم الحكم ولوازمه ومن ثم ننظر إلى الواقع ومناسباته، وهذا الأمر يحتاج إلى تدقيق وتحقيق كما هو المعلوم،



إذن، نحن نحتاج إلى مرجع ضبط في تنقيح كبرى الموضوعات لا فقيه مجتهد فحسب يمارس الاستنباط فقط وكأنه يستنبط لنفسه بلا رعايات وتوازنات ضرورتها من الوضوح بمكان،


والحمد لله رب العالمين

إرسال تعليق

0 تعليقات