آخر الأخبار

البرنسات الجدد!!













نصر القفاص



يوم 2 مايو عام 1908 كتب "محمد غانم" مقالا يرثى فيه "قاسم أمين" سيدهشك ما جاء فيه.. ولاحظ أن المقال مضى عليه حوالي 112 عاما.. نتوقف عند النص دون تغيير: "مات.. ولو قيل لنا افدوه بألف أمير من هؤلاء البرنسات الذين يعيشون من مال الأمة عالة عليها, وحملا ثقيلا على أبنائها.. يأخذون منها الملايين من الجنيهات, لينفقوها فى ملاهى باريز – باريس – وملاهى مونت كارلو وغيرها على الخمور والميسر والعربات المتنوعة.. لو علموا أن ذلك الفلاح المسكين.. الواقف فى جوف الصعيد, تحت نار الشمس فى الصيف الهجير يتصبب عرقا من الجهد فى العمل.. لو علموا أنه يفنى قواه جوعا.. ليجمع لحضراتهم الذهب, ويرسله لهم بالقناطير.. فيصرفونه فى لهوهم وشهواتهم..


لراقبوا الله فى هذه الأمة المسكينة, التى أساءوا إليها بقدر ما أحسنت إليهم"!!


أضع خطوطا تحت عبارة.. "الأمة المسكينة التى أساءوا إليها بقدر ما أحسنت إليهم"!! وإياك أن يخدعك أحدهم ليقول أن هذا كلام الشيوعيين, أو الناصريين.. فالمقال تم نشره قبل ظهور الشيوعية بتسع سنوات.. وقبل ثورة 23 يوليو بحوالى 44 عاما.. والحقيقة أن كاتبه كان صوت ضمير شعب.. لا يكف عن الصراخ من ظلم أولئك الذين لا يربطهم بالوطن, غير قدرتهم على نهب ثرواته وتبديدها فى عواصم الغرب.



دارت الأيام والسنين.. وأصبحنا فى "زمن كورونا" لنجد أنفسنا قد عدنا نحاول أن نقول ما كتبه الأستاذ "محمد غانم" ومن حقك أن تسأل عن مصدره.. وواجبى أن أدلك عليه.. فقد نشره الدكتور "يونان لبيب رزق" فى كتابه "الأحزاب المصرية عبر مائة عام" الصادر عن "الهيئة العامة للكتاب" قبل 14 عاما.. ولعلى توقفت عند هذه المعانى, لأن "ورثة البرنسات" وما هم ببرنسات!! يطالبون الدولة بتعويضهم عن خسائرهم المزعومة.. ويهددون بتسريح عمالهم وموظفيهم الذين مصوا دماءهم, وحولوها إلى دولارات تسكن بنوك عواصم اوروبا وواشنطن.. وهؤلاء ينتحلون صفة "رجال أعمال" وهم فى حقيقتهم "رجال مال" فيما كنا نسميهم زمان "المرابين"!!



لا يمكن لعاقل أن يناصب "رجال الأعمال" العداء.. ولا يجوز لواع وفاهم أن ينكر دور "رجال الأعمال" بناء الأمم.. ونحن فى مصر لا ننسى "طلعت حرب" الرجل والرمز وعنوان تحدى الاستعمار.. فهذا الرجل يقف تمثاله فى قلب القاهرة, شاهدا على تقدير الشعب المصرى له.. وهو إذا كان قد رحل, فلم ترحل بصماته ولا إنجازاته.. بل قل عطاياه لأمته.. أعطى "طلعت حرب" فى وقت العتمة, فأصبح اسمه مصباحا نبحث عنه فى الليالى المظلمة.. ونلعن ذاك الذى ترك لنا "المرابين الجدد" كنتيجة لانفتاح "السداح مداح" كما أسماه "أحمد بهاء الدين" قبل رحيله.. ونحن عشنا لنراهم يسرقون وينهبون ويتصدرون واجهة المجتمع.. فقد جعلهم "مبارك" نوابا ووزراء حتى سقط.. لكنهم لم يسقطوا.. تجرأوا على ابتزاز وطن بأكمله.. أحدهم بالانتحار مرة.. وبأن الدم سيكون فى الشوارع.. ثم نسمع من آخر "آسف.. مش هتبرع"!! ويضيف ثالث: "يموت شوية ويعيش الاقتصاد وباقى الشعب".. وبلغت بأحدهم الوقاحة ليقول: "شعب مش عايز يفهم"!!



فارق كبير بين "طلعت حرب" وبين أولئك.. لكن امتداد "طلعت حرب" مازال بيننا.. فنحن نذكر ونقدر من يعطون الوطن فى صمت.. من ينحنون تقديرا لشعب يحترمهم.. يتقدمهم "محمود العربى" الذى يستحق أن نرى عطاءه فى العتمة.. فهذا "رجل أعمل" يمعنى الكلمة.. يسهم فى تطوير الصناعة, فتعلم منها أن عماله وموظفيه هم ثروته الحقيقية.. وعلم أن قيمته فى أن يعطيها للمجتمع.. ومثله "محمد السويدى" الذى ينتزع الاحترام من الناس.. وكذلك "هبة السويدى" التى تقدم لوطنها منذ سنوات فى صمت.. و"رامى فايز" صاحب المنتجع الذى خصص للحجر الصحى فى مرسى علم.. وآخرين من أحفاد "طلعت حرب".. وكلهم عرفت عن عطائهم ولا أعرفهم.


ما نعيشه خلال "زمن كورونا" جعلنا نقلب أوراق الماضى, لنتعلم الحرص على ذاكرتنا الوطنية.. لأن "المرابين الجدد" أنفقوا مئات الملايين لتزوير التاريخ وتشويه حقيقة نضال طويل لعشرات السنين.. حتى تمكنوا من العودة والعبث بمقدرات الوطن وابتزاز المجتمع.. فنحن يجب أن نتذكر "سعد زغلول" حين قال: "ذوى الوجاهة والنفوذ يشتغلون بالأمور العامة, بقدر ما يكسبون منها سلطة وأموالا".. ويجب أن نتذكر تجربة طويلة وعريضة قادها "جمال عبد الناصر" لنعرف معنى "تحيا مصر".



فى "زمن ما بعد كورونا" سيحاسب الشعب كل أولئك الذين تاجروا بالأزمة.. وكل الذين حاولوا ابتزاز المجتمع وقيادته السياسية.. وإذا كان هؤلاء يراهنون على ضعف ذاكرة الناس, فهم لم يفهموا معنى "زلزال كورونا" واعتقدوا أنه مجرد أزمة يمكنهم التكسب منها.. لكنهم سيتعلمون درسا يستحقونه بقدر قسوته عليهم.. لأن شعبا دفع 64 مليار جنيه لأجل إنجاز قناة السويس الجديدة.. وتجرع مرارة إصلاح اقتصادى قاسى, فقط لثقته فى قيادته السياسية.. لا يمكن أن يغفر لبرنسات.. وماهم ببرنسات.. خطيئتهم!!

إرسال تعليق

0 تعليقات