آخر الأخبار

ماذا تفعل تركيا فى ليبيا












فادي عيد



دخلت المعارك بين الجيش الوطني الليبي، والميليشيات الموالية لحكومة الوفاق، بما فيها مجموعات المرتزقة السوريين، مرحلة جديدة أكثر شراسة منذ بداية الشهر الجاري، بعد أن عقدت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي العزم على استكمال حربها ضد الإرهاب لتحرير ما تبقى من الغرب الليبي وسائر التراب الوطني، وهو الأمر الذي قوبل بتصعيد غير متوقع من الجانب التركي في الأيام الأخيرة.



فبعد أن فشلت مجموعات المرتزقة السوريين، التي نقلتها أنقرة من شمال سوريا الى غرب ليبيا، في وقف تقدم الجيش الوطني الليبي نحو غرب البلاد، أضطر الجيش التركي للتدخل وبشكل مباشر، وكانت البداية ببالون اختبار، حاولت تركيا من خلاله، تحديد حجم القدرات الحالية للجيش الليبي ومنظوماته الدفاعية بالغرب الليبي، وتحديدا في مدينة العجيلات وما حولها، فأرسلت البحرية التركية في بداية الأسبوع الثاني من أبريل الجاري، زورقا هجوميا صغيرا الى سواحل مدينة العجيلات، أطلق صواريخ على المدينة دون حدوث أي خسائر بشرية أو مادية تذكر، ثم عاد الزورق إلى المياه التركية الإقليمية بأمان تام، ومن هنا أدرك الجانب التركي جيدا بأن يد الجيش الليبي ومنظوماته الدفاعية، سواء التي تعمل نحو الجو أو البحر بعيدة تماما عن مدينة العجيلات وما حولها.


ثم جاء يوم الاثنين الموافق 13 أبريل، لتنزل البحرية التركية بثقلها عبر بارجتين حربيتين، شنت هجوما مكثفا بالصواريخ على مدينة العجيلات، استهدف المباني الحكومية الحيوية، مما فتح الطريق أمام المليشيات السورية كي تسيطر على الأرض، وتتسبب كذلك في زعزعة قوية بمدينة صرمان، التي سيطرت عليها مليشيات تابعة لطرابلس، في مشهد مأساوي، يماثل مشهد عدوان طيران حلف الناتو عام 2011 على ليبيا، وهو ما مهد حينها لظهور عشرات المليشيات التي سيطرت فيما بعد على أغلب المدن الليبية وقتها،

من هنا نستنتج عدة نقاط  مهمة

أولا : تأكيد  أن قطاعا كبيرا جدا من مكونات مدن الغرب الليبي، غير مهيأ للتعاطي مع جيش نظامي، ويفضل الوضع الميليشياوي بحكم الفكر الإسلامي المسيطر على أغلبهم، بجانب تأثر جزء كبير جدا منهم بأصوله التركية، فهناك ما يقرب من 600 ألف مواطن بمصراتة من ذي أصول تركية، وفي مقدمة هؤلاء قبيلة الكراغلة، ولا ننسى أن فايز السراج رئيس حكومة الوفاق هو نفسه من أصل تركي وجده مدفون في تركيا، كذلك وزير داخليته فتحي باشاغا والعديد من رجال حكومته.

هؤلاء تتعامل معهم المخابرات التركية كما تتعامل مع التركمان في سوريا وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، أي على أنهم امتداد لها وجنود لها بتلك الجبهات، وطبعا تأتي في مقدمة  تلك المدن مصراتة، غريان، صبراتة، الزاوية، العجيلات وغيرها.

ثانيا: أن أردوغان لن يتراجع عن التوغل في ليبيا حتى لو كلفه هذا تكرار ما فعله في سوريا والذهاب للغزو المباشر، وكما تنصل من اتفاقيات سوتشي والأستانة في الملف السوري، ها هو يغرد خارج سرب اتفاق برلين الخاص بالملف الليبي، بل وذهب لما هو أبعد من ذلك، بعد ما فعلته البارجتان الحربيتان التابعتان لسلاح البحرية التركي.

فكما تخطى أردوغان دور العملية العسكرية “صوفيا” لوقف إمداد تركيا للمليشيات في الغرب الليبي، ها هو الأن يعود ويكرر الأمر ضد  العملية العسكرية “إيرين” التي ينفذها الاتحاد الأوروبي بإشراف اليونان، وأن “إيرين” ستقف عاجزة أيضا أمام أردوغان كما وقفت “صوفيا” التي كانت بإشراف إيطالي.

فبعد إعلان إطلاق العملية “إيرين” بـ48 ساعة، أرسلت تركيا شحنات جديدة عبر البحر تحمل من المرتزقة والسلاح والذخائر الكثير لكلا من مصراتة وطرابلس، وبنفس الوقت كان الزورق التركي الهجومي يقصف مدينة العجيلات، في رسالة تحدي واضحة من أردوغان لنظرائه الأوروبيين بأنه لن يتراجع عن دعم المليشيات.

ثالثا: ن المكون الأمازيغي في غرب ليبيا سيكون معضلة أمام الدولة الوطنية الليبية، كحال الأكراد في سوريا والعراق، كحالهم في الجزائر في فترة قايد صالح رئيس الأركان الجزائري رحمه الله، وأن أجندتهم الخاصة لم تعد خفية على أحد، وأن رفعوا سلاحهم يوما فسيكون في وجه الجيش الوطني الليبي، وهم لديهم من السلاح الكثير والكثير.

رابعا أن أردوغان يسعى في دخوله لليبيا لتحقيق أهداف إستراتيجية عديدة، كالتواجد في شمال أفريقيا ولي ذراع أوروبا ومساومتها بكارت اللاجئين الخارجين من ليبيا كما ابتزهم بكارت اللاجئين السوريين، وأيضا والأهم له الآن هو الوضع الاقتصادي التركي المتأزم حاليا، فلدى أردوغان خطة مشابهة تماما لخطة سرقة النفط السوري لتكرارها في ليبيا.



فلا يخفى على أحد سعي أردوغان لسرقة النفط الليبي كما فعل بنفط الجزيرة السورية، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية ببلاده كل يوم، وما وصلت له مؤشرات الاقتصاد التركي من مراحل الخطر، وهو ما انعكس في شكل حركة الشعب التركي بالأسواق التجارية ومحلات المواد الغذائية، وهو المشهد الذي سمي بالأعلام التركي “فوضى كورونا”، والذي على أثره قدم وزير الداخلية التركي سليمان صويلو استقالته، كي يفتح العيون على مشهد أكثر تعقيدا في تركيا، وهو مشهد صراع قطبي الحزب الحاكم بيرات البيرق وزير المالية وصهر أردوغان، وسليمان صويلو وزير الداخلية وحلقة الوصل بين الدولة العميقة وأردوغان من جانب، وعلى الخلاف بين الدولة العميقة وأردوغان نفسه من جانب أخر.


ولكي نفهم طبيعة تلك الصراعات الغير مرئية نطرح لك رؤية أعمق لماهية الصراع بين صويلو وبيرات البيرق، والخلاف المتفاقم بين الدولة العميقة وأردوغان.


خلاف الزعامة على المقعد الثاني بالبلاد


بداية يسعى كل من سليمان صويلو وبيرات البيرق لمزاحمة مدير المخابرات التركية وصندوق أسرار أردوغان هاكان فيدان في الجلوس على المقعد الثاني بالبلاد بعد مقعد الرئيس أردوغان، وربما للذهاب للمقعد الأول بتركيا في حال خروج أردوغان المريض من المعادلة، ولكلا منهما أدواته الخاصة.


فوزير الداخلية التركي سليمان صويلو أدواته كالأتي : القديمة وتتمثل في فريقه القديم بالحزب القومي، والأهم فريقه بالدولة العميقة التى كان هو نفسه حمامة السلام بينها وبين أردوغان، عندما أراد أردوغان كسب ودها، والجديدة والمتمثلة في المؤيدين له داخل الحزب الحاكم حزب العدالة والتنمية.


بينما تتمثل وزير المالية بيرات البيرق (صهر أردوغان) أدواته في متانة علاقاته بوالد زوجته إسراء إلا وهو أردوغان نفسه، ثم دراويش الحزب الحاكم الذين على استعداد لمبايعة السلطان الجديد، ويبقى أهم الداعمين له في نظري هو الفريق الخارجي، الذى أتى بأردوغان منذ عشرون عاما وسعى للتخلص منه في محاولة انقلاب يوليو 2016م، قبل أن يعود أردوغان لحضن الدولة العميقة ويقدم لها جماعة فتح الله كولن كقرابين، وبالمناسبة علاقة بيرات البيرق بإسرائيل أبعد مما يذهب لها خيالكم.


فالرئيس التركي الذي مزق استقالة سليمان صويلو رافضا بكل قوة خروجه من الحكومة، لم يفعل ذلك خوفا على الوضع الأمني في البلاد أو حبا في شخص صويلو، بقدر خشيته من حدوث شرخ جديد داخل جسد حزب العدالة والتنمية التركي، في ظل ذهاب رفاق الماضي أحمد داوود أوغلو وعلي بابا جان وعبد الله جول لإنشاء أحزاب جديدة منافسة له، مما استقطب هؤلاء أناس من داخل حزب العدالة والتنمية، وبالأساس حزب العدالة والتنمية لا حول له ولا قوة، فلولا دخول حزب الحركة القومية بزعامة اليميني المتطرف دولت بهتشلي في كل الانتخابات السابقة في شراكة مع حزب العدالة والتنمية لما كان للحزب الحاكم وجود الآن، فما بالكم في حال قبول استقالة صويلو ما الذي كان سيحدث وهو من له جماهيرية كبيرة في كلا الحزبين (العدالة والتنمية والحركة القومية).


سر الخلاف بين الدولة العميقة وأردوغان

بينما فيما يخص الخلاف بين الدولة العميقة (أرغنكون) وأردوغان، فبعد أن ألمح أردوغان عن إمكانيته مصادرة أموال بعض رجال الأعمال على غرار سيناريوهات قديمة حدثت في تاريخ تركيا المعاصر لمواجهة أزمة كورونا، أدرك ما يسمى بـ “رجال أعمال إسطنبول” أو “رجال أعمال الدولة العميقة” أنهم المستهدفون، فعلى الفور قرر هؤلاء الاقتصاديين استباق أردوغان، وتحريك رجلهم الأول في الحزب الحاكم وفي حكومة أردوغان (سليمان صويلو) بتقديم استقالته بعد الإشارة لخطأ تقدير أردوغان في كيفية تطبيق قرارات حظر التجوال لإحراج الرئيس التركي أمام الرأي العام.

وبمجرد أن قدم سليمان صويلو استقالته كان هناك أكثر من مليون ونصف مغرد في أقل من ساعة أعلنوا تضامنهم مع سليمان صويلو، الأمر الذي سبب إحراج للرئيس التركي ورفاقه على ساحة مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك كافة وسائل الأعلام التركية والشارع التركي الذي عاش حالة من الفوضى والرعب على مدار 73 ساعة، مما أجبر أردوغان على تمزيق ورقة الاستقالة، ورفض ترك سليمان صويلو لقيادة وزارة الداخلية.

فبرغم أن رجب طيب أردوغان تمكن من السيطرة على كافة مفاصل الدولة على مدار 18 عاما من عمله كرئيس وزراء أو رئيسا للدولة، إلا أنه لم يستطع بعد إحكام قبضته على مجموعة ما رجال أعمال إسطنبول، ومن المؤكد أن تلك لن تكون نهاية سليمان صويلو، وقد ينتظره تنحية مختلفة بعد أن تهدأ الأوضاع كما فعل أردوغان مع عبد الله جول وأحمد داوود أوغلو، وكما كان سيفعل مع مدير مخابراته هاكان فيدان في2015.

إرسال تعليق

0 تعليقات