آخر الأخبار

مصطفى الكاظمي أمام خيارين










محمد كاظم خضير



يحاول الرئيس المكلف مصطفى الكاظمي إثبات أنّ تكليفه لم يكن مشروطاً بتبني تشكيلة حكومية جاهزة، وأن لا علاقة له بكل المشاورات التي أجريت قبل تكليفه، وأنّ مهمة التأليف منوطة به وهو يمارس صلاحياته المنصوص عنها في الدستور على أكمل وجه.



يدرك الرئيس المكلف مدى حجم الأزمة التي تعصف بالعراق ، كما يدرك انّ مهمة الإنقاذ شبه مستحيلة ما لم تتوافر ظروف وطنية مساعدة وخارجية مهيأة لنجاحه، وبالتالي لا يفيد بشيء أن يشكل حكومة يكون مصيرها الفشل الحتمي على وقع عدم مبالاة دولية وانقسام وطني و مظاهرات شعبية..



وهذا الوضع الصعب والمعقّد جداً كفيل بحرق شخصيات تمثيلية ومخضرمة، فكيف بالأحرى بشخصية من خارج النادي السياسي دخلت في مرحلة استثنائية إلى نادي رؤساء الحكومات خلافاً لإرادة بيئتها وإرادة الناس المتظاهرين في الشارع، وفي ظل فريق كان وراء تكليفها انطلاقاً من حرصه على نظرته ومصالحه وإنجاح نفسه وليس حرصاً على إنجاحها، وفريق آخر ينتظرها على «الركوع » لأنّ نجاحها لا يخدم مصالحه.



ومن هذا المنطلق على الرئيس المكلّف ان يكون شديد الحذر في خطواته، خصوصاً انه لم يدخل نادي رؤساء الحكومات من باب الانتخابات النيابية والحيثية الشعبية، بل المصادفة السياسية كانت وراء تكليفه وهو غير معروف بالنسبة إلى القسم الأكبر من للعراقيين الذي استند إلى محرك البحث «غوغل» للتعرّف الى شخصه. وبالتالي، عليه في تركيبة مجتمعية مثل العراق وأزمة غير مسبوقة ان يرسم أهدافه ويحدد خياراته، وهي محصورة بخيارين مرين :



ـ الخيار الأول، أن يجعل من نفسه «متراساً» للأحزاب الشيعية »الثنائي الأكراد والأحزاب السنية » بتشكيله الحكومة التي تتوافق مع مصلحة هذا الثلاثي، فيما أي حكومة من هذا النوع سيكون مصيرها الفشل، والأسابيع لا الأشهر كفيلة بإظهار ذلك، كونها لن تستطيع الصمود أمام الانهيار المتواصل ومطالب الناس المتزايدة، خصوصاً أنّ الذهنية السائدة لدى هذا الثلاثي تتراوح بين التعايش مع الأزمة على غرار تعايش البلاد نا المجاورة معها، وبين رفضها الإقدام على إصلاحات فورية وبنيوية تطاول مصالحها المباشرة في القطاع العام وكأنّ البلد في خير وتجاوز الأزمة ممكن، فيما الدعم الخارجي مقطوع الأمل منها مع حكومة من هذا النوع.



وبما انّ طبيعة الأزمة خدمات لا سياسية أُعطي الرئيس المكلف فرصة لتأليف حكومة تحظى بغطاء وطني لا فئوي كما حصل في التكليف، وبالتالي يخطئ إذا اعتبر أنّ الإنقاذ سيكون متاحاً في حال انسحبت «خطيئة» التكليف على التأليف، ومن غير مصلحته أساساً ان يتم التعامل معه كحقل تجارب على قاعدة انه في حال لم ينجح يكلّف غيره، ما يعني خروجه من تجربة فاشلة تؤدي إلى حرقه نهائياً وانتقاله الى العزلة لا الى مقاعد الاحتياط، خصوصاً انّ ثمة معلومات ترددت ومفادها انّ «الأكراد وسنة » غير متحمِّس لتوفيق ، وأنه قرر مسايرة الحكومة في هذه الخطوة التي يريد إحباطها من أجل العودة إلى الأصيل على قاعدة «لقد حاولت فخامة الرئيس ولم تفلح، وبالتالي يجب إعادة القديم إلى قدمه».



ـ الخيار الثاني، أن يتمسّك بحكومة اختصاصيين مستقلين ويرفض كل الضغوط التي تمارس عليه من أجل تشكيل حكومة اختصاصيين مقنعة، وأن يغربل جيداً الأسماء التي يعتزم توزيرها بعيداً من التسرُّع بغية ان تحدث الصدمة الإيجابية المطلوبة، والعراق بلد الكبير والناس تعرف بعضها البعض وإخفاء أي شيء أو التذاكي غير ممكن، والتركيز سيكون منصبّاً على السيادية كما انّ الحفاظ على التقسيمات التقليدية نفسها سيشكل عاملاً سلبياً لناحية انّ وزارة المال الأكراد ووزارة الخارجية لشيعية والداخلية الشعية وغيرها طبعاً، فيما الفرصة متاحة ربطاً باللحظة الاستثنائية من أجل المداورة في الحقائب الوزارية.



وفي موازاة النزاع الدائر بين المركز والإقليم يمتلك الرئيس المكلف أوراقاً عدة في طليعتها الأزمة الحالية والانتفاضة الشعبية والثقة الخارجية، وبدلاً من أن يخوض تجربة فاشلة لن تعمّر أكثر من ٦ أشهر ويدخل بعدها في غياهب النسيان، في إمكانه أن يضع الجميع أمام احتمالين لا ثالث لهما:


إمّا التسليم بشروط المرحلة التي تستدعي تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، وفي حال نجح في تشكيلها يدخل مصطفى الكاظمي نادي رؤساء الحكومات من بابه العريض ويتحوّل رجل المرحلة. وإمّا الاعتذار عن التكليف لأنه ليس في وارد الدخول في مغامرة محكومة بالفشل بفعل الحسابات السلطوية وعلى حساب البلد والناس وشخصه، فيظهر للعراقيين عموماً وبيئته خصوصاً أنه غير ساع إلى مراكز ومواقع سلطوية على حساب قناعاته الوطنية ورؤيته الإنقاذية.


وخطوة من هذا النوع كفيلة أن تجعله يردّ اعتباره داخل بيئته وتفتح أمامه أبواب المرجعية ، وتجعله يحظى بالمشروعية التي يفتقدها لأنه رفض التأليف بشروط غيره وحافظَ على حيثية الموقع الذي يمثّله، كما تمنحه المصداقية لدى الناس المنتفضين، وتفسح المجال أمامه لفرص أخرى، خصوصاً انه لم يتموضع خارج صورته كاختصاصي مستقلّ ساعٍ إلى تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين، وقد تكون من المرات القليلة التي يتبدّى فيها شكل الحكومة على هوية رئيسها.

---
كاتب وباحث سياسي


إرسال تعليق

0 تعليقات