آخر الأخبار

الفتوحات الإسلامية.. تحت النقد







عز الدين البغدادي


بلا شك، فإنّ ممارسة النقد شيء جيد، إلا أنّ النقد لا يمكن أن ينجح دون موضوعية وفهم حقيقي للمسألة دون ممارسة جلد الذات التي يقع فيها كثير منا ربما دون وعي.


لا أريد أن أؤيد النظرية التي ترى أن الفتوحات لم تكن غير حملات استعمار بحق البلاد، ولا أريد أن امجد هذه الفتوحات، لكني أقول لهذا الطرف أو ذاك قبل أن تحكم هناك حقائق موضوعية لا بد من ملاحظتها، وهي:


• المبدأ في الإسلام أن القتال لا يكون مشروعا لسبب ديني، فالقتال يكون مشروعا عند دفع عدوان وأما اختلاف الدين فانه لا يكون سببا للحرب، كما قال تعالى: ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا )، فقتال من لم يبتدئ بقتال عدوانا. وواضح من النظر في غزوات النبي (ص) إنها كانت كلها على الإطلاق دفاعية (جهاد دفع) ليس فيها جهادي ابتدائي (جهاد طلب ) أبدا.


• عندما نريد أن نفهم أو ننتقد تلك المرحلة فيجب أن نعرف طبيعتها، ونحاكمها وفق ذلك. لقد كانت الحرب في ذلك الزمن هو الأصل، فهو زمن الإمبراطوريات التي لا تعرف فكرة الحدود، أما السلم فيكاد أن يكون أمرا طارئا للتهيؤ لحرب مرة أخرى. وبالتالي فان تمدد دولة على حساب دولة هو أمر طبيعي جدا، وليس شاذا ولا مستنكرا.



• إن نزاع المسلمين حصل مع دولتين معتديتين في أصلهما يحتلان أراضي العرب، وهما الفرس والروم، بينما أمر النبي (ص) بعدم قتال الأحباش (نصارى) والترك (وثنيون) أنهم لا يمثلون خطرا على الأمة ولا يحتلون جزء من أراضي العرب، وبالتالي وبما أنهم لا يمثلون خطرا ولم يصر منهم عدوان؛ فلا معنى ولا داعي لقتالهم.



• إن واقع الفتوحات ليس شيئا واحدا، بل تختلف دوافعه، فما حدث في عهد الخلفاء الراشدي له حساباته وما حدث في عهد الملك العضوض تختلف حساباته.



وهو يختلف عما حصل في العهدين الأموي وما بعده، عندما اعتبر الغزوة أداة للتوسع وجلب المال، وهناك من اعتبره أداة للتلهية بحيث يصرف الناس عن المعارضة.


وبأي حال فينبغي ونحن نريد أن نقوّم الفتوحات أن لا ننظر إليها بنفس النظرة،.



• إنً الإسلام قفز بأخلاق الحرب بشكل غير مسبوق أبدا فيما سبقه، فكان النهي عن قتل النساء والأطفال بل والتجار والمزارعين. والنهي عن الحرق والتمثيل وعن التخريب والنهي عن النهبة والأمر بدفن أي جثة في الحرب بغض النظر عن الدين.



لذا، فقد كان المسلمون رحماء جدا قياسا بغيرهم، بل لا وجه لمقارنتهم بغيرهم، بل حتى بنو أمية وبنو العباس والعثمانيون كان بنظر الأوربيين طيبين وأحيانا لدرجة السذاجة بسبب درجة التزامهم بالعهود والمواثيق.



ثم هل قرأ المنتقدون أو اطلعوا على ما فعله الصليبيون عندما احتلوا القدس؟ أو ما فعله الأسبان والفرنسيون فـــــــي مستعمراتهم؟ هـــــل عرفوا كيف انتشرت الكاثوليكية فـــي أمريكا اللاتينية وما فعلته الإرساليات التبشيرية في الهند وإفريقيا؟ هل يعلم هؤلاء شيئا عن جرائم اليابانيين في أسيا ولا سيما الوحدة 731 في الجيش الياباني؟


هل قرأ المنتقدون عما كان يعرف بـ Human zoo والتي كانت موجودة في الدول الغربية والتي بدأت في الفاتيكان في القرن السادس عشر، واستمرت الى حد منتصف القرن الماضي والتي كان يوضع فيها بشر من حضارات مختلفة ( أفريقيا وأستراليا ) في أقفاص على أنهم كائنات اقل من الأوربيين وفوق الحيوانات.


أقول هذا، رغم أننا لا نحتاج الى البحث كثيرا في التاريخ، فيمكن أن تنظر إلى حال الاحتلال الأمريكي في العراق وأيضا من حيث الوسائل والنتائج.



هذا من حيث الأسلوب، وأما من حيث النتائج فان تلك البلدان شهدت نهضة علمية واقتصادية كبرى بخلاف الاستعمار الأوربي في الهند وافريقيا واللاتينية. واقعا لا يمكن ان نشبه هذا بذاك بأي حال...


بينما كانت فترة حكم المسلمين في إسبانيا تعرف بـ "العصر الذهبي" للعلم، إذ انتشرت المكتبات والمعاهد العلمية والحمامات العامة وازدهر الأدب والشعر والعمارة وأسهم المسلمون وغيرهم في هذه النهضة الثقافية. كما توصف في بعض الأحيان بـ "العصر الذهبي" للتسامح الديني والعرقي بين المسلمين والمسيحيين واليهود.



وتذكّرت بعض الأخوة الذين يُكثرون من نقد الفتوحات الإسلامية ويدينون أسلافهم، أو يندد بالاحتلال العربي لإسبانيا، رغم ان الاحتلال الإسلامي هو الاحتلال الوحيد الذي نفث روح العلم التمدن في البلاد حتى ان الأوربيين كانوا يعتبرون الأندلس أهم معاقل العلم الذي انتفعوا منه. لكن لا نجد هؤلاء يتحدثون عن جرائم لا تعد ولا تحصى من جرائم احدث عهدا من دوا تتحدث كثيرا عن الديمقراطية وعن حقوق الإنسان.



• لم ينتشر الإسلام بالسيف، فلقد انتشر الإسلام بشكل كبير في بلادٍ لم تطأها خيل المسلمين، بل كان أبناء الأمم يدخلون في الإسلام بسبب ما يرونه من حسن خلق المسلمين وما يرونهم من تعاملهم وسيرتهم.


بل ذكر بأنّ من بين أسباب نجاح المسلمين السريع في الغزو أنهم كانوا يطرحون شروط تسليم كريمة، وهي تتعارض مع الشروط القاسية التي كان يفرضها غيرهم.


وأذكر هنا ما قاله مونتسكيو في كتابه "روح الشرائع" حينما ذكر في أحد مواضع كتابه أن كثيرا من الشعوب كانت ترحب بالعرب والمسلمين لأن حكامهم الأصليين كانوا يحملّون على كواهلهم كثيرا من الضرائب التي ما كانوا يقدرون عليها، فكان غزو المسلمين يمثل خيارا أفضل بالنسبة لديهم.



• لا يمكن أن نحتج لعدم مشروعيتها بتوقّف الفتوحات في عهد الإمام علي بن أبي طالب، وذلك لأنه انشغل بالفتن الداخلية، وإلا فإنه اشار على عمر بن الخطاب ببعض ما يخصّ معركة القادسية، ولو لم يكن يرى مشروعيّتها لبين ذلك، ولجاء منه نصً أو خبر، وهو ما لم يحدث. كما إن ولديه الحسنين سبطي النبيّ (ص) وبعض المقربين له كأبي ذرّ وأبي أيوب وسلمان وحذيفة وحبيب بن مظاهر وقبائل ربيعة وخصوصا عبد القيس وهمدان والأنصار وغيرهم وغيرهم وهم شيعىة علي كلهم شاركوا في معارك الفتح، فضلا عن الدعاء المشهور للإمام السجاد علي بن الحسين المعروف بدعاء الثغور.



وأخيرا أقول بان النقد المبالغ فيه لا يعبر عن رؤية علمية بمقدار ما يعبر عن أزمة نفسية بسبب الوضع الراهن وما افرزنها مرحلة تسلط أحزاب الإسلام السياسي بمختلف اتجاهاتها ورغبة بالانسلاخ عن الهوية المنهزمة والدخول بأي شكل في هوية أخرى ولو لم يكن ذلك ممكنا إلا بجلد الذات وصب جام الغضب على تاريخ مضى وانتهى.

إرسال تعليق

0 تعليقات