آخر الأخبار

المعمم والمطربة







عز الدين البغدادي


في أواخر سنة 1980 عُثر على جثة رجل دين شاب في إحدى أودية جنوب لبنان اخترقت جسده عدّة رصاصات قاتلة، وعلى الجثة ظهرت آثار تعذيب وحشي.


 سرعان ماتمّ التعرف على هوية القتيل. فهو السيد “علي بدر الدين” إمام بلدة “حاروف” في قضاء النبطية الذي اختفى وهو في طريقه إلى المسجد قبل بضعة أيام. ومع العلم أنه في تلك الفترة كانت الحرب الأهلية لبنان، وكان جنوب لبنان مسرحاً لنشاطات وعمليات وجرائم عشرات الأجهزة الأمنية العربية والأجنبية فضلاً عن الموساد.



ولد "علي بدر الدين” في قضاء النبطية عام 1949، درس في حوزة النجف لفترة، كان شاعرا جيدا، وله قصائد في الغزل فضلا عن قصائد دينية واجتماعية.

 بعد قيام الحرب الأهلية في لبنان كان الوضع الاقتصادي صعبا جدا، وقد طرق بابه يوما شخص عرف أن لديه قصائد غزل وعرض عليه أن يشتري منه قصائد تغنيها المطربة اللبنانية الكبيرة فيروز، بعد تردد وافق لكن اشترط أن لا يعلن اسمه، بعد ذلك زاره الموسيقار عاصي رحباني (زوج فيروز) ولم يكن ليصدق أن طالبا شابا في الحوزة الدينية له مثل هذه القصائد الجميلة.

وقد اشترى رحباني أكثر من قصيدة ودفع ثلاثين ليرة للقصيدة الواحدة. وفعلا غنت فيروز بصوتها وبلحن الأخوين رحباني، فكانت أغنيتها:

أنـا ياعصفورة الشجـنِ —- مثل عينيك بلا وطـنِ


في ذلك الوقت لم يكن الأمر غريبا فالمعمم كان أريحيا، لم تكن الحوزة في ذلك الوقت قد غزتها الأفكار المتطرفة لا سيما الولائية وأفكار الغلو والمهدوية وكانت الخرافات تجد إنكارا من عدد كبير من مثقفي الحوزة، وكانت النزعات الفكرية تعمل عملها هناك، والكتب الثقافية لها رواجها، والتيارات السياسية تجد لها مكانا جيدا للتحرك والمقبولية.



أحيانا كنت اركب السيارة من النجف إلى بغداد، وويل للسائق إذا فتح الراديو على أغنية وهناك شيخ معمّم، فسينهره رأسا ويعلن غضبه وانزعاجه.


 ربما يعزى ذلك ولو جزئيا إلى ضعف النزعة الأدبية بل تلاشيها تقريبا في الحوزة النجفية التي كانت حوزة أدب وشعر، هذه النوعة التي كان لها دور في تلطيف الروح وأيضا في تقوية نزعة الشك والتفكير، بينما طغت في هذا الزمن عقلية "الرسالة العملية" على طلبة العلم، حيث يدور التفكير فقط بين الحلال والحرام، وهو يتصور أن الدين لا يتجاوز ذلك، بل وهو يتصور أن الحياة لا تتتجاوز ذلك ولا تحتاج إلى أكثر من ذلك.



إرسال تعليق

0 تعليقات