آخر الأخبار

أصول الفقه : أصالة البراءة (2)












علي الأصولي


الدليل الثاني: وهو للمحقق الأصفهاني،




و حاصله: أن ( قاعدة قبح العقاب بلا بيان ) مرجعها إلى قضية قبح الظلم وحسن العدل، واحد تطبيقات هذا المدرك العقلي هي هذه القاعدة، قاعدة ( قبح العقاب )



وأن حاول بعضهم إرجاع قبح الظلم وحسن العدل إلى القضايا التجميعية وليست مستقلة بنفسها بلحاظ ان قبح الظلم وحسن العدل متفرع على وجود حق سابق، وهو مدرك عقلي سابق على القبح والحسن فلا تكون رئيسية بالتالي، ومن هنا قالوا بالتركيبية، بالإضافة ان ليس كل القضايا العقلية ترجع للقبح والحسن كحسن الصدق وقبح الكذب،


هذه المحاولة لا تضر بالأصل العام للقبح والظلم وأن كانت من القضايا التجميعية أو التركيبية،


يعني سواء قلنا أن القبح والظلم من القضايا العقلية الرئيسية أو التجميعية التركيبية، لا أثر للإيراد أصلا،


وهنا نعرض مختار مبنى المحقق الأصفهاني الذي رتب الاستدلال عليه،



ومفاده: أن حقيقة الحكم الشرعي هي التحريك والبعث، ومع عدم إرادة التحريك والبعث فيكون الحكم إنشائيا وليس حقيقيا، وكيف كان: التحريك متفرع على الوصول، ومع عدمه - اي عدم الوصول - لا يمكن التحرك وبالتالي لا يكون فعليا، لان الفعلية هي التحريك، ومع عدم فعليته يقبح عقوبة المكلف على الترك أو تركه،


أقول: إن الوصول الفعلي هو المحرك ومع فرض الوصول الاحتمالي فلا معنى للتحرك، لان التحرك فرع العلم فلاحظ،


تنقسم المولوية إلى قسمين أساسيين،

الأولى: المولوية الثابتة،

الثانية: المولوية المجعولة،

والأولى، هي الموجودة في نفس الأمر والواقع، ولا تحتاج في ثبوتها إلى جعل جاعل، فهي ثابتة أبدا ودائما، علمت بها أم غفلت عنها، وهذه المولوية أطلق عليها السيد الشهيد محمد باقر الصدر، مصطلح ( المولوية الذاتية ) وهي مخصوصة بالله تعالى، بحكم مالكيته لنا الثابتة بملاك خالقيته، - بحوث في علم الأصول ج٤ بتصريف ).


والثانية، المولوية المجعولة، وهي غير الثابتة في نفس الأمر والواقع، وعليه فهي تحتاج إلى جعل في ثبوتها، كمولوية الأب على أبناءه،


ما يهمنا هو : قولهم أن العقل يدرك وجوب التحرك والامتثال فيما لو كان هناك ثمة تكليف من قبل المولى ( الحقيقي والعرفي ) وقبل بيان هذه المسألة، ومتى يكون التحرك من عدمه، وما هي مساحته من ناحية السعة والضيق،


لابد من بيان مسألة مهمة في المقام وعلى ضوئها يمكن تصور التحرك وسعته من ضيقه،


ووقع الكلام في التكليف الذي يحكم العقل بامتثاله وطاعته، هو في خصوص التكليف المنكشف لدى المكلف، بدرجة القطع والانكشاف التام، أما مع كون الانكشاف ناقصا ( ظنا أو شكا أو وهما ) ناهيك عن القطع بالعدم - بعدم التكليف - فلا حكم بوجوب الامتثال، وهو ما تمسك به المشهور ،


وفي قبال قول المشهور، مسلك حق الطاعة الذي أسسه وتبناه السيد الشهيد الصدر الأول، وعموم طلابه وطلابهم،
حيث التزموا بوجوب الامتثال والإطاعة بالتكليف بمجرد الانكشاف وكيفما كان، وبأي درجة من درجات الانكشاف بلا تخصص بدرجة للقطع والانكشاف التام،


ولذا إن المشهور مع ذهابهم إلى ثبوت مولوية المولى وثبوتها، إلا أنهم حدوها أو بحسب تعبير صاحب كتاب ( القطع الأصولي ) العلامة السيد الحيدري - تتحد - أي هذه المولوية - بحدود المولوية الثابتة للموالي في الأعرف العقلانية،


فكما أن الموالي لا يأخذون عبيدهم على مخالفة التكاليف التي لم تنكشف لديهم بالقطع واليقين، ولو أخذوهم والحال هذه لكان ذلك قبيحا عقلا، كذلك الحال بالنسبة إلى مولوية الحق سبحانه،


إذن هناك مقايسة بين مولوية الله ومولوية المولى العرفي، حسب ما هو مدون في محله، بلحاظ الاتحاد بالمولوية،


أقول أن مولوية المولى سبحانه تختلف عن مولوية المولى العرفي وتختلف ملاكا فلا أقل ومولوية الحق تلحظ اما بملاك الخالقية والمالكية كما هو رأي السيد باقر أو تلحظ بملاك شكر المنعم كما هو رأي المتكلمين، أو رجوع الأولى للثانية كما صور ذلك السيد الحيدري في بحث ( القطع ) وعلى أي ملاك كان فالمولوية تختلف بلحاظ الجعل وعدم الجعل، فلا معنى وتصوير الإتحاد المولوي بين الحقيقي والعرفي من هذه الناحية، ومن صوره فهو متوهم سواء المشهور أو أصحاب مسلك حق الطاعة، وأن كنت استبعد تورط المشهور بهذه المقالة،


وعلى ما ذكره أصحاب مسلك الطاعة في سبيل النقض على المشهور، هو أن المقايسة غير سديدة ومجانبة للصواب ولا يمكن تصورها بحال من الأحوال،


وهذا الكلام تام جدا فلا يمكن جعل المولوية برتبة واحدة حتى تصح المقايسة،


ولكن أصحاب مسلك حق الطاعة، بعد أن فرقوا بين المولوية - ذاتية و جعلية - استشهدوا بأن المولوية الذاتية نأخذ بما يصدر منها من أحكام وعلى اي درجة كانت وفاء لحق المولوية حتى في المظنونات، بخلاف المولوية الجعلية التي يمكن القول بعدم الامتثال وفقها إلا ما كان معلوما،


وفيه: إن التفريق بين المولوية الذاتية والجعلية صحيح ولا كلام، ولكن نحن لا نتكلم بأصل المولوية حتى نأخذ بالمحتمل أو المقطوع وهل هي ذاتية حتى نتوسع بالأخذ أو جعلية حتى نضيق من التوسع، بل نتكلم في الجهة الإثباتية لا في الجهة الثبوتية، حتى يتم إشكالهم على المشهور،
ولعل المشهور تقريبا بل تحقيقا لم يتنبه لهذه النكتة بالمقام التي أشرت لها في أعلاه،



الدليل الثالث: المسمى بدليل الاستصحاب،

وتقريبه: أن استصحاب عدم الجعل يمكن أن نجعله دليلا على المدعى، لأننا تؤمن بأن الأحكام كانت بعد أن لم تكن، فهي حادثة ومسبوقة بالعدم، ولا يمكن تصور الأزلية فيها لأنها خلاف الحكمة بلحاظ اللغو،
وقد أثيرت مناقشة حول كبرى عدم الجعل، وهي :


ان المستصحب والمتيقن هو عدم جعل الحكم بالعدم المحمولي بمفاد ليس التامة، والمشكوك في ظرف الشك وما يترتب عليه الأثر هو عدم جعل الحكم بنحو العدم النعتي، اي عدم جعل الحكم المضاف للمولى، فإن عدم الجعل النعتي صفة في مقابل الوجود النعتي، أما العدم المحمولي فهو عدم صرف فلا يكون مضافا إلى اي شيء ولا يمكن إثبات العدم النعتي باستصحاب العدم المحمولي إلا على القول بالأصل المثبت، ولا يكون حجة ومن أجل ذلك لا يمكن التمسك بهذا الاستصحاب، لإثبات الأمن من العقوبة،


تقريب المناقشة:

أن العدم المحمولي يحمل على الموضوع ويشكل بذلك قضية حملية موضوعها أحد الماهيات ومحمولها الوجود أو العدم،


وهذا ما يعبر عنه بالمحمولات الاولية، لعدم خلو ماهية ما، من أحد هذين المحمولين ( الوجود المحمولي أو العدم المحمولي ) فهي اما ان تكون موجودة أو معدومة ولا ثالث، وإلا لزم إرتفاع النقيضين عن الماهية وهذا مستحيل،


والمناقشة ليس في هذه الجهة، بل في جهة المحمولات الثانوية التي تعرض على الموضوعات بنحو مفاد كان الناقصة أو ليس الناقصة، والمعبر عن الأول بالوجود النعتي والثاني بالعدم النعتي، إذ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له فالاتصاف بوصف وجودي - بمفاد كان الناقصة - أو بوصف عدمي - بمفاد ليس الناقصة - لا يتم إلا بعد أفتراض وجود ذلك الشيء، من قبيل زيد ( الموجود ) عالم أو ليس بعالم،


ومنه تعرف ان الشك بفقر زيد بسبب الشك بوجوده أصلا فلو كان وجود زيد محرزا لما وقع الشك في بقاءه على الفقر، بل يكون الفقر في هذه الحالة محرزا، وإذا كان كذلك فمآل الشك روحا إلى الشك في بقاء الموضوع و هو زيد،


ومن هنا وقع الإشكال في جريان استصحاب المحمول مع افتراض ان الموضوع غير محرز وليس من أثر يترتب على صفة الفقر اذا لم تكن الصفة في الموضوع،


وعليه إجراء الاستصحاب لا ينقح بقاء الفقر،


إلا على مبنى الأصل المثبت، باعتبار أن الفقر ليس له أثر شرعي لبقاء زيد وإنما هو لازم عقلي، مستفاد من العلم الخارجي، بان زيدا لو كان موجودا لكان فقيرا،

وبعد أن عرفت أصل الإشكال المثار،


نورد ما اورده الشيخ الفياض على هذه المناقشة؛


بما حاصله: أنه يمكن افتراض اليقين بعدم الجعل بنحو العدم النعتي، بعد ورود الشرع والشريعة فإن في أوائل الشريعة وأوائل البعثة المكلف متيقن بعدم جعل وجوب الدعاء أو بعدم جعل حرمة التتن، لان تبليغ الأحكام كان بنحو تدريجي وبحسب الظروف والمصالح، وعليه لم يكن الناس في بداية الشريعة حكم إلا الإقرار بالشهادتين،


وهذا هو العدم النعتي وبعد زمان شك في بقاء هذا العدم النعتي فلا مانع من استصحاب بقاءه ويترتب عليه الأثر بالتالي الأمن من العقوبة، والترخيص بالفعل أو الترخيص في الترك الذي هو مفاد أصالة البراءة الشرعية، والكلام في العدم المحمولي هو الكلام في العدم النعتي،


المناقشة الثانية:

وقبل الدخول في صلبها، لا مانع وعرض ما يمكن أن يرد كإشكال، على الجواب السابق، وهو:

ان استصحاب عدم الجعل المحمولي لا يفيد في المقام، لان المقام هو في إثبات البراءة الشرعية، واستصحاب العدم المحمولي غايته يثبت البراءة العقلية لا الشرعية،

بلحاظ عدم الانتساب للشارع اي هذا العدم،

وفيه، ان الكلام في أصل البراءة وأن تم تمثيلها بالبراءة الشرعية كونها حصة من حصص البراءة ( شرعية وعقلية )

فالمناط بالتالي واحد بصرف النظر عن لانتساب من عدمه،

المهم: الآن نعرض المناقشة الثانية وهذا المورد، وهي:

ان الأثر مترتب على الحكم الفعلي وعلى عدم الحكم الفعلي، أما الإنشائي فلا أثر له لا نفيا ولا إثباتا، فكما أن الأثر لا يترتب على وجوب الحكم الإنشائي كذلك لا يترتب على عدمه، ولا يمكن إثبات عدم الحكم الشرعي الفعلي باستصحاب عدم الحكم الشرعي الإنشائي، إلا على القول بالأصل المثبت، لأن عدم الحكم الفعلي مترتب على عدم الحكم الإنشائي عقلا لا شرعا، وبعبارة أخرى إن استصحاب عدم الجعل لا يمكن أن يثبت به عدم المجعول إلا على القول بالأصل المثبت.






إرسال تعليق

0 تعليقات