عز الدين البغدادي
القراءة التبجليلة
تقدم لنا دائما صورة عن النبي (ص) كانسان زاهد يعيش عيشة الكفاف، بينما هذا الكتاب
يكشف لنا عن ان النبي (ص) كان ثريا منفقا....هذه هي رسالة هذا الكتاب.
لم أقرا الكتاب، لكن
فكرته الأساسية غير صحيحة أبدا، ووصف القراءة الشائعة بأنها تبجيلية بغية التشكيك
فيها ليس شيئا صحيحا منهجيا.
عموما اذا كان الزهد
بمعنى الاعراض الاختياري عن الدنيا وزينتها، بحيث يترك الطعام اللذيذ وهو قادر
عليه، واللباس الجيد وهو قادر عليه، ونحو ذلك؛ فان النبي (ص) لم يكن كذلك. بل كان
يأكل اللحم والحلوى اذا تيسرت، ويشتري الثوب، ويتزوج وما الى ذلك.
فزهده كان زهدا
اجباريا، لم يكن يجد شيئا يسدّ به حاجته، لكن الزهد الاجباري لم يكن فقط لأن
الدنيا لم تكن متاحة له فقط، بل أيضا لأنه كان يرى بأن من غير الممكن له باعتباره
قدوة على المستوى الأخلاقي وزعيما على المستوى السياسي أن يتمتع بمتاع الدنيا وهو
يرى الناس في حاجة الى ما يسدون به رمقهم فلا يستطيعون تحقيقه. ولا يمكن ان يميز
نفسه عليهم بشيء، وهو الذي قال لابنته عندما جاءته مع زوجها في حاجة فقال لهم: ما
كنت لأؤثركما (أي أفضّلكما) بشيء وأهل الصفة (الفقراء) تطوى بطونهم.
كان يرفض ان يعيش
مترفا او يكنز المال وهو يرى الناس من حوله في حاجة لذلك، لقد كان يرى بأن صاحب
الرسالة لا يمكن في العادة أن يكون ثريا، وهو ما عبر عنه في خطابه الشهير للانصار
عندما عتبوا عليه لما وزع الغنائم على المؤلفة قلوبهم ولم يعطهم شيئا، ويومها قال
لهم: أوجدتم في أنفسكم في شيء من لُعاعة الدنيا تألّفت بها قلوب قوم ليسلموا
ووكلتكم الى ايمانكم؟ اما ترضون ان يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون انتم برسول
الله في رحالكم؟
لقد كان محمد (ص) يكره
الفقر، ويعمل على تقليل مساحته، لقد كان يدعو: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع
فإنه بئس الضجيع" رغم أنه كان يجوع ولا يجد شيئا، وربما رأى بعض اصحابه في
وجهه أثر الجوع... وفي نفس الوقت كان يحذر من فتنة الغنى، فهو يرى أن الحياة
اختبار وهي تحتاج الى الحكمة في وقت الفقر وفي وقت الغنى.
كانت الأموال تأتيه
وتجبى إليه، لكنه لم يتعامل معها أبدا كملك خاص، فقد كان يعرف أن هناك حدودا
قانونية يقف عندها، وهو يقول: "لا يحل لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس , والخمس
مردود عليكم". أي حتى حقي وهو الخمس أرده إليكم. كانت الأموال تأتيه فينفقها،
أو بتعبير أدق يوزعها في مواضع الحاجة، وهو يقول: " إنما أنا قاسم والله يعطي"
لم يقل بأن هذه أموالي، وأنا أعطيها، بل هي أموال الله وأنا مستأمن عليه أقسمها
بين خلقه، حتى لا يظهر وكأنه يمتن على الناس بذلك.
أخيرا، لا بد من
معرفة ما يقف وراء الفكرة وما تهدف إليه، فكون الطرح يوضع في قالب موضوعي لا يثبت
أنه فعلا موضوعي، من يحاول تصوير النبي (ص) وكأنه شخص ثري فإنه في الحقيقة يريد من
حيث يشعر او لا يشعر ان يبرر حالة الثراء الفاحش عند المؤسسة الدينية وعند من
يفترض أنه يمثل الاسلام، انه يريد ان يتكلم بلسان موسى ويحيا حياة قارون دون ان
يبدو ذلك امرا غريبا او شاذا.
0 تعليقات