عز الدين البغدادي
في التفكير التقليدي
ومنه التفكير الديني يبتعد النقد عن الذات بينما ينصب على الآخر، الذات لا تقبل
النقد لكنها تحب المدح والتبجيل جدا.. ربما يرجع هذا إلى طريقة فهمنا للنقد فإن
فهمناه على أنه سب وشتم فمن الطبيعي أن لا يتوجه الى الذات لأنه لا أحد يشتم نفسه.
وإن فهمناه على أنه عمل يهدف الى تقويم وتطوير الذات، عندها سيكون أمرا طبيعيا أن
يتوجه الى الذات.
بلا شكّ فإنّ المتعين
علميا وعمليّا هو منهج النقد الذاتي، أي أنْ ينظر أهل العلم لما هو خطأ في كلّ
مذهبٍ سواء كان هذا الخطأ علميّا أي موجوداً عند أهل العلم، أو كان خطأً من بدأ في
المجتمع ثمّ صار لصيقاً بهذه الجماعة أو المذهب.
يمكنك أن تجد ممن
الشواهد شيئا كثيراً جدّاً على نقد المذاهب بعضها لبعض، فكل طرفٍ فيها يرجع إلى
كتب الخصم ليستخرج منها ما يفحمه ويبيّن خطأه. وأهم ما تجده في هذا الأسلوب أنّه
يستعمل التدليس كثيرا، ويقرّ البعيد ويبعد القريب.
فربّما احتج بحديث لم
يثبت عند الخصم وإنْ وجد في كتبهم، وربّما أخذ قولا لبعضهم فيحاول أن يلزم الكافّة
به. وهذا ليس خللا معرفيا فحسب، بل هو خلل في أخلاق البحث، إذ يحتاج أهل العلم
لإحياء خلق التسامح والإنصاف وترك التعصب.
ماذا لو غيرنا فهمنا
وطريقتنا في التفكير والحوار، لنؤسس لقاعدتين علميتين وأخلاقيتين معا نلتزم بها
ونحن نمارس وظيفة النقد، وهما:
• ابحث عن سيئاتك في
نقدك لما أنت عليه، فأنت تعلم بأنّه لا يخلو مذهب ولو بحسب فهم شائع بين الناس من
خطأ هنا أو هناك، فحسن أن ترى نقد الآخر لك مرآة ترى بها نقاط الضعف ومواطن الخلل،
لا بدّ أن تبحث لتجد أنت الخلل.
• اذكر حسنات المذاهب
الأخرى، ولا تذكر سيئاتها أو المؤاخذات عليها فقط لتستفيد منها في التسقيط، لا
تبحث في الكتب لتجد قولا هنا أو رأيا هناك لتشنّع بها، بل ابحث عما هو حسن لتنتفع
به أنت أيضا، وكذلك ليكون هذا داعيا للتقريب بين الطرفين.
إنّ الجدل يمكن أن
يكون نافعا إذا قام به أهل العلم، وفق منهج علمي ورؤية موضوعية، وبشرط في ذلك حسن
التية والبعد عن العصبيّة، فإذا وجد العلم والإنصاف، والتزم بمنهج البحث، فما أحسن
ذلك!
0 تعليقات