علي الأصولي
قال الماتن:
فالوجه الأول: من الخمسة راجع إلى اعتبار واقع
العلو، والثاني راجع اعتبار إدعاء العلو،
وجوابه: أن هذا راجع إلى معنى أن يأمر الآمر بصفة
العلو، وهذا لا يسمى ادعاء أو استعلاء، ما دام مطابقا للواقع، ومعه يرجع هذا الرأي
الثالث، وهو اعتبار أحدهما أما العلو أو الاستعلاء، يعني الجامع الانتزاعي بينهما،
ولا يكون رأيا آخر، لأن اشتراط الاستعلاء دون العلو أمر غير محتمل، كما أن تسميه
العلو الواقعي استعلاء أمر غير محتمل،
والأمر الرابع، يعود إلى اشتراط مجموع العلو
والاستعلاء، ويرد عليه نفس الإشكال، وإنما يراد توجيه الأمر من العالي بصفته
عاليا، وهذا ليس ادعاء بل حقيقة فلا يكون استعلاء،
وهذه الوجوه كلها تتفق، مع إخراج الانخفاض الواقعي
أو ألادعائي، مع ملاحظة ما قلناه من ان ملاحظة المنخفض لدرجته المنخفضة ليس ادعاء
واستخفاضا وتنزلا، بل هو واقع، وإنما الإدعاء هو الحال غير المطابق للواقع، كما لو
ادعى المنخفض العلو أو ادعى العالي الانخفاض،
أقول ( من الوجوه الخمسة السابقة وهنا يريد الماتن
إرجاع بعضها لبعض، إذ قال: المشهور أول الوجوه هو: اعتبار العلو في طلب الأمر، وفي
الثاني: اعتبار إدعاء العلو بدعوى الاستعلاء، وعلى هذا الوجه الثاني: فإن الأمر
يأمر بصفته العلوية لا بادعاء الاستعلاء ما دام مطابقا في دعواه للواقع، وهذا يختصر
لنا طريق توجيه الوجه الثالث: اعتبار أحدهما أما العلو أو الاستعلاء، بعد لحاظ
الجامع الإنتزاعي،
وأما الوجه الرابع: فالكلام والإشكال أعلاه نفس
الكلام والإشكال، لأن النظر هو صوب العالي بما هو عالي،
وهذه الوجوه كلها تخرج معنى الاستخفاض واقعيا كان
أو ادعائيا، وأن كان ليس المستخفض إلا الواقعي)
قال الماتن:
والرأي الخامس: عدم اشتراط العلو والاستعلاء، بل
مطلق مادة الأمر وصيغته تسمى أمرا بغض النظر عن المتكلم، بل حتى لو لم يكن قاصدا
الأمر أصلا، بل كان لمجرد التمثيل أو للتعود على النطق، ويؤيد ما أشرنا اليه، من
تسميه فعل الأمر بهذا الاسم مطلقا،
وينبغي أن نلتفت إلى احتمال الخلط بين الجهة
العقلية والجهة اللغوية، يعني الخلط بين مصداق حق الطاعة ومصداق الأمر، وتخيل عدم
صدق الأمر إلا في مورد وجود الطاعة ومعه يكون مشترطا بالعلو أو الاستعلاء، وهو
إدعاء حق الطاعة وأن لم يكن واقعا،
إلا أن هذا الخلط باطل:
أولا: لعدم إمكان
تحميل الأمور العقلية على الأمور اللغوية العرفية،
ثانيا: إننا قلنا أن العقل لا يحكم بالطاعة إلا
لله عز وجل دون غيره، وليس هذا شاملا لمطلق العالي، فيكون اشتراط العلو لحق الطاعة
أو لصدق الأمر مستأنفا، واشتراط كونه من الله أو من أحد أوليائه غير محتمل لغة
وعرفا،
فإن قلت: ان العقلاء عندهم آمرين كالمولى
والسلطان، وهم يسمون الطلب التشريعي منهم أمرا، فهم يخصون اللفظ بمن له حق الطاعة
في نظرهم،
وجوابه: أولا: أنه يكفي الاحتمال لبطلان
الاستدلال، وهو احتمال ان لا يكون استعلاء العقلاء في هذه الحصة على وجه الانحصار،
بل بصفته مصداقا من مطلق الأمر،
ثانيا: احتمال ان
يكون الأمر مطعما من قبل المتكلم بمعنى حق الطاعة، وهو قيد خارج الوضع، فالأمر
يعني الأمر المطاع، بحيث يكون استعمال الأعم في الأخص، بشرط لا عن الزيادة، وهو
مجاز كاستعمال الإنسان في خصوص العراقي، وإنما لا نحس بمجازبته لأننا لا نلتفت إلى
كذبه بشرط لا عن الزيادة، ومعلوم أن استعمال العام في الخاص في نفسه حقيقة،
ثالثا: أن أمثال
قوله - أمره أمر - و - أمره مطاع - ونحوها دليل على استعمال الأمر في الأعم، وإلا
لما صح الاستعمال، ولا نجد في الاستعمال تسامحا أو مجازا ،
أقول ( وهذا ما ذكره الماتن نقلا عن المشهور وهو
عدم إعتبار شيء منهما - اي من العلو والاستعلاء - وعدم الشرطية ذكرها المحقق
البروجردي كما أسلفت وهو من اغرب الفروض، لأنه أخذ في موضوعة عدم الاعتبار للعلو
والاستعلاء هو لوجود بديل عنهما متمثلا بمطلق المادة الأمر وصيغتها، فلو صدر الأمر
على اي نحو كان وعلى اي صيغة جرت لكانت كافيه حسب هذا الرأي ان تؤخذ على محمل الجد،
وحاول أن يستدل على هذه الوجه، بما حاصله: أن سبب
من اشترط العلو في الأمر أو الاستعلاء فهو لوجود خلط بين الجهة العقلية والجهة
اللغوية، جهة خلط المصداق في حق الطاعة وجهة مصداق الأمر، وعدم التخيل بالفصل
بينهما، إذ أننا لا نتخيل صدق الأمر إلا مع وجود حق الطاعة،
إلا أن هذا الخلط باطل:
لعدم إمكان تحميل المسائل العقلية على المسائل
اللغوية العرفية من جهة، ومن جهة أخرى، ان اشتراط حق الطاعة محصورا لجهة الله دون
أي جهة أخرى، وأن كان عاليا،
ربما يقال: أن العقلاء لا يفرقون بين الأوامر سواء
صدرت من الله أو السلطان وكل طلب تشريعي من هذا القبيل فهو أمر
فيقال: يحتمل أن العقلاء لا يلحظون جهة الاستعلاء
وانحصارها من هذه الجهة فقط، بل لكونه مصداقا من مطلق الأمر يلحظون المسألة، وهذا
الاحتمال كاف ببطلان الاستدلال،
واحتمال أن يكون الأمر فيه تطعيم من نفس المتكلم
والآمر وهذا التطعيم هو قيد خارج عن الوضع، فيكون من باب الأمر بالأعم بحسب
الاستعمال وأن كان المراد منه اخص، كاستعمالهم الإنسان الذي هو اعم وإرادة منه
الأخص وهو العراقي، ومعلوم أن استعمال العام في الخاص في نفسه حقيقة،
ولو تلاحظ أن قول - الأمر المطاع - أو - أمره مطاع
- دليل على استعمال الأمر في الأعم.
0 تعليقات