على الأصولي
قال الماتن:
وأما أن لا يكون الأمر مربوطا بالله، أخذ كلتا
الخصوصيتين فيه، بمعنى طاعة أوامر الله دون غيرها، فقد عرفنا نقضها بالجملة
الخبرية وغيرها، وأما أن يكون الأمر مربوطا بالعالي غير الله سبحانه بحكم العقل،
فهو قطعي العدم،
ومن هنا يمكن إن العقل لا يحكم بوجوب طاعة الأمر
الصادر من العالي بهذا العنوان،
ولو قبلنا ذلك: فإنه ينقض بما لو كان الطلب صادرا
من العالي بألسنة أخرى، غير الأمر كالجملة الخبرية، أو بالتواضع فلا تجب طاعته على
مسلكهم، و هو غير محتمل، لأن العمدة في ذلك، هو الإرادة التشريعية المنضمة إلى
العلو، لا يختلف في ذلك طريقة الإبراز اللغوي، من أنه أمر أم لا،
مضافا إلى إمكان ربط هذه المسألة بالمسالة الآتية
وهي الجانب اللغوي، فلو لم يسم أمرا لغة لم تجب طاعته، وهذا أيضا غير محتمل، لما
قلناه من موضوع الوجوب، ولا دخل للتسمية فيه،
أقول ( وما ذكره الماتن أعلاه نقوض لما أورده
سابقا، فإن كان الأمر ليس له ارتباط بالله على نحو مباشر فهو منقوض بقول: لا تعاد
الصلاة إلا من خمس، مثلا بحسب الجملة الخبرية في مقام الإنشاء، وأما اذا ارتبط
بالعالي وهو مقطوع العدم إذ أن العقل لا يحكم بوجوب الطاعة لعدم وجود موضوعها أصلا
فتكون المسألة منتفيه، ومع القبول، فالمشهور لا يقبل بذلك حسب مسلكهم ).
قال الماتن:
في المسألة اللغوية:
وهي فيها عدة أطروحات، أهمها إثنتان:
الأطروحة الأولى: وهي
المشهورة، وهو الطلب التشريعي الصادر من العالي هو الموضوع له لفظ الأمر دون غيره،
ولذا سمي الآخر: التماسا أو استدعاء أو استرحاما ونحوه، ولا يكون أمرا، ولا ربط له
بالله من هذه الناحية، ومعه يكون استعمال الأمر في غيره مجازا،
الأطروحة الثانية: أن يكون مطلب
الطلب التشريعي أمر بالمراتب الثلاثة، ما دامت مادة الأمر أو هيئته منطبقة عليه
عرفا، وأوضح الأدلة على ذلك تسميته: فعل الأمر مع أنه اعم كما واضح، وسيأتي
التفصيل،
ويمكن هنا عرض أطروحات أخرى بنفس الترقيم:
الأطروحة الثالثة: أن يكون
الأمر موضوعا مع إشتراط مجموع العلو والاستعلاء، وهو الادعاء فيكون بلسان
الاسترحام مجازا حتى مع العلو واقعا،
الأطروحة الرابعة: أن يمسى
جانب الإلزام أمرا، فلو كان المستحب أو الراجح لم يكن أمرا، وهذا أما ان يكون
شاملا لكل المستويات الثلاثة - لو حصل - فهذه أطروحة أو تأتي
الأطروحة الخامسة: وهي ان
الأمر الإلزامي من العالي يسمى أمرا دون غيره
أقول ( والكلام في اللحاظ اللغوي وقدم الماتن
أطروحات لتوجيه المعنى،
أولا: مذهب المشهور، الناص على مقتضى الارتكاز
العرفي، الذي يفهم بإن معنى الأمر بالعلو، وما كان دون العلو لا يسمى أمرا،
فالاستعلاء وغيره الأصل عدمه أو قل عدم اعتباره أمرا،
بعبارة أخرى: ليس كل مطلق الطلب الصادر من اي
عنوان طالب، يعنون بعنوان أمري، فالعرف لا يرى العنوان إلا من كان عاليا، بل يمكن
الزيادة عليه بقول: ممن له حق الآمرية المولوية،
فالطلب مثلا الصادر من المساوي بالرتبة أو السافل
بها يصح سلب الأمر عنه عرفا، ولذا لا يمكن تسميه ذلك أمرا، وكذا من عنوان الطلب
بالالتماس أو السؤال فالكلام هو الكلام،
ثانيا: ما دامت الصيغة والهيئة موجودة يمكن أن
نقول ان الأمر على الالتماس ونحو من هذه المراتب، إلا أن هذه الأطروحة فيها نقاش
على ما سوف يأتي،
ثالثا: نفس الأطروحة الأولى، وهو جعل موضوع الأمر
بالإضافة للعلو أضاف إليه أيضا جهة الاستعلاء، والاستعلاء في الإضافة مسألة خلافية
بين علماء أصول الفقه، فقد أجازها قوم ومنعها آخرون،
رابعا: أن كل حصة إلزامية فهي أمر، وبهذا أخرج
عنوان المستحب الذي يصدق عليه أمرا بملاك اخف واضعف،
خامسا: هو لحاظ الجانب الإلزامي بشرط من العالي
للداني، والفارق بين هذه الأطروحة والأولى هي أن في الأولى التماس ونحوه، أمر
مجازي، وفي الأطروحة الخامسة لم يذكر المجازية في غير الأمر الإلزامي، هذا ما يمكن
توجيه عبارة الماتن، وإلا مع الإغماض عن هذا التوجيه فالأولى كالخامسة كما تلاحظ )
قال الماتن:
وفي - العناية - ذكر : أن في المسألة وجوه بل
أقوال خمسة:
الأول: اعتبار العلو، فلا يكون طلب السافل أو
المساوي أمرا،
الثاني: اعتبار الاستعلاء، فلا يكون طلب المستخفض
لجناحه، بل مطلق من لم يستعل، وأن لم يستخفض جناحه، أمرا وأن كان من العالي،
الثالث: اعتبار أحدهما، أما العلو أو الاستعلاء،
الرابع: اعتبار العلو والاستعلاء جميعا،
الخامس: عدم اعتبار شيء منهما،
ونحن إذا نظرنا نجد أن الحال على تقسيمين،
الأول: الانقسام إلى الواقع والإدعاء،
الثاني: الانقسام إلى العلو والتوسط والانخفاض،
وللتوضيح نحذف الوسط، فتكون الأقسام أربعة:
(١) واقع العلو
(٢) ادعاء العلو،
(٣) واقع الانخفاض،
(٤) إدعاء الانخفاض،
أقول ( استعرض الماتن الاقول الخمسة التي قسمها أهل
الفن ومنهم صاحب - العناية في شرح كفاية الأصول - للسيد مرتضى الحسيني الفيروز
آبادي، وهذه التقسيمات بحسب بحثهم واستقرائهم خمسة أقوال لا يخرج معنى لفظ الأمر
والطلب من هذه الوجوه،
وحاصلها:
إن المناط والاعتبار هو في العلو فقط وفقط، هذا أولا:
ولم يكتب الاعتبار اي إعتبار الأمر، فيما لو كان
الطلب من السافل أو المساوي، اما السافل - في الرتبة - فالعرف لا يرى أن يعنون عنوان
الأمر فيما لو طلب من العالي، نعم يمكن أن يسميه سؤالا أو التماسا فقط، وحجتهم في
ذلك، هو كون السافل يرى العرف فيه تقبيح بلحاظ الاستعلاء، اللا إنبغائي وتنزيله
منزلة العالي، بينما هو واقعا ليس فيه علو، فالتقبيح بالتالي له، لمكان إدعاء ما
لا ينبغي له ادعاءه،
وأما المساوي فلا موضوع له للأمر فيكون ترجيحه بلا
مرجح بصرف النظر عن الإشكالات الأخرى،
وأما ثانيا: أن الأمر مقبول ومعتبر من المستعلي -
والاستعلاء فهو التكلم من مقام عال والأمر والنهي الصادر منه، من منصب عال، وليس
بمعنى المتكبر والمتجبر، ولا من موقع الشافع أو الناصح، والفرق بين العلو
والاستعلاء هو أن العلو سمو المكانة في الواقع ونفس الأمر والاستعلاء، إظهار العلو
سواء كان واقعيا أم لا،
على كل حال وهذا الفرض هو شرط الاستعلاء فقط دون
طلب المستخفض وهو الناصح الشفيع الذي يطلب مع خفض جناحه لمكان خلقه العالي،
وأما ثالثا: اعتبار أحدهما - أما العلو أو الاستعلاء
- على سبيل مانعة الخلو كما يعبرون منطقيا،
وأما الرابع: فهو لحاظ الجمع بين العلو والاستعلاء
معا،
الخامس: عدم اعتبار شيء منهما، لا علوا ولا
استعلاءا وهو المنسوب للمحقق البروجردي وهو - في تصوري - أغربها على الإطلاق،
لوضوح ان مفاد لفظ الأمر والطلب ونحو ذلك لا يخرج عن ما ذكره علماء الفن أعلاه،
وكيف كان: حاول الماتن: أن يلملم هذه التقسيمات
وحصرها بعد قوله: انقسام واقعي وإدعائي، من جهة، وانقسام علو وتوسط وانخفاض من جهة
أخرى، وحذف التوسط فتكون عندنا أربعة أقسام هي:
(١) واقع العلو
(٢) ادعاء العلو،
(٣) واقع الانخفاض،
(٤) إدعاء الانخفاض،
هذا ما يمكن بيانه على هذه العجالة والكلام لم
ينته بعد ).
0 تعليقات