علي الأصولي
الشيخ الخرساني، أعتبر أن العلاقة بين الله وبين
الشيطان علاقة عقلائية، ولذا نجد في - الكفاية - استشهد بأية - ما منعك - في دليل
السيرة العقلائية على الوجوب هناك،
غير أن الماتن لم يرتضي هذا التصوير العلاقتي بين
الله والشيطان واعتبر ما ذكره الآخوند بإن عهدت دعوته عليه، والشيخ الخرساني لم
يقدم دليل دعواه في بحثه الأصولي،
فقد لحظ الماتن الفارق بما يلي: أن العقلاء بما هم
عقلاء بينهم مصالح مشتركة وعلى ضوء ذلك تكون العلاقة وهذه العلاقة لا نتصورها بين
الله والشيطان إذ لا مصالح بينهم من قبيل المصالح العقلائية،
ربما تحتج بما ذكره الشيخ المظفر وكون أن الله سيد
العقلاء فما المانع وتصوير الشيخ الآخوند،
رد الماتن: أن سلمنا ذلك - ظاهر عبارته أنه غير
مسلم - فإبليس ليس منهم وعلاقته، أي علاقة إبليس مع الله علاقة عقلية بتصوير العقل
العملي - ما ينبغي وما لا ينبغي - وحق الطاعة ونحو ذلك، وليست من قبيل العلاقات
العقلائية المفترض فيها جود مصالح مشتركة،
نعم: ربما يمكن تصوير العلاقة العقلية ورجوعها إلى
معنى عقلائي كما هو ظاهر الشيخ المظفر تبعا لأستاذه المحقق الأصفهاني، إلا أن هذا
التصوير مخدوش كما قلنا في محله - بعد المراجعة في بدايات بحثه الأصولي لم أجد أي
ذكر لما ذكره الماتن بقول كما قلنا في محله –
وباختصار : ان قضايا العقل العملي تصدق بدون مجتمع
إطلاقا ويمكن التمثيل بموارد العقل العملي وأحكامه، سواء وجد المجتمع العقلائي أو
لم يوجد، بخلاف القضايا العقلائية،
وقصة إبليس وعدم سجوده حصلت بدون وجود للمجتمع
العقلائي كما هو معروف، وكيف كان: المعاتبة بين الله والشيطان عقلية وليست عقلائية
نعم ان الشيطان يستحق العقاب غير ان استحقاقه للعقاب العقلي لا يلزم استحقاقه
للعقاب العقلائي، ومن أراد التفصيل والتوسعة في مسألة العقل العملي تجده في كتابنا
- حجية العقل - فقد فصلنا المسألة بما لا مزيد عليه )
قال الماتن:
خامسا: أنه يمكن أن يناقش فهم الوجوب بدلالة
علامات الحقيقة والمجاز ، حيث يدعى أنها وجدانية، والوجدان قاض على عكس ما هو قول
المشهور،
والتحقيق: أن ما أسميته - بالتضمن الوجداني -
للقصد يختلف، فقد نتصور في الكلمة معنى الإلزام، وعندئذ لا تصدق على المستحب ويصح
السلب، فإنه ليس أمرا إلزاميا أكيدا، وأخرى لا نتصور فيها الإلزام فتصدق على
الجامع، لأن أصل الطلب هو موجود،
وبتعبير آخر: أن الأمر ماهية مشككة، تختلف باختلاف
همة الأمر وإرادته، كما في الضوء الذي يصدق على القليل والكثير،
فالأمر ان قصدنا به ما ينافي الاستحباب ثبت
الإلزام، وأن قصدنا به ما ينافي الإباحة ثبت الجامع، ومع الوصول إلى هذه النتيجة،
يعني أننا يمكن أن نقصد الجامع بدون حاجة إلى قرينة، وهو معنى الوضع،
إذن: يكون معنى الأمر هو الجامع، ولكن يكون
الاستعمال في اللزوم حقيقة، لأنه إحدى حصتي المعنى الموضوع له،
ولكن هذا لا ينافي فهم الوجوب من مادة الكتاب
والسنة بدلائل أخرى، من حيث ان مقام الفتوى يقتضي ذلك ما لم تقم قرينة على
الاستحباب، والظاهر أن هذا هو الذي حدا بالشيخ الآخوند على فهم الوجوب، كقوله: -
مروهم بالصلاة سبعا -
أقول ( وهذا الذي ذكره في الجنس الثالث من الأدلة
الذي أدعى الماتن أن المشهور لم يذكره في كلماتهم وذكره هو انتصارا له، وقد وجه
ذلك بالتضمين الحملي بشرط لا - اي لا عن الزيادة - على ما افاد هناك، فمع صحة
السلب عن الزائد أو عن جامع الطلب يكون حقيقة فيه - اي في الحصة - ومجازا في
الجامع، اي في الاستحباب، بتقريب التبادر وصحة الحمل وعدم صحة السلب، فيثت الإلزام
ظهورا بالوجدان
وهنا، ادعى الماتن بعد تدعيم ذلك الوجه انتصارا
للمشهور، بقول ان الوجدان المدعى على عكسه أدل،
والتضمين الوجداني للقصد لا نتصوره على نحو واحد،
إذ قد نتصور في اللفظ معنى الإلزام وعلى هذا التصور لا نتصور الاستحباب، وقد نتصور
الإلزام فتصدق على الجامع، لأن الطلب موجود في كلا التصورين، سواء في الحصة
الوجوبية أو الأعم منها وهو الجامع،
يعتبر التضمين الوجداني النفسي من ابتكارات السيد
الصدر الثاني في الأصول وهو لا يتعلق بأي مبحث للغوي أو أصولي بل غايته معنى مرتكز
في النفس بعد التأمل، هذا ينبغي أن يكون واضحا في المقام،
وعلى اي حال: حاول الماتن ان يقرب الفكرة بتقريب
آخر حاصله: : أن مادة الأمر ماهية مشككة - وهذا خلاف المشهور الذي يعتبر أن مادة
كلمة الأمر موضوعة للطلب - يمكن أن نتصورها على الحصة الاقوائية وهي الوجوب وممكن
ان نتصورها على الاقل منها بالاقوائية وهي أيضا الوجوب، وكل ذلك راجع إلى همة
الآمر وإرادته قوة وضعفا، والقوة والضعف بالتضمين الوجداني، يعني ان الأمر أو قل
مادة الأمر فيها مراتب متعددة خلافا لما قرره مشهور أهل الفن، إذ أن مادة الأمر
عندهم لا تتعدد وليس مشككة،
فإذا كان القصد بالتضمين الوجداني الأمر ما ينفي
الاستحباب فهو إلزام، وأن كان القصد بالتضمين الوجداني، ما ينفي الإباحة بالمعنى
الأخص فهو الجامع،
ومع هذه النتيجة، فيقال: بإمكانية قصد الجامع بلا
قرينة وهذا هو معنى الوضع،
إذن: يكون معنى الأمر هو الجامع،
نعم، يكون الاستعمال في اللزوم حقيقة، لأنه حصة من
المعنى الموضوع له،
ومع ذلك، ما ذكره الماتن لا ينافي استفادة فهم
الوجوب من طريق الكتاب والسنة بدلائل أخرى، لأن خطابات أو قل الوجوبات التي نسمعها
من الشارع - كتاب وسنة - هي وجوبات فتوائية بالأصل وتنطلق من موقع ومقام الفتوى،
ما لم تقم القرينة الصارفة للاستحباب، وهذا مما جعل الشيخ صاحب - الكفاية - يفهم
من حديث - مروهم بالصلاة سبعا - الوجوب، وطبيعي أن الوجوب متوجه للأب البالغ لا
للابن، يعني الواجب على الأب أن يأمر أبناءه بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين، والأبناء
امتثلوا أم لم يمتثلوا لا علاقة للأب بهم بعد أن أسقط الوجوب وابرأ ذمته بالأمر،
أقول: أن نظرية التضمين الوجداني وما يترتب عليها
من الماهية الآمرية المشككة التي هي خلاف ما فهم المشهور تحتاج إلى عناية ومؤونة
للألتفات )
قال الماتن:
سادسا: السيرة العقلائية، المدعاة للشيخ الآخوند
وغيره، قابلة للإنكار،
فإن السيرة إنما تكون فيما لو كانت متكررة عمليا
ومثل ذلك، مما ننكره في محل الكلام، لأمور:
١- لاحتمال كونه بصيغة الأمر، لا بمادته التي
تتكلم عنها،
٢- لاحتمال إستعماله من قبلهم بالحصة اللزومية،
وهو على نحو الحقيقة كما سبق،
٣- لاحتمال تضمين الأمر معنى الوجوب، كما أشرنا،
ومع دخوله الاحتمال يبطل الاستدلال،
سابعا: تحصل مما قلناه هنا في صحة السلب، أن سلب
الأمر عن الحصة غير الإلزامية، خلاف الوجدان، ما لم نضمنه معنى الإلزام، وهذا
التضمين جهة نفسية وليست لغوية، غايته أنه أمر هين لا يعاقب على تركه،
على أنه يمكن القول بوجود العقوبة على تركه، غاية
الأمر أن عقوبة كل أمر على مقدار أهمية العصيان، مضافا إلى أن عصيان المحرمات سبب
لاستحقاق النار، واما عصيان المستحبات فعقوباته أمور أخرى، ولذا قيل: بإن العزم
على ترك المستحب حرام والعزم على إيجاد المكروه حرام، مع ان مقتضى القاعدة جوازه،
وسره هو تراكم الأوامر غير اللزومية، فتصبح بالتراكم للزومية ومهمة،
أقول ( السيرة التي ادعاها صاحب - الكفاية - وغيره
قابلة للمناقشة والإنكار: لان شرط الالتزام وصحة السيرة هو بالتكرار العلمي، وهذا
ما لا نجده كما سوف تعرف،
إذن: عندنا ثلاثة محتملات كفيلة بخدش السيرة
المدعاة،
أول هذه المحتملات: أن الطلب عند العقلاء بالصيغة
لا بالمادة وهذا ما نجده حتى في هذه الأعصار من قبيل - افعل - اكتب - صل - ونحو
ذلك ، لا بمادة الأمر - آمرك –
ثاني المحتملات: حتى لو قلنا ان الطلب بالمادة -
آمرك - لكن يحتمل يراد منه الأمر الإلزامي أو الحصة اللزومية بحسب الاستعمال،
ثالث المحتملات: يحتمل تضمين معنى الأمر بالوجدان
لا بالاستعمال،
وكيف كان: مع دخوله اي خيار الاحتمال فلا يمكن
الالتزام بالاستدلال لانه مسقط له،
سابقا: تحصل أنه لا يمكن صحة السلب عن الأمر عن
الحصة الاستحبابية فالاستحباب أيضا فيه أمر متحصص غايته ليس كالأمر الوجوبي
إذن: التضمين للندب موجود لأنه راجع بالتالي لجهة
نفسية لا لجهة لغوية،
وأن قيل: أن ترك الاستحباب لا يترتب عليه أثر
عقابي،
قلنا: بل يمكن أن يترتب عليه أثر بحسبه، مع ان
مقتضى القاعدة هو جواز تركه،
اقول: يمكن تصور العقوبة على نحو معنوي كحجاب أو
خفض مقام أو نحو ذلك من الآثار المعنوية التي تنتج من ترك المستحب والاتيان
بالمكروه، المهم أن تراكم الأوامر الغير للزومية تشكل بمجموعها أوامر للزومية ).
0 تعليقات