علي الأصولي
قال الماتن:
إلا ان كثيرا من
فقرات هذا الكلام قابل للمناقشة:
أولا: تسليم المشهور
بإن مادة الأمر موضوعة للطلب، فهذا سبق أن أخذه المشهور مسلما، إلا أننا فحصناه
فلم نجده كذلك، بحيث سبق أن قلنا: ان مفرد الأمور هو الشيء في الجملة لا الشيء
مطلقا، وأن مفرد الأوامر هو الطلب في الجملة لا مطلق الطلب، لوجود نقوض على كلتا
الجهتين،
وينبهنا ذهنيا إلى
ذلك أمران: أحدهما الإسناد إلى المفعول به فيقال: أمره وطلب منه وطلبه وأمر به،
ثانيهما: ان الطلب هو
الفحص وقد سميناه هناك بالطلب التكويني في مقابل الطلب التشريعي الذي يقرب معناه
من معنى الأمر، وقد قلنا هناك: ان الطلب التشريعي حصة من الطلب التكويني، لأن
الإرادة التشريعية، نحو تسبيب للمراد وهو فعل الغير، كما أن الفحص نحو تسبيب
للمراد وهو الحصول على الدابة،
فهنا لا يبعد التسليم
بتقارب المعنى إجمالا، لكنه مع ذلك لا ملازمة بين عموم أحدهما وخصوص الآخر، كما لو
حصل الأمر على اللزوم، فلا يتعين حمل الطلب عليه، بل في الإمكان بقاءه على الدلالة
على جامع الطلب، كما هو الأقرب على الذوق،
وهنا لا يبعد ان نصير
إلى أحد أمرين:
الأمر الأول: أن
الأمر بمعنى الطلب التشريعي تماما، بحيث نقر بالتلازم بينهما، وهذا المعنى تأتي
مناقشته في مناقشة علامات الحقيقة والمجاز،
الأمر الثاني: ان
معنى الأمر بشيء معنى إرتكازي وعقلائي، ليس له تعبير آخر في اللغة إلا الطلب
التشريعي، وقد سبق أن قلنا: أنه يمكن القول، أنه مفهوم مشكك غير قابل للحد والرسم
كما في عدد من المفاهيم،
فمثلا ، تقول ضغطت
عليه اي أحرجته، ولم تضغط عليه حقيقة: أو تقول وقع في ضيق اي من الناحية
الاقتصادية أو النفسية، ولم يقع في مكان ضيق وهكذا، مع العلم أنه ليس في مثل هذه
العبارات شعورا بالمجاز إطلاقا،
أقول ( وقد استدرك
الماتن بمقدمة تمهيدية لمناقشة الأدلة السابقة، وقد نبه على ما ذكره سابقا في بحثه
من موضوعات تصلح لان تكون مقدمة لمناقشة أجناس أو أنواع الأدلة التي تم طرحها،
وحاصل التذكير:
ان دعوى تسليم
المشهور لم تكن مرضية للماتن، حيث أدعي ان مادة الأمر وضعت للطلب، ولكن فصل الماتن
في هذه الدعوى وبين أن تلك الدعوة غير سليمة، لأن مفرد الأمور ليس مطلق الشيء، بل
هو الشيء في الجملة، ومفرد الأوامر ليس هو مطلق الطلب، بل هو الطلب في الجملة،
وهذين الأمرين منقوضين بجهة إسناد المفعول به كما بين أمثلته أعلاه، وجهة ان الطلب
هو الفحص أو السعي نحو المقصود تارة يلحظ بلحاظ مباشر وهو التكويني كالعطشان الذي
يتحرك نحو الماء، وتارة يلحظ بتحريك الغير وهو التشريعي، والتشريعي حصة من الطلب
التكويني،
وعدم بعدية التسليم
لتقارب المعنى إجمالا، ومع التقارب فلا ملازمة في البين،
وهنا يصار الى البحث
عن ان الأمر يعني الطلب التشريعي، بعد الإقرار بالتلازم ومناقشة علامة الحقيقة
والمجاز،
وأن الأمر بشي معنى
واضح مرتكز في الذهن وليس معناه إلا الطلب التشريعي، بعد الالتزام بمفهوميته
المشككة التي لا تقبل الحد والرسم المنطقي، وقد ذكر الأمثلة التي هي مشعرة بعدم
مجازيتها فلاحظ ).
قال الماتن:
ثالثا: أن الاستدلال
بألفاظ الكتاب والسنة لإثبات الوضع اللغوي والظهور العرفي، قابل للمناقشة: بوجوه :
0- أنه لابد من الألتفات إلى
النصوص السابقة رتبة عليها، فإنها جميعا، لا يتعين أن تكون من قبيل مادة الأمر، بل
هي من هيئة الأمر أو الأعم منه ، فيكون الإستدلال بالأعم أو المباين وهو باطل،
فمثلا حين تقول: إذا أمرتك، هل تريد أنه أمره بمادة الأمر، أو حين يقول: لأمرتهم
بالسواك، هل يريد توجيه أمره بمادة الأمر، وكذلك قولها: أتأمرني يا رسول الله،
وهكذا،
٢- لزوم التأكد من
عدم القرينة في السياق في حال أو مقال، وهذا يعني أننا لا ينبغي أن نستشهد بجملة
من هذه القبيل أصلا، لأنها كلها محفوفة بالقرائن ولو احتمالا،
0- بالإمكان القول: بإن كلام
الشارع حصة خاصة من العرف وليس هو كل العرف، فلا يثبت باستعماله ذوق العرف، وأن
كان: إثبات أن الشارع له وضع خاص او اصطلاح خاص في كلمة أو أكثر، غير ممكن لأنه
خلاف مسلكه العرفي ويحتاج في إثبات اصطلاحيته إلى دليل مفقود،
فإن قلت: على أصل
الفقرة، أنه تكلم بصفته عرفيا ، إذن فما تكلم به عرفي، إذ لو لم يكن عرفيا لما
تكلم به، فنعرف بالقياس الإستثنائي ان كلامه عرفي،
وقد تحصل مما قلناه
ان جواب ذلك أمران:
أحدهما: احتمال
القرينة، بل التأكد من وجود القرينة في تلك النصوص،
ثانيهما: ما قلناه من
ان كلام الشارع حصة من الكلام العرفي فلا يثبت به الكلام العرفي،
فإن قلت: أن كل أنواع
الكلام العرفي حصة من الكلام العرفي، وفي مثل ذلك لا يضر في عرفيته،
قلنا: كلا: إن ذاك
فرد منه وهذا حصة منه، أو قل: أن له اغراض معينة في الحياة فهو يطبق عليها ظواهر
كلماته، ولا زلنا نسمع مختلف الأذواق تتكلم بكلمات مختلفة طبقا لطباعها واذواقها،
وهي وان كانت عرفية إلا أنها حصة من العرف ، مضافا إلى أنه معلول للعرف، بعلية
مشككة وليست دقية ولا عقلية، بل مطاطة فلا يكشف وجود المعلول وحقيقته عن حقيقة
العلة،
أقول ( والكلام في
مناقشة المشهور الذي استدل بالكتاب والسنة في دلالة الأمر على الوجوب، فقد ذكر
المشهور دليل القرآن ودليل الحديث على المدعى، إلا أن الماتن ناقش ذلك، من جهتين:
الأولى: أن الاستدلال
بالآيات والروايات فهي اما ذكرت الاعم أو المباين، فلا دلالة للمادة بقدر ما
استعملت الهيئة في النص القرآني والحديثي، وقد ذكر بعض الأمثلة على ذلك كما تلاحظ،
الثانية: أننا عرفنا
الأمر في النص عن طريق قرينة السياق سواء كانت قرينة حالية أو مقالية،
نعم: يمكن القول، أن
كلام الشارع حصة خاصة من العرف وليس هو كل العرف، غير أن إثبات ذلك صعب لان للشارع
عرف خاص او اصطلاح خاص ولا يمكن وهذا الحال الاستشهاد بالعرف لظهور دلالة الأمر في
الوجوب،
وأن قلت: بحسب القياس
الاستثنائي: بالتالي أنه كلامه عرفي،
غير ان هذا القياس لا
ينفع في المقام لأننا وجدنا قرائن فهمنا منها الدلالة على الوجوب، مع الالتفاف إلى
أن كلام الشارع حصة من العرف ومعه لا يثبت المدعى،
وأن قلت: مع أنه حصة
فلا يضر بعرفيته،
قلنا: أننا نتكلم عن
حصة وليس عن فرد وبينهما بون شاسع، لأننا لو كنا نحن والفرد لإمكن ذلك ولكن مع
الحصة فالموضوع ليس كذلك، العربي في اللغة الجزائرية ولهجتها بصورة أدق تصعب عليه
ظواهر كلمات العراقي ومراداتها الجدية، وكما ترى الحصة تامة بين العراقي
والجزائري، بينما العراقي يفهم العراقي في إستعمالات هذه المفردة وتلك، لأنه فرد
منه، ومع ذلك نجد أن الموصلي لا يفهم إلا بعد التركيز والتأمل كلمات البصري وهكذا
مع أنه فرد منه لا حصة منه، ناهيك عن كون القول معلول للعرف تشكيكا لا على نحو
الدقية العقلية ).
قال الماتن:
ثالثا: ان كل النصوص
الأربعة، فيها قرائن على اللزوم، كما لا يخفى على من راجعها، وقد عرفنا أن استعمال
الأمر في اللزوم على كل حال حقيقي؛ وإنما لا بد للخصم من إثبات نفي الزيادة من
خلال الاستعمال، يعني ان المتكلم استعمله بشرط لا عن الوضع للاستحباب و هو متعذر،
رابعا: ان إعتبار
الشيخ الآخوند العلاقة المولوية بين الله والشيطان عقلائية، عهدتها على مدعهيا
لوضوح ان العقلاء يعيشون في مجتمع لهم مصالحهم ومفاسدهم ونحو ذلك، وليس الله ولا
ابليس كذلك،
فإن قلت: كما قال
الشيخ المظفر - قدس سره - ان الله رئيس العقلاء وشيخهم وسيدهم، فيكون هو الأولى
باتباع نظامهم،
قلنا: أن سلمنا ذلك،
فهو رئيس المجتمع المعاش للعقلاء، ويكفي أن نلتفت إلى إن إبليس ليس منهم فالعلاقة
بين الله والشيطان عقلية، بالعقل العملي وليست عقلائية، ولا ملازمة بين المصالح
العقلائية والعقلية، إلا أن يعود تصور العقل العملي إلى معنى عقلائي، كما هو ظاهر
الشيخ المظفر ايضا، وهو مخدوش، كما قلنا في محله،
وباختصار: ان قضايا
العقل العملي تصدق بدون مجتمع إطلاقا بخلاف القضايا العقلية،
ومعه، يكون معاتبته
له عقلية وليست من السيرة العقلائية، ولا شك في أنه عقليا مستحق العقاب وذلك لا
يلازم استحقاقه عقلائيا،
أقول ( بعد ما انهينا
مناقشة العرف وقول الماتن ان القول بظهور مادة الأمر في الوجوب معلول للعرف، أشكل
على هذه العلية بدعوى كونها مطاطية مرنة إذ أنها ليست من قبيل العلل العقلية
الدقية التي تكون حاضرة في الأذهان، وهنا انتقل المتن إلى ثالثا: بما حاصله:
ان النصوص الأربعة
التي أوردها الماتن فيما سبق تحت عنوان الجنس الأول من أجناس الأدلة:
قوله تعالى - فليحذر
الذين يخالفون عن أمره - وقوله - ص - لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك - وقوله -
ص - إنما انا شافع، بعد أن قالت اتأمرني يا رسول الله - وقوله تعالى - ما منعك إلا
تسجد إذا أمرتك - هذه النصوص القرآنية والروائية عرفنا الوجوب من قرائنها
ولوازمها،
والكلام ليس في
الاستعمال ربما يتوهم بعضهم ، بل بالوضع اللغوي، يعني ان طبعها - اي الأوامر - الأولي
العرفي لم يدل على اللزوم،
نعم اذا اراد الخصم
إثبات الطبع اللغوي الأولي لهذه النصوص فعليه بنفي الزيادة من خلال الإستعمال،
يعني على الخصم ان يثبت بأن هذه الاستعمال أراد منه الوجوب فقط وفقط،
بينما نحن نلاحظ أن
الاستحباب داخل في المقام، والنفي متعذر جدا.
0 تعليقات