آخر الأخبار

التشيع الممنوع واستراتيجية المنطقة (3)










بقلم / محمود جابر


جمعية آل البيت (ع):



ظهرت جمعية آل البيت في عام 73 وكان المناخ الإسلامي في تلك الفترة هادئا فلم تكن التيارات الإسلامية قد برزت بعد، ولم تكن قضية التشيع من القضايا التى تثير حساسية النظام السياسى والامنى على اعتبار أن فكرة التشيع لم تكن ذات بعد سياسى. ولما كانت المسألة الشيعية لم تكن مطروحة في ذلك الوقت وكانت العلاقات المصرية الإيرانية في أعلى درجاتها فقد كانت الجمعية تمارس نشاطها في هدوء ودون أية معوقات، وقد أقامت الجمعية عدة صلات مع الهيئات الإسلامية المختلفة في مصر وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين،ومن هنا كان المراقب لنشاط هذه الجمعية يمكنه الحكم أنها جمعية تقريبية تعتبر امتداد لجماعة التقريب خاصة أنها تضم بين عناصرها من ينتمي للسنة ومن ينتمي للشيعة، وكان من أبرز العناصر التي ارتبطت بالجمعية في تلك الفترة السيد طالب الرفاعي وهو من علماء الشيعة العراقيين وكان له نشاطا بارزا في دائرتها(15) .


وكانت الجمعية قد قامت بإصدار بعض الكتب الشيعية مثل كتاب " المراجعات " وكتاب " علي لا سواه " وكتاب " التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية ".


ولا يستطيع أحد أن يرصد سلوكا معاديا من السلطة السياسة تجاه هذه الإصدارات الشيعية، بيد انه مع قيام الثورة الإسلامية في إيران ومعاداة النظام المصري لها إلى تعقيد الأمور من هنا صدر قرار الحكومة بوقف الجمعية في عام 79 أي أن الجمعية لم تمكث على الساحة سوى  ستة أعوام بدأت في 22 / 8 / 73 وانتهت في 2 / 12 / 79 . . وجاء في قرار الوقف أن الجمعية تمثل خطورة على عقائد الناس ووحدة صفوفهم ببث أفكار غريبة تخالف الدين الإسلامي وتؤيد الفكر الشيعي (16).


وعلى هذا الأساس أصدر القضاء حكمه بوقف قرار حل جمعية آل البيت لعدم وجود أسباب قانونية كافية وذلك بتاريخ 29 / 12 / 81 .


من هنا نستطيع ان نرصد موقفا جديدا للسلطة الحاكمة فى مصر من قضية الشيعة .



المحور الثانى: الشيعة فى مصر 1980/2009


كان الارتباط المصري بالولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني من جانب فى الوقت التى بدأت علاقة الثورة الإسلامية بالعداء لهذا المحور وخاصة الكيان الصهيوني، ونكاية فى الرئيس السادات الذى وقع اتفاقية " كامب ديفيد"، تم تخليد قاتل السادات بتسمية اكبر شارع فى العاصمة الإيرانية باسمه، و اتسمت علاقة الحكومة المصرية بالمتشيعين خوفا من أن يمثل هؤلاء امتدادا فكريا لمبادىء هذه الثورة أو أن يكونوا على حد وصف البعض "خلايا للتبشير بالمد الثوري الايرانى والتشيع" على حد سواء، وتم اعتماد تهمة التبشير الشيعى والتنظيم الشيعى من قبل أجهزة الأمن تعبيرا عن هذه الأزمة، ومن هذه الأسباب كانت علاقة السلطة بالشيعة يشوبها كثير من التوتر أرجعتها ابواق النظام المصرى إلى الآتى:


أولا- أن الشيعة يعملون ضمن تنظيم سري ويرتبطون بأحزاب وجهات خارجية تعمل على تمويل أنشطتهم وتدريب بعض أنصارهم.


ثانيا- علاقات الريبة والتوتر التي تميز علاقات مصر بإيران عموماً, حيث تنظر الحكومة إلى هؤلاء المتشيعين بأنهم أتباع لإيران.


ثالثا- اصطدام أفكار الشيعة ومطالباتهم بعقائد الأغلبية السنيّة في المجتمع المصري, خاصة مع الجهر بها كالمطالبة بتحويل الأزهر إلى جامعة شيعية.

وقد وجّهت السلطات المصرية إلى الشيعة في مصر ضربات عديدة:

                                ·بعد قيام الثورة الإيرانية سنة 1979, في زمن الرئيس السادات الذي أخذ منها موقفاً عدائياً, حيث تم حل جمعية أهل البيت ومصادرة ممتلكاتها, وإصدار شيخ الأزهر عبد الرحمن بيصار فتوى تبطل الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت بجواز التعبد بالمذهب الجعفري(17) .


                                ·أعوام 1987, 1988, 1989

قامت مباحث أمن الدولة بالالقاء القبض على مجموعة من الشيعة ووجهت غليهم التهم متعددة منها : محاولات لاختراق أسر وعائلات كاملة في وسط الدلتا, وبصفة خاصة محافظة الشرقية, وادعى التقرير الامنى أن الشيعة, وخاصة الحركيين منهم كانوا على علاقة بالمؤسسة الدينية في طهران وقم, وحصلوا على تمويل لإدارة نشاطاتهم في مصر, وقال التقرير أنهم عثروا على ما يفيد حصول أعضاء التنظيم على مائة ألف جنيه.


وفي سنة 1988, تم القبض على 4 عراقيين من المقيمين في مصر واثنين من الكويتيين, وثلاثة طلاب من البحرين, ولبنانيين, وفلسطيني, وباكستاني, وتم إغلاق دار النشر المصرية الشيعية "البداية", ووجهت إليها تهمة تمويل من إيران, وكذلك دار النشر الشيعية اللبنانية "البلاغة".


وفي نفس العام تم ترحيل القائم بالأعمال الإيراني "محمود مهدي" بتهمة التجسس والاتصال مع شخصيات شيعية مصرية والترويج للفكر الشيعي.


وفي سنة 1989, قبض على تنظيم من 52 فرداً, بينهم 4 خليجيين وإيراني.


الثالثة: سنة 1996, وتزامنت مع تردي العلاقات المصرية الإيرانية, أعلنت السلطات أنها ألقت القبض على تنظيم يضم 55 عضواً في 5 محافظات, وضم أغلب المتهمين في القضايا السابقة, إضافة إلى حسن شحاتة.


وقال المعلومات الواردة بخصوص هذا التنظيم أن المؤسسات الدينية الإيرانية التي يقف وراءها المرشد الإيراني علي خامنئي هي التي رسمت خطة لاختراق مصر من خلال الحسينيات الشيعية, وأن محمد تقي المدرسي, الموجود في قم, هو الذي أشرف على تطبيق هذه الخطة من خلال الاتصال ببعض المصريين المتشيعين.


وقال التقرير الامنى فى حينها أن عمليات تجنيد المتشيعين, خارج مصر, كإيران والبحرين والكويت وأوربا..., ويتم التجنيد عادة أثناء زيارات يقوم بها البعض إلى إيران, أو خلال الندوات والمؤتمرات الدينية التي يحرص شيعة إيران على التواجد فيها واصطياد المصريين الذين لديهم استعدادات فكرية أو نفسية للارتباط بالمذهب الشيعي وإيران, وإن أحد هؤلاء وهو صالح الورداني كان أحد المتطرفين في تنظيم الجهاد (السني) قبل أن يسافر إلى الكويت, ويقضي فيها خمسة أعوام, عاد بعدها ليروج للفكر الشيعي عبر سلسلة كتب, صادرتها السلطات الأمنية.


وفيما يتعلق بأعضاء هذا التنظيم الـ 55, فقد سعوا إلى مد نشاطهم في خمس محافظات مصرية, وسعوا إلى تكوين خلايا شيعية سرية تحت اسم "الحسينيات" جمعها مستوى قيادي باسم "المجلس الشيعي الأعلى لقيادة الحركة الشيعية في مصر", وقد تبين أن التنظيم برمته موال لإيران, وثبت أن ثمانية من الأعضاء النشيطين, زاروا إيران في الفترة التي سبقت حملة 1996, كما أن عدداً آخر تردد على بعض الدول العربية من بينها البحرين, والتقوا هناك مع قيادات شيعية إيرانية وعربية باعتبارها تمثل المرجعية المذهبية الشيعية.

وقد نجحت الجهات الأمنية في مصر في اختراق التنظيم والحصول على معلومات من داخله حول البناء التنظيمي, وأساليب التجنيد, والتمويل ومخططات التحرك, وحين ألقي القبض على عناصره, تم العثور على مبالغ مالية كبيرة ومطبوعات وأشرطة كاسيت وديسكات كمبيوتر مبرمج عليها خططهم, وأوراقاً تثبت تورطهم في علاقة مع إيران.

وقد تبيبن أن حسن شحاتة إمام مسجد الرحمن, على علاقة بالتنظيم.

الرابعة: في نوفمبر سنة 2002م

حيث تم القبض على تنظيم بزعامة محمد يوسف إبراهيم, ويعمل مدرساً في محافظة الشرقية, ويحيى يوسف, إضافة إلى صاحب مطبعة, اتهموا بالترويج لتنظيم شيعي يسعى لقلب نظام الحكم وكان ذلك بقرية "المنى صافور" التابعة لمركز ديرب نجم وقد تم الإفراج عنهم بعد أقل من أسبوعين من اعتقالهم (18).


لكن هذا الوضع المتأزم ليس هو السمة المطلقة لمرحلة ما بعد الثورة, إذ أن هذه الفترة المتوترة في مجملها كانت تشهد الكثير من فترات التقارب والتساهل, ومن ذلك الانفتاح المصري على الهيئات الشيعية مثل مؤسسة الخوئي في لندن والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران, واستضافة مؤتمرات للتقريب بين السنة والشيعة(19) والتعاون الأزهري الإيراني في تحقيق المخطوطات ودعم المكتبات الموجودة في البلدين(20), والتوسع في تدريس اللغة الفارسية في الجامعات المصرية, والعودة إلى فتوى الشيخ شلتوت (21).

وقد تجسّد هذا التساهل أيضاً في التعاون الوثيق بين مؤسسة الأهرام ومركزها للدراسات السياسية والإستراتيجية وبين معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية, إذ أثمر هذا التعاون:

1-إصدار مركز الأهرام مجلة مختارات إيرانية, وهي مجلة شهرية تصدر باللغة العربية بدءاً من شهر آب (اغسطس) 2000م, وتركز على المواد العلمية والصحفية المنشورة أساساً باللغة الفارسية.
2-فتح حوار بين مركز الأهرام ومركز الدراسات السياسية التابع للخارجية الإيرانية, وقد نتج عن هذا الحوار عقد ندوة سنوية بين المركزين تعقد دورياً بين طهران والقاهرة للنهوض بالعلاقات المصرية الإيرانية كخطوة أولى, ثم توسيع الحوار في اتجاهين:

الأول: اتجاه توسيع الحوار إلى حوار عربي إيراني, والآخر خلق محور خاص للحوار: مصري, إيراني, تركي.

وقد عقدت الندوة الأولى في طهران يومي 10 و 11 يوليو /تموز سنة 2000م, وعقدت الندوة المصرية الإيرانية الثانية في القاهرة (21-22 يوليو سنة 2001م(22) .

وشهدت العاصمة الإيرانية أعمال الندوة الثالثة في الفترة 10-11 ديسمبر /كانون الأول 2002, وبالرغم من الدور الذي تلعبه هذه الندوات لإعادة الأجواء والعلاقات بين البلدين, وهذا ما استفز إحدى الحاضرات وهي جميلة كاديفار التى شنّت هجوماً على مصر واتهمتها بالتقاعس عن إقامة العلاقات مع إيران(23) .

وبحسب تقرير "حرية الاعتقاد وقضايا الشيعة في مصر" الصادر عن منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (وهي منظمة لحقوق الإنسان مستقلة أنشئت عام 2002) قالت يتعرض الشيعة منذ العام 1988 لضغوطات أمنية وانتهاكات متكررة لحقوقهم. فبحسب تقرير "حرية الاعتقاد وقضايا الشيعة في مصر" الصادر عن منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (وهي منظمة لحقوق الإنسان مستقلة أنشئت عام 2002) تعرض 124 شيعياً على الأقل للاعتقال، وذلك في حملات أمنية وقعت في الأعوام 1988 و1989 و1996 و2002 ونهاية 2003 وأوائل 2004.
فعلى سبيل المثال، اعتقلت أجهزة الأمن المصرية في ديسمبر/ كانون الأول 2003 عدداً من الشيعة، بعد أن دهمت منازلهم في مدينة رأس غارب، على ساحل البحر الأحمر في جنوب شرقي البلاد، وحققت معهم بتهم تتعلق بتلقي "أموال من الخارج وتهديد السلم والأمن الاجتماعيين، والسعي إلى قلب نظام الحكم في البلاد." وقد أفرجت عنهم السلطات المصرية فيما بعد لعدم ثبوت الأدلة ضدهم.

وتشير المنظمة الحقوقية في تقريرها، إلى أنه في كل تلك الحملات الأمنية ضد الشيعة "كانت أسباب سياسية تساق لتبرير هذه الاعتقالات"، مثل تشكيل تنظيم محظور، أو الاتصال بدول أجنبية، أو تلقي أموال من الخارج، أو محاولة قلب نظام الحكم، إلا أن "الأسباب الدينية لهذه الاعتقالات سرعان ما تظهر لقلة الأدلة المادية الموجهة في الاتهامات."

ورغم حرمان الشيعة من حرية التعبير عن معتقداتهم في مصر، ومنعهم من تشكيل المؤسسات الدينية أو الاجتماعية الخاصة بهم، واعتقالهم أحياناً، فإن المنظمة نفسها تؤكد أن "الوقائع لا تثبت وجود سياسة لاضطهادهم." 

ويذهب بعض المحللين إلى القول إن علاقة الحكومة المصرية بالشيعة تتأثر سلباً وإيجاباً بعلاقاتها بإيران. فحينما تتوتر العلاقات بين البلدين يتم التضييق عليهم، وحينما تنفرج يتم تخفيف الحصار عنهم، وخصوصاً أن العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين طهران والقاهرة لم تستعاد بعد.

كانت المراوحة والشد والجذب هم ثمة هذه المرحلة، مع الإبقاء على الوجه الامنى وإلقاء القبض على مجموعات من الشيعة بين الحين والآخر، وتوجيه الاتهام لهم بالتهم المعروفة التى اعتادت أجهزة الأمن على توجيهها للشيعة، واستمر هذا الحال طول عقد الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم ومع بداية الألفية الثانية وغزو العراق، ثم حرب تموز 2006، بدات الإدارة الأمريكية فى اعتماد سياسة جديدة حيال منطقة الشرق الأوسط وهو ما كشفه الصحافى الامريكى " سيمون هيرش" بعنوان " تبديل المسار"، والذى كشف فيه "هيرش" عن دعم الولايات المتحدة الامريكية للجماعات السنية الراديكالية من خلال محور " الاعتدال" للدفع بهم لمواجهة قوى " التمرد" الذى يضم ايران وسورية وحزب الله والشيعة بوجه عام، وهذه الإستراتيجية تستهدف إذكاء وقود الصراع السني- الشيعي، عن طريق دعم الحركات السنية المتشددة بواسطة المزيد من العمليات السرية التي يتم الإشراف على إدارتها بواسطة ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي، ووكالة المخابرات المركزية، ودعم السعودية المالي،ومساندة مصر والأردن الاستخبارية، إضافة إلى تعاون حكومة السنيورة وقوى 14 آذار. والمعارضة السورية والإيرانية وبعض الأطراف العراقية.

وكشف "هرش" عن نية الإدارة إطلاق سراح الكثير من الأصوليين الجهاديين السنة المعتقلين حالياً في غوانتانامو وتعيد تصديرهم الى لبنان، وبقية أنحاء الشرق الأوسط عن طريق القنوات الاستخبارية المتحالفة معها، وذلك بما يفسح المجال لهم للقيام بممارسة العنف ضد الشيعة.



وخلص " هيرش" إلى ان دعم الخلاف الدينى وطرحه على انه خلافا سياسيا هو مقدمة لحرب عربية "سنية- شيعية" سوف تكون فى الأساس لصالح أمريكا وإسرائيل، وسوف تلقى تبعات هذه الحرب الباردة على " مصر والسعودية والأردن"(24)، وبالتالى فقد بدأت فصول جديدة من هذا الصراع، فنجد العاهل الاردنى يتحدث عن خطر الهلال الشيعى، والرئيس المصرى السابق " مبارك" يتهم الشيعة العرب بالولاء لإيران وليس لدولهم ولعل حديث مبارك كان ترجمة جيدة لهذه المرحلة .



إرسال تعليق

0 تعليقات