عز الدين البغدادي
من الأمور التي ظهرت
متأخرة تعليق آيات القرآن أو الأحاديث أو بعض الأدعية أو ألفاظ الجلالة وغير ذلك
مما يتعلّق بالدين، ونحوها من رسومٍ وخطوط، وقد اختلف في جواز ذلك على رأيين.
فقد ذكر قومٌ من
القدماء حرمةَ ذلك وعدّوها بدعة، وأنا أرى أنّ رسم الآيات الشريفة ونحو ذلك مما
يعدّ ذكرا ليس شيئا محرّما من حيث كونه بدعة، وذلك لأنّه لا أحد يفعلها على نحو
التعبّد أو بدعوى كونها مطلوبة من قِبَل الشارع.
وأما من ورأى جوازها
فلِما فيها من فائدة التذكير والتعليم، وأما التزيين بها فليس حراما، وأي شيء أحسن
من أن يتزيّن امرؤ ويتبرك بكتابتها أو تعليقها؟!
نعم هناك وجوه
لمرجوحيّتها فربّما كُرهت إذا شغلت المصلي في المسجد، لا سيما وأن بعض المساجد
يكثر فيها ذلك جدا. وقد روي أنّ عائشة كان لها قِرامٌ (وهو ثوب أو ستر من صوف له
ألوان.) سترت به جانب بيتها، فقال لها النبىّ (ص): أميطي عنّي، فإنه لا تزال
تصاويرهُ تعرض لي في صلاتي.
فكيف في مثل مساجد
هذا الزمن التي ملئت بالصور والتزيين وغير ذلك مما يشغل المصلّي قطعا مع وجوه أخرى
لتحريمها؟ نعم يحرم ذلك قطعا فيما لو تضمّنت شيئا محرّما من قبيل الاستعانة بغير
الله، وكذا لو تضمّنت دعاءً غير مشروع أو غير ثابت.
كذلك يكون مشكلا فيما
لو اقترن باعتقاد أنّ هذا الذكر يكون حافظا لهذا الشخص أو لتلك الدار، فهذا مما لا
أصل له، ولا دليل عليه، وهو يرجع إلى اعتقاد أنّ هذا اللفظ له تأثير بذاته.
وقد شاع استعمال تلك
العناوين التي تعلّق على الدكاكين والمتاجر من قبيل "تبارك الرحمن" و"نور
الإيمان" وما إلى ذلك ونحو ذلك، وما شئت فحدّث. إلا أنّك تجد أنّ كثيراً من
هؤلاء يستخدمون تلك الأسماء ليغطّوا بها إما على غشّ يرتكب أو على جهل وحمق من
وضعها ممن يحسب نفسها متديّنا وفاهما وهو أقل من لا شيء.
كما إنّ هذا فيه شيء
من الرياء، فإنّ المرء يظهر تديّنه بهذه المظاهر التي ليس فيها ما ينفذ إلى القلب،
كما إنّ هناك من يستخدم هذا للضحك على الناس بزعم أنّه صاحب دين.
بل ما هو أسوأ من ذلك
أنّ فيه خداعا للنفس ؛ حيث يتوهّم كثير من الناس أن التزام هذه المظاهر ومنها
موضوع البحث هو أمرٌ كافٍ للتقرّب إلى الله.
كما إنّ على المرء أن
لا ينسى بأنّنا كمكلّفين مأمورون بالذكر والدعاء بألسنتنا لا بكتابتها أو
بتعليقها، مع ما قد يترتب على ذلك من تعريضها للهتك.
0 تعليقات