عز الدين البغداي
في الفهم العام عند كثير من الشيعة وعامة المسلمين أن الشيعة ينظرون الى
الصحابة نظرة فيها شك وتشكيك وأحيانا تصل درجة الطعن عند البعض. وعندما تنظر في
الروايات عن آل البيت ستجد أن هناك اتجاهين:
الأول: متطرف ويحاول أن يقلل بشكل
كبير من مكان الصحابة، حتى ورد في بعض الروايات أن الناس بعد رسول الله ارتدوا إلا
ثلاثة أشخاص، وهم: سلمان وأبو ذر والمقداد‼
وهذا ما ورد في روايات ضعيفة في
الكافي والاختصاص، كما وردت أيضا في رجال الكشي.
ويقابله الاتجاه الثاني الذي يشمل روايات عن آل البيت فيها الكثير من
المحبة والتقدير للصحابة، يمكن أن نذكر منها ما قاله الإمام علي بن أبي طالب (ع) في
أحد خطبه: ولقد رأيتُ أصحاب محمَّد فما أرى أحدا يشبهُهُم، لقد كانوا يبيتون شُعثا
غُبرا وقد باتوا سجَّدا وقياما يراوحون بين جباههم وخدودهم على مثل الجمر مـن ذكر
معادهم كأنَّ بين أعينهم رُكَبُ المعزيّ من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملتْ
أعينُهم حتى تبلَّ جيوبهم، ومادوا كمـا يميد الشجر يوم الرِّيح العاصف خوفا من
العقاب ورجاءَ الثواب.
وقال: ولقد كنا مع رسول الله (ص) نقتل أبنائنا وإخواننا وأعمامنا وما
يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما ومضينـا على اللقم وصبرنا على مضض الألم وجدّا في
جهاد العدو…. فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدوه الكبتَ وأنزل علينا النصر حتى
استقرَّ الإسلام مُلقيـا بجِرانه (أي متمكنا) ومتبوئـا أوطانَه.
ثم انظر إلى دعاء الإمام زين العابدين علي بن الحسين الذي كان يدعو به
لأصحاب النبي (ص) فيقول: اللهم وأصحابُ محمدٍ خاصة الذين أحسنوا الصِحابة، والذين
أبلوا البلاء الحَسَن في نَصرِه، واستجابوا له حيث أسمعهم حجَّةَ رسالاته،
وفارقـوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت
نُبوَّته وانتصروا به، ومّنْ كانوا منطوين على محبَّتِـه، يرجون تجارة لن تبور في
مودَّته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعُروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا
في ظليل قرابته، فلا تنْسَ اللهم لهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما
حاشوا الخلق عليكَ، وكانوا مع رسولك دعاةً لك إليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار
قومهم وخروجهم من سَعَة المعاشِ إلى ضيقه.
وروي أنَّ الإمام الكاظم موسى بن جعفر (ع) رأى علي بن يقطين مقبلا إليه،
فقال لرجل كان معه: من سرَّه أن يرى رجلا من أصحاب رسول الله (ص) فلينظر إلى هـذا
المقبل.
فكان غاية المدح أن يكون رجلا من أصحاب رسول الله (ص)، وهل ينسجم هذا مع
الصورة التقليدية عن الصحابة؟
بل لقد كان أهل البيت يزورون مراقد الشهداء في الطف في أرض كربلاء، وفي خبر
عن الإمام الصادق في زيارة قبر أبي الفضل العباس بن علي (ع)" أشهدُ أنَك قد
مضيت على ما مضى عليه البدريّون …..
فتصور أنه يجعل منهج البدرين هو منهج الإسلام الذي يسير عليه من يأتي
بعدهم، فكيف يمكن أن نتصوّر موقفا سلبيا بهذا الشكل الذي يصوره او يتصوره البعض.
الغريب أن هذه الروايات يتم تجاهلها أمام الوعي العام، بينما يتم طرح
روايات معاكسة في الدلالة رغم ضعف سندها.
من جهة أخرى، انتهى كثير من أهل السنة إلى رسم صورة مثالية مفرطة جدا جدا
عن الصحابة، ورفضوا التعامل مع الموضوع من منظار علمي او حتى عرفي، وهذا هو
أسلوبنا في التفكير للأسف بين إفراط وتفريط.
لقد كان لأصحاب محمد (ص) الفضل والشرف في نصرة هذا الدين والقيام بأمره،
إلا أن مفهوم الصحبة تم توسيعه وإسباغ كثير من القدسية عليه، حتى خرج الأمر عما
تقتضيه الأدلة الشرعية وعن الطبيعة الإنسانية.
وحتى تحولت نظرية عدالة الصحبة الى
مقدس لا يمكن أن تناقشه إلا بطريقة التأكيد والتمجيد، إنها نظرية وضعت لتخدم أهدافا
سياسية أكثر مما عبرت عن واقع حقيقي.
0 تعليقات