آخر الأخبار

في رحاب سورة القدر






 

 

علي الأصولي

 

 

إن سورة القدر من السور القرآنية ذات الشأن العظيم، إذ أنها صورة العلاقة الآمرية والامرية بين السماء من جهة والأرض من جهة أخرى، على ما سوف تعرف في طيات هذه الأوراق البحثية،

 

 

سميت هذه السورة بسورة القدر، لأن لفظ ليلة القدر ذكر في متنها، وما ذكر من اطاريح في التسمية فهي لا تخرج عن كونها محتملات، بل على التحقيق حتى أطروحة التسمية بدعوى الذكر المتني السياقي القرآني أيضا لا يخلو من محتمل ولكن هو أرجح المحتملات، لأن السيرة المتشرعية نقل عنها التسمية يد بيد منذ عصر النص،

 

وقد لحظ في السورة جانب فلسفي وآخر متشرعي وهذا اللحاظات تابعة للدلالات،

 

 

وقد ذكر السيد الأستاذ، اللحاظ الفلسفي أو الفكرة الفلسفية بحسب ما نقل هو عن غيره، فيما يخص موضوعة الأوامر التي تتنزل على النفس الفكلية العليا والتي تسمى بتعبيراتهم- فلك الأفلاك - ومن ثم تتوزع هذه الأوامر على مواردها ومصاديقها الأرضية وهو ما يحصل في ليلة القدر، ثم تتوزع خلال السنة على نحو التدريج،

 

وأما الفكرة المتشرعية الذي ذكرت فهي مستمدة على ما ورد في الأخبار المستفيضة، أن هذه الأوامر تتنزل على الإمام الحي، في كل عصر أوامر السنة الكاملة في ليلة القدر، ويمثلوها بصحيفة مكتوب عليها ما يكون إلى سنة، ويوقع عليها الإمام ويقرها، وقد ورد عنهم - ع - كما في أصول الكافي كتاب الحجة ج٢ / إن الأوامر تصدر من بيوتكم، أي عنكم،

 

 

وعلى ما يبدو لي بأن مرجع الفكرة المتشرعية إلى الفكرة الفلسفية، هذا إذا أثبتنا إن فكرة - فلك الأفلاك - أو الأفلاك المتناهية أقدم من النص الديني الذي ذكر في الكافي،

 

 

وعلى فرض الأقدمية فلا تضاد بين الفكرة الفلسفية التي ربما هي مطروحة من قبل أنبياء قدماء، وبين الفكرة المتشرعية التي أسسها المعصوم على ما يبدو لي في مجموع أحاديثه في هذا الباب،

 

 

ولكن يبقى عندنا إشكال قائم وهو لم يتعرض له السيد الأستاذ في دفاعه عن القرآن، بل نراه سلم بما ذكره المشهور المتشرعي،

 

 

والإشكال: هو أن فكرة تنزل الأوامر هل هي فكرة قديمة أم مستحدثة - يعني هل الأوامر التي كانت تنزل منذ قدم البشرية أم أنها نزلت في التاريخ الإسلامي؟

 

 

إذا كانت فكرة قديمة فلا إمام في تلك العصور السحيقة التي هي أبعد من التاريخ الإسلامي،

 

 

أن قلت: أن الفكرة قديمة ولا يضر عدم وجود إمام بل يوجد ثمة أنبياء ولهم الدور في تفعيل هذه الأوامر واستلامها، ولذا ورد في الخبر - ان الأرض لا تخلوا من حجة - ومن الطبيعي أن الحجة ليس هو الإمام بعينة وشخصه، ولذا شهدنا الأرض في طول التاريخ ليس فيها إمام ولم نر أن الأرض ساخت بأهلها كما ينص الحديث،

 

 

قلنا: ومن هنا نحن تلتزم بإن الحجة اعم من كونه إمام بل ربما يكون نبيا أو رسولا بل وحتى يمكن أن نقول اي فرد خارج منظومة النبوة والرسالة والإمامة الظاهرية بشرط كونه صالح وهذا ما لاحظناه بإن الحجية للعبد الصالح حتى على نبي من أنبياء أولي العزم و هو موسى - ع -

 

ذكر السيد الشهيد عدة أطروحات في سبب التسمية،

 

منها : القدر بمعنى العظمة،

 

 

ومنها : القدر من القدرة،

 

ومنها : القدر بمعنى الحد التكويني الثبوتي، لتحديد الأمور،

 

 

ومنها : التقدير الاثباتي لبيان كمية الشيء، على ما ذكره الراغب في مفرداته،

 

 

ومنها : الليلة التي يقدر فيها حوادث السنة في مرتبة المحو والإثبات،

ومع التأمل في هذه الاطاريح فهي كلها ترجع بعضها لبعض بنحو أو بآخر، وخير ما ذكر في بداية الإجابة إذ قال : في جوابه على التسمية عدة أطروحات غير متنافية، أنتهى.

 

 

ولكن بما أننا نستطيع أن نرجع الاطاريح لمعنى جامع فلا معنى والتعدد والتفرع بالتسمية،

 

 

وكيف كان: ينبغي ملاحظة التسمية من نفس المعنى وبما أن التسمية سورة القدر فينبغي الوقوف على معنى القدر وإذا وقفنا عليه أمكن لنا معرفة العلة من التسمية،

 

 

وقد ذكر المفكر الراحل عالم سبيط النيلي تفريق لطيف بين لفظ - القدر - بالسكون و - القدر - بالفتح،

 

 

إذ أن الأول - القدر - بالسكون هو الحكم، فهو على العموم كل الحكم، وعلى الخصوص حكم واحد مخصوص،

 

 

فقد يقال: عن أي أمر صادر من الملك الفلاني - هذا حكم الملك - فهذا عموم، وقد يقال - هذه الليلة يصدر الحكم - فهذا حكم خاص بشيء خاص،

 

 

وما نحن فيه - ليلة القدر - معناه - ليلة نفاذ أمر واحد مخصوص - لأن العموم لا يرتبط بالزمن، وهنا القدر ارتبط بليلة، دل على ذلك أنه أمر واحد مخصوص، انتهى.

 

ولذا وجدنا الأطروحة الخامسة التي ذكرها السيد الأستاذ تذكر بأنها - الليلة التي يقدر فيها حوادث السنة في مرتبة المحو والإثبات ويحصل إنزال هذه الأوامر في النفس الفكلية التي تطبقها خلال السنة أو ينزل على الإمام الظاهري - الحي - لكي يمضيها ويوقع عليها ، انتهى.

 

أقول: إن استعمال لفظ الإمام الظاهري بلغة أهل الباطن يقابله الإمام الباطني، وعلى أي حال على ما يبدو لي بأن تكليف ليلة القدر واستلام الأوامر مختص بالإمام الظاهري، لأن هذه الأوامر من شؤونات عالم الملك على ما يعبرون باطنيا،

 

 

 

ولو لاحظنا الآيات القرآنية ذات الشأن فإننا سوف نلاحظ فكرة الزمان المرتبط - بالقدر - خذ مثلا { إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ● فيها بفرق كل أمر حكيم ● أمرا من عندنا } وقوله تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } وكما تلاحظ النزول القرآني ومعه الأوامر القدرية ارتبطت بالزمان، ومرجعية الضمير - أنزلناه - نعرف أنها ليلة القدر، وهي نفسها الموصوفة يفرق فيها كل أمر حكيم، فهي ليلة الفرق وهو معنى القدر وهو توزيع الأوامر على مواضعها ومستحقاتها، على ما أفاد صاحب - منة المنان –

 

 

وأما كيف لنا معرفة مرجعية الضمير في - أنزلناه - فلا مرجع له ظاهر وأن كان الكل قالوا مرجعه للقران بما فيهم صاحب - الميزان - بتقريبات:

 

منها: إن ترك ذكره للتعظيم،

 

ومنها : ما ذكره القاضي عبد الجبار في كتابه - تنزيه القرآن عن المطاعن - من أن الأمر إذا صار معروفا جاز إرجاع الضمير إليه،

وفيه: هذا التقريب مبني على ثبوت المعروفية في الضمير وهنا نحن نسأل ومن تقدم عنا من تلك الأجيال أيضا في طور السؤال فالمعرفية كيف تثبت؟

 

 

إلا اللهم يقال: إن المعروفية سماعية من النصوص الحديثية،

 

 

وعلى كل حال: القدر الذي يذكر دائما مع القضاء فهو مجموع الأوامر التي يقضى بها عادة وهي حاكمة على عالم الإمكان الوجودي، بصورة عامة،

 

وأما القدر - كما في الآية - فهو أعلى رتبة من صاحبه وحاكم عليه كما أن هي حكومة الأدلة الفقهية بعضها على بعض،

 

ولذا قلنا أن الارتباط الزماني بالقدر - بالسكون - بينما لا ارتباط زماني بالقدر - بالفتح - فثمة فرق بين قولنا { ليلة القدر خير من ألف شهر } وبين { إنا كل شيء خلقناه بقدر } وفرق بين الخلق المرتبط بالقدر وبين القدر المرتبط - بالتنزيل والإنزال –

 

 

حاول السيد الإجابة عن الفرق بين - الإنزال والتنزيل - فقد ذكر رأي مشهور المفسرين بما فهم السيد الطباطبائي، حيث أفادوا: بإنهما بمعنيين:

 

 

الأول : دفعي،

 

 

الثاني: تدريجي،

 

 

وقد سار المشهور على هذا الفهم منذ زمن قديم، إذ أن النزول القرآني الدفعي، كان بليلة القدر، والتدريجي فمتفرق على طول فترة البعثة النبوية { وقرآن فرققناه لتقراءه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا } بعد أن فهم المشهور أن المكث أنه ببطء،

 

 

واعترض السيد الأستاذ، بما حاصله: أنه لا يوجد في أصل اللغة بينهما فرق، اعني نزل وانزل، وإنما المادة تدل على الانحطاط من فوق إلى تحت، وكلاهما متعد الخ ، ،

وعلى ما يبدو لي بأن المشهور لم يلحظ الأصل اللغوي لمفردتي الإنزال والنزول بل كان لحاظهم عرفي وهو كاف بالمقام على التمسك بالرأي المشهوري،

 

 

وبعد ذلك لا معنى وعقد البحث في الاستصحاب القهقرائي والنظر على العرفي في عصر النص،

 

 

نعم: هنا مسألة، وهي هل كان النبي - ص - عالما بالقرآن قبل الإنزال أم لا؟ يعني قبل الحادثة الواقعة هنا أو هناك هل كان في ضميره وجود آيات قرآنية أم انه ينتظر نزولها من السماء حتى ينطق بالقرآن؟

 

 

وجوابه: إن النبي - ص - كان القرآن لديه وعنده حاضرا فالتدريج النزولي لا ينافي الدفعية في الليلة الرمضانية،

 

 

هذا يمكن أن نحسبه أطروحة أولى:

 

 

الأطروحة الثانية: إن النبي - ص - لم يكن يعرف ما الكتاب والقرآن فهو ينتظر الآية الخاصة بالحادثة المخصوصة،

 

 

الأطروحة الثالثة: إن المعاني القرآنية كانت في الضمير النبوي غايتها ان صياغة الألفاظ تحتاج إلى فترة لإيصال المعنى،

 

 

وأن كانت هذه الأطروحة مبنية على ذوق صوفي باطني ولكن بالتالي تبقى أطروحة على كل حال،

 

 

ويمكن تأييد أو ترجيح الأطروحة الأولى بدلالة { لا تحرك به لسانك لتعجل به } يعني أن القرآن موجود في الضمير ولكن التوقيت ليس بيد النبي للبيان فهو ينتظر إرادة السماء ولهذا نجد أن الوحي عندما يهبط عليه يرتجف ويتغير لونه، حاملا معه الأذن بالتصريح لا أنه يحمل الآية للحادثة،

 

والكلام في هذا الموضوع متشعب لا أرغب بتوسعة المورد في هذا الباب.


إرسال تعليق

0 تعليقات