نعمه العبادي
في وسط غمار الأحداث
العصيبة التي رافقت الأيام الأولى للبعثة
النبوية، فجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأعز وأقرب شخصين في حياته، هما زوجته
وحبيبته وسنده وتؤمه خديجة العظيمة، وعمه وسنده وكافله أبو طالب ذو الغرة البيضاء،
وقد سمي العام الذي رحلا فيه بعام الحزن.
في مناسبات عدة، كررت
هذه الملاحظة وأعيدها اليوم من جديد، فمن صغري، ومنذ قراءتي الأولى للتاريخ الإسلامي،
كنت من أعماقي رافضاً لمجموعة سرديات تتصل بتاريخنا، منها ما يتعلق بشخصية خديجة
الكبرى، وطريقة إبلاغ النبي ص لحيثيات الوحي، وما يذكر عن أبي طالب رضوان الله
عليه، وطريقة تعامل الحسنين في شهادة الإمام علي ع، وقد وجدت لاحقاً بعد البحث
والتحري، أن تلك الشكوك لها الكثير الذي يبررها، وفي ذات الوقت صرت معرفياً، أتبنى
ما وصلت له يدي من خلال (الوجدان المعرفي) و (التقصي الموضوعي)، وبعيداً عن أي إثارة
تاريخية أو دينية أو فكرية، أشير إلى جملة حقائق، هي عقيدتي في هذا الأمر، وهي
الآتي:
- إن العظيمة خديجة
رض وخلاف ما يتم تداوله، لم تكن متزوجة قبل النبي ص ولم تكن أرملة لأي احد، وليس
لها ابنتان، وهاتان البنتان هما لأختها المتوفاة، تكفلت تربيتهما، وطلبت من النبي
ص، أن يتدبر أمر زواجهما، وبحسب الظاهر كانت لهما علاقة قرابية بعيدة بالخليفة
عثمان بن عفان الذي تزوجهما، وليس اسمهما زينب وأم كلثوم، بل نزهة ونزيهة، ولم يكن
للنبي ص أي بنت غير فاطمة الزهراء ع، وأن خديجة كانت من عمر النبي ص وهي من أترابه...
- إن السردية
المتعلقة بفزع النبي ص وخوفه، وذهابه إلى ورقة بن نوفل بنصيحة من خديجة، لا أساس
لها من الصحة، وقد كان آمناً مطمئناً فرحاً مستأنساً بما خصه الله به من عظيم
الشأن وعلو الرتبة، وهو في عالم الروح والخلق الأول مجبول على هذه الاوحدية، وإن
شخصية ورقة وهمية لا وجود لها في علم الرجال، وهي من صنع الزيف التاريخي.
- من السفاهة بمكان
الحديث عن إسلام أبي طالب ومناقشته، ومن الغدر الوقيح، أن يتم ترديد عبارة مختلقة
مفادها أن (أبا طالب في رحراح من النار)، فأبو طالب رض كان من أول المؤمنين بالنبي
ص والمصدقين بدعوته، والمعلنين للشهادة والإسلام، ولم يكن في حياته مشركاً، بل كان
موحداً إبراهيميا من الأحناف، وعاش ومات مؤمناً، وله قدر عظيم في الإسلام، ومكانة
ودور يستحق بها الوفاء والأنصاف من كل المسلمين.
- لقد خص الله سبحانه
وتعالى بعض ممن هم ليسوا ضمن سلسلة العترة بمختصات عظيمة من نوع آخر ومنهم (خديجة
الكبرى، أبي طالب، أم البنين، العقيلة زينب، العباس بن علي بن أبي طالب،....)،
ولهؤلاء الثلة عالية المقام كرامات مبهرة لمن يعرف قدرهم ومكانتهم.
- أخيراً، أتمنى أن
يكون هذا الحديث حافز وعي يحرك الساكن من مضمور تراهات التاريخ الذي تسودت صفحاته
في ظل نزاعات سياسية وصراعات مصلحية، وأن نعيد ترتيب حروف ذاكرتنا بشكل أكثر
موضوعية...
0 تعليقات