محمود جابر
قدر مصر التاريخي أنها هبة النيل، وقدر النيل والمصريين التاريخي أنه يأتي من خارج الأراضي المصرية ولا تمثل مصر للنيل سوى أرض مصب، وقدر مصر التاريخي ان تكون دولة المنبع الرئيسي إثيوبيا دولة طامحة بلعب دور تاريخي على حساب مصر، واذا كان حديثنا يبدأ من التاريخ فحتما أننا نريد ان نأخذ من التاريخ عظة ودرس للحار والمستقبل ...
فقد ظهر ذلك جليا إبان الفترة الفاطمية من
محاولة الكنيسة الإثيوبية ( الحبشية) لعب دور على حساب مصر، وكان هذا الدور دائما
يأخذ شكل منع مياه النيل من الجريان وفى هذا يمكن رصد بعض الحوادث على سبيل المثال
لا الحصر .
1- في عهد المستنصر
بالله الفاطمي شحت مياه النيل وقلت في المجري المخصص للنهر العظيم وعم القحط نواحي
مصر بسبب بناء الأحباش سدود علي النيل في بلادهم منعت تدفق الماء علي مصر .
فأرسل المستنصر
البطريرك ميخائيل إلي الحبشة حمله بهدايا للنجاشي حاكم الحبشة وتكلم البطريرك مع
النجاشي فوافق علي فتح سد كان حائلا دون تدفق مياه النيل, وتحسنت العلاقات مابين
مصر والحبشة وجرت مياه النيل بالخير لكل المصريين وانتعشت البلاد وانتشر السلام
بين ربوع مصر.
2- فى عهد المماليك, عم
الجفاف والقحط في البلاد واضطروا إلي دفع البطريرك للتوسط مع حاكم الحبشة ونجح في
حل مشكلة المياه وتدفقت المياه بعد القحط الشديد.
3- في عهد محمد علي حاكم مصر عام 1834 وعن طريق
البابا بطرس الجاولي تم حل مشكلة المياه وتحسنت العلاقات وازداد الود وعم الرخاء
وزادت التنمية في كل المجالات .
4- في عهد سعيد باشا
الذي حكم مصر عام 1845 بعث الخديوي سعيد بالبابا كيرلس الرابع لحل مشكلة المياه
واستطاع البابا كيرلس بحكمته الرصينة حل هذه المشكلة التي كانت ستسبب في موت
الكثيرين عطشا وتبوير الأراضي ونفوق المواشي.
وكل ما جرى من
ممارسات إثيوبية لم يأتي من رغبة إثيوبيا وحدها على لعب دور على حساب مصر ولكن
العامل الخارجي كان حاضرا منذ ظهور
البرتغاليين ورغبتهم فى إحكام قبضتهم على جنوب المحيط الهندى وسواحل إفريقيا وكل
هذا ما كان له أن يجرى دون القضاء على قوة مصر سواء الفاطمية أو المملوكية، وهذا
الدور لعبت الدولة العثمانية – تركيا – دورا رئيسيا فيه ضد مصر .
هنا يمكننا أن نقول
أن هذا الدور – الإثيوبي – يظهر دائما حينما يكون هناك دافع او محفز لا يرغب فى
وجود مصر قوية، بل، عاجزة .
وحينما ظهر على مسرح الأحداث
فى العالم شخصية بوزن جمال عبد الناصر الذى استطاع أن يجعل من العلاقات المصرية الإثيوبية
علاقات متميزة إبان حكم الإمبراطور هيلاسلاسي صديق شخصي لمصر ولقداسة البابا
الراحل كيرلس السادس وكان دائما يقوم إمبراطور إثيوبيا بزيارات دائمة إلى مصر وقد
تكون شهريا لارتباطه روحيا بقداسة البابا كيرلس السادس، وكانت إثيوبيا تتبع
الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية، وقتها كان فى الخلفية خليفة للبرتغاليين
والعثمانيين، وهو فرسان المعبد ( فرسان أكسوم ) الموالين لمصر الملكية والذى طردهم
عبد الناصر من مصر بعد أن أغلق ناصر المحافل الماسونية فى مصر، وهنا أصبح ناصر
الذى يناصر حركات التحرر ويساند ثورات فى اليمن والجزائر وسوريا وو خطرا بالغا على
الاستعمار وعلى الماسونية وبدا قرار تأديب عبد الناصر ومصر وكسرها يأخذ عدت محاور
.
جاءت البداية فى
اليمن 62-1965 .. ثم تلى ذلك هزيمة 67 ؛ ثم ظهرت على السطح علاقات إثيوبيا بإسرائيل
..
وكان عربون العلاقات
هو دير السلطان الموجود بالقدس الشريف، وحيث قامت دولة الكيان بمنح الدير لرهبان أحباش
.. بالتوازي مع انفصال الكنيسة الأثيوبية عن كنيسة الإسكندرية...
فهل شممت هذه الرائحة
التى تنبعث من حبر الكلام، وحتى لا يحدثني أحد عن فكر المؤامرة، فكل ما جرى ذكره
موثقا، وتستطيع ان ترى توثيقه فى العديد من الكتب والمواقع دون جهد أو عناء، وأنا أؤكد
لكم أنها مؤامرة على مصر، العامل الخارجي فيها متغير ولكن إثيوبيا دائما هى ورقة
فى يد أعداء مصر ....
ثم سرعان ما رحل
ناصر، وجاء بعده الرئيس – المؤمن- السادات، احد أعضاء نادي السفاري، وهذا النادى الذى كان يملك فرق اغتيالات ترعاها
كل من مصر وإيران والسعودية، بإشراف أمريكي فرنسي لاغتيال قادت التحرر واليسار فى إفريقيا
و محاربة الشيوعية .. تلك الفرق نشرت الرعب فى إفريقيا وعمقت من كراهية مصر والتي
تم استثمارها لصالح إسرائيل ودول أخرى على حساب مصر التى كانت قبل أيام الأم
الحنون والحضن الدافئ لكل هؤلاء ولكن للرئيس المؤمن رأى آخر، ربما جهل عواقبه
وربما كان مدرك .
هذه الكراهية التى
تعمقت وتم استثمارها نجدها لحظة خطاب الرئيس الإثيوبي منجستو هيلامريام أثناء خطاب
جماهيري له عام 1979 قام بإلقاء زجاجه مملوءة
بالدم على علمى مصر و السعودية .. أعلانا للعداء السافر لهما بسبب ممارسات فرق
إرهاب السفاري .
وحتى بعد رحيل الرئيس
المؤمن، بقيت سياساته التى عزلت مصر عن عمقها الإفريقي حتى جرى ابتلاع إثيوبيا من
قبل إسرائيل وتركيا وحتى الصين .
وفى غياب مصر عن هذا
العمق، ومع دخول مصر فى مرحلة الثورة والتغيير فى 2011، كان كل أعداء مصر يتسابقون
الى إثيوبيا لإحكام الخناق على مصر قبل أن تنهض من كبوتها، وهنا نجد قطر جزء من ممولين
إثيوبيا وسدها بالإضافة للسابقين، ومعهم إمارتين وسعوديين ومصريين – للأسف البالغ!!
الحالة الإثيوبية على
مستوى الاجتماع البشرى - عدا الجنوب – غاضبة وكارهة وحاقدة على مصر وتنظر لها بكل
بغض وعداء وكراهية .
ونحن فى كل هذه
الحالة الممتدة منذ الدولة الفاطمية اى منذ قرابة الألف عام، عجزنا عن دراسة
الحالة الإثيوبية، وانها حالة لابد وحتما ان نعرفها، وندرها، وندرسها، ونحيط بها
ولا نتركها فى يد الأعداء أو الطامحين أو الذين يريدون ان تنتهى مصر كلاعب فى
منطقة الشرق او جنوب البحر المتوسط .
المعركة الآن قد وصلت
إلى مجلس الأمن، وربما نرى إجراءات لم نراها من قبل ولكن نحتاج من الكتاب والإعلاميين
والمفكرين وان يلعبوا دورا فى هذه الحقل ليس فى حقل العداء ولكن فى حقل نزع فتيل
الكراهية بين الشعبين والأمتين ودراسة حالة هذه الشعب الفقيرة فى عمومه، وأخيرا
دعم الدولة المصرية فى هذه المعركة التى تعتبر معركة حياة او موت لمصر كلها
للتاريخ والحاضر والمستقبل .
0 تعليقات