د.أحمد دبيان
بعد اضطرابات عرقية
راح ضحيتها حوالي الثلاثمائة ظهرت حركة الفهود السود .
عام ١٩٦٨ والذى كان
بحق عام ثورة الشباب بدأت حركة النمور السود أو الفهود السود في منطقة أوكلاند عبر
فتح مجموعة من المستوصفات وتوزيع الأغذية على ذوي الحاجة، خاصة بين الأميركيين
السود، كما قاموا بالعديد من النشاطات الأخرى التي لاقت صدى اجتماعيا كبيرا.
ورفعت الحركة آنذاك
الشعار الشهير ( الإفطار لكل طفل).
استقطبت الحركة و عبر
الدعاية الثورية النضالية أعدادا كبيرة من الشباب الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية
السوداء الذين كانوا يعانون من حالة استياء اجتماعي عام خلال سنوات الستينات
المنصرمة والتي كانت قد تميزت بحالة من الاضطراب العام، ليس في أمريكا وحدها، ولكن
على المستوى العالمي وحيث كان شهر مايو من عام ١٩٦٨ قد شهد أحداث عنف ومظاهرات
سُميت بثورة الطلبة. تأسس حزب الفهود السود والذى كان اسمه في البداية هو الفهود
السود من أجل الدفاع عن النفس عام ١٩٦٦ وتبنت الحركة نهجا ثوريا في أطروحاتها
السياسية وأخذت خلال فترة قصيرة بُعدا أمريكيا شاملا بين أوساط الأمريكيين
الأفارقة.
إعتمدت حركة الفهود
السوداء على نص قانونى امريكى تبناه احد الناشطين فيها الدارسين للحقوق يتيح
للمواطن مراقبة عمل الشرطة بشرط ان يبقى بعيداً على مسافة سبعة أمتار .
كان الفهود السود
يحملون أسلحة حسب القانون الامريكى للحماية الشخصية .
تأثر أعضاء الفهود
السود بحركات التحرر العالمى وقتها والتنظيرات التى صاغها فرانتز فانون فى معذبو
الأرض .
ومع التمدد والشعبية
التى حظيت بهما الحركة بعد تبنيها لابعاد اجتماعية ، حيث كانت تقوم بإعداد إفطارات
جماعية وغذاء وكسوة لفقراء السود، ومع مراقبتها لتجاوزات الشرطة ضد السود بدأت
الشرطة تضيق بها وتقمعها .
ومع سقوط رجل شرطة
اثناء المواجهات، بدأ القمع لكل أعضاء الحركة. تم القبض على احد ابرز قياداتها
بتهمة قتل الشرطى ، ما اثار احتجاجات واسعة لدى السود .
اتبعت الشرطة
اساليباً وحشية وبراجماتية للقضاء على الحركة بقتل البعض ، والتغاضى عن تهريب
المخدرات من كولومبيا ، لتغرق البعض الآخر فى دوائر الادمان.
هرب بعض عناصر الفهود
السود للجزائر ، حيث أفسحت لهم إذاعات وصحف وتعاونوا بشكل أو بآخر مع الحركات
التحررية و التقدمية العربية وقد قامت المباحث الفيدرالية بدس عناصر من الجهاز
الاستخباراتي داخل صفوف الفهود السود ونشر الدعايات ضدهم وتغذية الشقاقات بين
مكونات الحركة وتياراتها، خاصة عبر اللجوء إلى الرسائل مجهولة المصدر أو المزوّرة.
هذا فضلا عن الملاحقات التي لا تنتهي التي كانت الشرطة تقوم بها.
من أشهر المداهمات
التي قامت بها تلك التي جرت عام 1969 عندما هاجم عناصر من مكتب التحقيقات
الفيدرالي ومن شرطة شيكاغو منزل فريد هامبتون
العقل المنظّم للفهود
السود حيث كان الأشخاص في المنزل مخدّرين كلهم من قبل المخبر الذي وشى بهم وكانوا
جميعهم نيام ولقد قُتل يومذاك فريد هامبتون وحارسه.
قامت احتجاجات كثيرة
عنيفة بعدها ضد الشرطة كما فر بعض أعضاء الحزب الى الجزائر استكمالاً لنضالهم
الثورى هناك ضد الإمبريالية العالمية .
لجأت الشرطة
الأمريكية والمباحث الفيدرالية بعدها الى التحالف مع تجار المخدرات فى كولومبيا
لتسهيل تجارة المخدرات وإغراق أحياء السود بها.
يشير الدكتور بول
الكيبولان مؤلف كتاب
Survival pending
revolution
The History of the
black panther party
البقاء بانتظار
الثورة
تاريخ حزب الفهود
السود
إلى أن حركة الفهود
السود كانت تضم أساسا تيارين أحدهما كان مهتما بالخدمات الاجتماعية وقريبا من
الحكومات المحلية بينما كان للتيار الآخر مواجهات مستمرة مع أجهزة الشرطة. وبالنتيجة
ساد نوع من التشوش والغموض فيما يتعلق بالفصل بين العمل السياسي والعمل الإجرامي
والخدمات الاجتماعية والوصول إلى السلطة والبحث عن الهوية.
وهذا أدّى إلى إنهاك
الحركة. بالنتيجة ترك عدد من الأعضاء الحركة للانضمام إلى جيش التحرير الأسود
واتبع آخرون نهجا سياسيا معتدلا، ومسالما. ومكث عدد كبير من أعضاء الحركة سنوات
عديدة في السجون على خلفية الملفات التي تضمّنها برنامج جهاز الاستخبارات الأميركي
الفيدرالي. وتتم الإشارة في هذا السياق إلى عدة مجموعات قالت بانتمائها بعد ذلك
إلى إرث الفهود السود كان آخرها التحالف الوطني للفهود السود الذي تأسس في شهر
يوليو ٢٠٠٤.
أمريكا ومهما بلغ
درجة تجميلها كواحة للديمقراطية دولة عنصرية بإمتياز قامت على إبادة الآخر صاحب
الأرض وهى تحمل ذاك التأويل المتطرف للإنتخاب الإلهى لتفوق الجنس الأبيض وشعب الله
المختار ولا يفتأ رؤسائها فى الترديد عبر خطاباتهم عبارة التديين
God Bless
الله يبارك أمريكا
ولكن أمريكا التى يطرحونها
هنا هى أمريكا السادة والنخب وهى الدولة الوحيدة التى هناك فصل طقسى فيها ما بين
كنائس البيض وكنائس السود .
لا نتعجب كثيراً
للضجة التى أحدثها فيلم
The Black Panther
منذ عامين فالفيلم
الديستوبى
يصور حضارة خفية فى
افريقيا تعتمد على حجر له طاقة فائقة وصلت حداً بالغاً من التطور والتقدم العلمى
والتسليح يفوق حتى ما بلغته القوى العظمى ، ولكنها ، وبقيمها الانسانية والتراثية
ترفض الإفصاح عن قوتها ، او السيطرة على الآخر ، وتحاول الا تستخدم مكامن قوتها
الا بما يحقق أمنها وحمايتها، جاهدة ان تظل قوتها ، خفية وسرية .
الفيلم اثار وقتها
لغطاً كبيراً فى امريكا، فالممثلون كلهم الا واحداً يمثل الولايات المتحدة سمر
البشرة .
الفيلم ايضاً كان
يبرز القيم الانسانية والحضارية لدى السود ، مما أثار الأجهزة الحاكمة المرسخة
لحكم نخب الثورة فأطلقت أقلام النقاد والذين اعتبروه
Counter discrimination
أو تمييز عنصرى مضاد .
كان هذا هو السبب
المعلن المضفى لقيم التعايش وقبول الآخر ولكن يبقى السبب الحقيقى لهذا الهجوم
والغير معلن ان الفيلم بعنوانه يستدعى الى الذاكرة الحاكمة حركة ال
Black panthers
أو الفهود السوداء
والتى جاءت كحركة تحرر ورفض ضد التمييز العنصرى .
ورغم فشل الحركة فى
صياغة آليات حقيقية للتحرر الا انها نجحت بالفعل فى أبراز التمييز العنصرى وسن
القوانين ضد الممارسات العلنية له لتبقى العنصرية مهما كان تجميل الميديا والأفلام
الهوليوودية تحت جلد كل رجل أبيض .
0 تعليقات