عز الدين البغدادي
ورد في القرآن الكريم ذكر ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، وفيها من الفضل
شيء كثير جاء في الأحاديث الشريفة. وقد ذكر العلماء عدة أسماء لأسباب تسمية ليلة
القدر بهذا الاسم منها: أنها سميت بذلك، لأنّ القدر هو الشرف كما نقول: فلان ذو
قدر عظيم أي: ذو شرف.
وقيل لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك
العام.
وقد روي عن النبي (ص): من يقم ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر لله ما تقدم
من ذنبه.
وكان رسول الله (ص) إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر..
ووقتها هي في العشر الأواخر الشهر الفضيل من الليالي الوتر، وقد ؤروي عن
النبي (ص): تحرّوا ليلة القدر في الوَتْر (أي المفردة) من العشر الأواخر من رمضان..
ومع ذلك فقد ناقش أهل العلم في تحديد وقتها، واختلفوا في ذلك كثيرا، حتى
قيل بأنه ذكر في تحديدها 46 قولا‼ لكن ما عليه العمل عند الجمهور هو ليلة السابع
والعشرين، ولا دليل واضحا عليه.
والأرجح عند الامامية أنها ليلة الثالث والعشرين، وقد روي عن الامام الباقر
(ع) قال: أتى رسول الله (ص) رجلٌ من جهينة فقال :يا رسول الله !.. إن لي إبلاً
وغنماً وغلمة ، واُحبّ أن تأمرني بليلة أدخل فيها من شهر رمضان ، فأشهد الصلاة ،
فدعاه رسول الله (ص) فسارّه في أُذنه ، فكان الجهني إذا كانت ليلة ثلاث وعشرين دخل
بإبله وغنمه وأهله وولده وغلمته ، فبات تلك الليلة بالمدينة ، فإذا أصبح خرج بمن
دخل معه ، فرجع إلى مكانه.
وروي أن الإمام الصادق (ع) كان مريضاً فأمر فاُخرج إلى مسجد رسول الله (ص) ،
فكان فيه حتى أصبح ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان.
إلا أن أجمل وأحسن ما رواه الفريقان عن الإمام الباقر عن جده النبي (ص): من
أتى عليه رمضان صحيحا مسلما صام نهاره و صلى وردا من ليله و غض بصره وحفظ فرجه
ولسانه ويده وحافظ على صلاته في الجماعة وبكر إلى جمعة فقد صام الشهر واستكمل
الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب عز وجل.
وأما سبب تحديد فضلها بأنها خير من ألف شهر، فلم يرد شيء قاطع، فهناك من
روي بأن النبي (ص) رأى في منامه بني أمية كأمثال القردة ينزون على منبره، فساءه
ذلك، فنزلت الآية لأن ملك بني أمية كان ألف شهر، إلا أن حساب ملكهم لا يتم مع هذا
القول… والله أعلم.
وروي أنّ رسول الله (ص) أري أعمال الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه
تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه
الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر.
ويستحب قيام هذه الليلة، ويتحقق قيامها بالصلاة فيها إن كان عدد الركعات
قليلاً أو كثيرًا، وإطالة الصلاة بالقراءة أفضل من تكثير السجود مع تقليل القراءة،
وقد روي عن رسول الله (ص) أنه قال :"إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في
كَبْكَبَة (أي جماعة) من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر
الله فينزلون من لَدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر".
ومن الغريب ما يتمسك به بعض الغلاة المعاصرين وبعض الخطباء من ربط هذه
الليلة بالسيدة فاطمة الزهراء، وذلك اعتمادا على ما رواه فرات الكوفي في تفسيره
بسند غير معتبر قال: إنّ فاطمة هي ليلة القدر، مَن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرک
ليلة القدر، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها، ما تكاملت النبوّة
لنبيّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها، وهي الصدّيقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى.
وهذا كلام لا ربط فيه، وهو ليس غريبا على منهج الغلاة الذي يقوم على أمرين:
طرح أمور غير منطقية من جهة، وزرع مفاهيم خاصة تفرق بين المسلمين فيما بينهم. والعجيب
أن تجد بعض من ينسب نفسه إلى العلم والفضيلة، وهو يفلسف الحديث ويناقشه ويطرح
معاني عجيبة غريبة لا قيمة لها ولا معنى.
0 تعليقات