آخر الأخبار

تأملات قرآنية، (واضربوهن) نموذجا








علي الأصولي


قال تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) من سورة النساء 34 .


فهم المفردة ومعناها لا ينفك عن ملاحظة الوحدة السياقية للجملة، خلافا من يجد لفظ مجمل أو يدعي بوجود إجمال للفظي،


نعم: ربما تجد إجمالا هنا أو هناك لكن ليس كل إجمال واقعا هو إجمال، لربما هو من الإجمال البدوي، ويرتفع بمجرد أن تلحظ وحدة سياق أو تعيين للغوي أو تحديد دلالي حديثي أو فهم عرفي ونحو ذلك،
الآية أعلاه ناظرة إلى قيمومية الرجال كما في الصدر، وهذه القيمومية هي لو جود علة التفضيل،


وقد تكلمت الآية على صنفين من أصناف النساء صنف الصالحات وصنف الناشزات،


وما نحن فيه في الصنف الثاني اعني بهن الناشزات، فقد ذكر المشرع ملحوظة جدا مهمة وهي نقطة ارتكاز في اتخاذ الإجراءات الوقائية، متمثلة باللاتي تخافون نشوزهن،


فهو خوف واقع لا خوف سيقع، وبهذا النقطة التنبيهية حيث جعلت تحرك الرجل على ضوء موضوعة النشوز من قبيل العلة والمعلول، إذ أن عواقب النشوز ونتائجه مؤسفة ويصل إلى مرحلة الفراق بين الزوجين،


وهنا أود بيان ان لفظ النشوز ذات معان منها قولية ومنها عملية سلوكية، وهي تختلف باختلاف العادات والثقافات والتقاليد في المجتمعات، وعلى ضوء هذه الاختلافات بمعنى النشوز إلا أن المشرع وضع ضابط عرفي عام بصرف النظر عن ماهية النشوز وتفسيراته المتعددة والضابط هو - تخافوا - فالخوف علق على النشوز لا على إطلاقه،


وهنا ينبغي أن معرفة النشوز إجمالا،


النشوز عرفه ابن عاشور: هو كراهية الزوج لسوء خلق مثلا أو لوجود رجل آخر بحيث تريد الطلاق من هذا والذهاب لذاك،


وعلى العموم : للغة اي النشوز بمعنى الترفع والنهوض وما يرجع إلى معنى الاضطراب والتباعد، ومنه نشزت الأرض وهو مرتفعها : أنتهى بتصريف،


إذن هذا معنى النشوز وهو كما يكون عند المرأة تجاه الرجل فهو يكون عند الرجل تجاه المرأة لقوله تعالى ( وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو أعراض )


فالنشوز بالمحصلة كراهية وتباعد واضطراب بالعلاقة، ولو فسرنا معنى ( أضربوهن ) بما أرادوا بمعنى التباعد ( فهذا على كولتنا بالجلفي عيد وجابة العباس )


لما ذكر المشرع طرق وقائية لسد باب التباعد إذ غاية التباعد هو هجر المضجع بنفس الفراش وبنفس البيت الذي فيه ياؤي الزوجان، ولذا من ناحية فقهية نجد أن الفقهاء ذكروا أن المطلقة الرجعية تبقى في البيت مدة العدة وتعرض نفسها يوميا للزوج لربما يحصل تفاهم تراجع عن المواقف المتشنج الذي اوصلهم لحالة القطيعة والفراق،


ومن هنا جاء الأمر الطولي من طرق الإجراءات الشرعية العقلائية وعلى حد تعبير المفسر ابن عاشور الترتيب بدلالة - الواو –


وأما إشكالية معنى ومفردة ( الضرب ) فهي لا تحتاج إلى مزيد مؤونة بالإيضاح، ومن حاول تذكيري بمقالات ( نحو فقه آخر ) فلا تضاد ولا تناقض ولا تهافت بين ما أذكره هناك وبين ما اتبناه هنا لان المدار في الكل هو الدليل،


( الضرب ) في المعاجم اللغوية له أصل واحد وهو ما تعارف عليه والعقلاء قديما وحديثا عربا وغير عرب، وما دون المعروف فهو من حصة المجاز، ومن يدعي أن الأصل هو غير ما هو معروف بلغة العرب واستعمالاتهم فهو يحاول الالتفاف على النص مع وضوحه الشديد،


اذهبوا للعرب وقولوا لهم متى تأخذون بالمجاز؟


ستجدون الجواب حاضرا عندهم، وهو قولهم الأخذ بالمجاز مع وجود القرينة،

إذن: دلوني على القرينة الصارفة في الآية حتى ألتزم معكم بمقولة مجازية ( الضرب )

ذكر غير واحد أن القرآن استعمل المعنى الحقيقي في القرآن بمفردة الضرب أربعة عشر مرة ، وما خلاهن فهن من المجازات،

ولا تسقيم عبارة ( أضربوهن ) بمعنى اهجروهن ابتعدوا عنهن، ومن ثم نجد النص وفي نفس السياق يتحدث عن اهجروهن المضاجع، فيكون المعنى هكذا ( اهجروهن في المضاجع ثم اهجروهن ) فلا يتناسب مع عظمة وبلاغة وشأنية مكانة القرآن الكريم وكيف كان: ومع الطاعة فلا سبيل لاتخاذ اي طريق آخر كما نصت الآية،


 والحمد لله الأول والآخر والظاهر والباطن

إرسال تعليق

0 تعليقات