عز الدين البغدادي
من قرأ كتبي أو بعضها
يعرف أني متمرد على القراءات التقليدية، لأني اعتقد أنها استنفذت ووصلت إلى طريق
مغلق... أنا متمرد لكن وفق منهج، فأنا أكره العبثية، وأكره ركوب الموجة الفكرية،
أنا أؤمن بأن أمتنا وناسنا يحتاجون إلينا، وأن المؤسسة الدينية لم يعد لها كثير
مما يمكن أن تقدمه للأسف، وأننا بحاجة الى بناء وطن لكن بهوية، إذ لا وطن دون هوية.
موقفٌ مر بي وظل
عالقا ببالي، يضحكني كلما ذكرته، كان لي صديقان في مرحلة من مراحل الدراسة، الأول
كان يدقق في أي شيء، ويحاول اي يعقلن اي قضية مهما كانت بسيطة فيوقع نفسه في إشكالات.
والثاني يضحك من كل
شيء، يأخذ الأمور ببساطة، لا يتعب نفسه في التفكير بأمر واضح.. حصل بينهما نقاش،
فقال الثاني للأول: عزيزي انت مشكلتك أن تأخذ كل شيء بعقلك، وانك عقلك ليس بوضع
جيد ( عقلك مو هلكد).
فعلا مشكلة عندما
تحاول ان تأخذ دور المثقف وأنت لا تستطيع أنت تفكر بشكل منطقي، عندما تكرر ما يقال
بدون فهم، وعندما تستدل بالدعوى لتثبتها، حيث لا يمكنك أن تميز بين الدعوى
والدليل، وعندما تكرر نفس السؤال الذي سمعت إجابته، وكأنك لم تسمه اجابته.
عندما كتبت كتاب "المتعة
بين النص والشنعة" وقفت عند مناهج الفقهاء لا سيما عندما يكون الحديث عن قضية
تتعلق بالجنس، وحاولت أن أرصد طرق طرحهم وتفكيرهم في مسائل يضعف المنطق فيها جدا. وسأضرب
لك مثلا على ذلك، من يعتقد بأن المتعة منسوخة يحتج بآية ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ
حَافِظُونَ. إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ
فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) بدعوى أن الآية حصرت الوطء المباح بالزواج وملك
اليمين، والمتعة ليست منهما، فتسأله: هل يمكن أن يتقدم الناسخ على المنسوخ؟ يقول: بالتأكيد
لا، ولا يمكن ذلك. فتقول له: حسنا آية المتعة مدنية، وهذه الآية مكية، فكيف ينزل
الناسخ قبل المنسوخ؟ بالتأكيد لا يجوز.
المفروض أن ينتهي
النقاش عند هذا الحد، ولكن بدل أن يقتنع أو يطرح هذا الدليل ليلجأ إلى دليل آخر
تجدهُ بعد ذلك يكرِّر نفس الطرح وأن دليل النسخ هو هذه الآية.. يا اخي لكنها سابقة
لآية المتعة، فكيف تنسخها؟ لن تجد جوابا بل تكرار نفس الحجة رغم ضعفها ولمئات
السنين، ويدرسها ويكتبها في الكتب، ويلقن لطلابه.
فعلا نحن في واقع سيء
كوننا لا نعرف كيف نفكر، الإنسان الجاهل البسيط لا يتعب قدر ما يتعب الإنسان
الجاهل الذي يريد أن يأخذ دور المثقف وهو لا يملك أدنى قابلية للتفكير المنطقي.. أو
الذي ينطلق من منطلقات نفسية، أو نحو ذلك.
كتبت عن موضوع الأشهر
القمرية التي اثارها عدد من المثقفين الهواة في هذا الزمن الذي يمكن فيه ان تصبح
نجما بمجرد التلفظ بامور غير منطقية فيها تشكيك غير منهجي ببعض القضايا الدينية،
ولولا اصرار من أخوة وأصدقاء منذ زمن بعيد لما كتبت فيه، لأني اعتقد أن بعض الجدل
اللاهوتي يمكن أن يضيع جهودا ينبغي أن تستثمر في امور اهم، فهناك امور تقبل
التاجيل نوعا.. عموما الجدل نعمة عظيمة لأنه يساعد على بلورة الأفكار لكن متى نهض
على دعامتين: الاخلاق والمنهج، وبخلاف ذلك سيكون أمرا كارثيا لن ينتج إلا الكراهية
واظهار كم هائل من الأغبياء الحاقدين….
والله المستعان وهو
المعين.
0 تعليقات