نعمه العبادي
رفعت بعثة الاتحاد
الأوربي في العراق، الأحد (17 أيار 2020)،
علم المثليين وبشكل رسمي داخل الأراضي العراقية، وهذه هي المرة الأولى التي يحدث
فيها ذلك.
وقالت البعثة من خلال
حسابها الرسمي على "تويتر": "بالاشتراك مع السفارة الكندية
والسفارة البريطانية في العراق، ننضم اليوم في بغداد مع بعثات الاتحاد الأوروبي
حول العالم في رفع علم قوس قزح للاحتفال باليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية
والتحول الجنسي وتسليط الضوء على حقوق المثليين/ات ومتحولي/ات الجنس ومزدوجي/ات
الجنس".
وقد تباينت ردود
الفعل والتفسيرات حول الحدث، ولأجل ألا يكون الحديث في هذا الموضوع متناسياً مع
قدر خطورته، آثرت تأجيله قليلاً بعد مرحلة ردود الفعل الآنية، لذلك نؤشر بخصوصه
الآتي:
- إن هذا الحديث لم
يأتي منقطعاً ومنفصلاً عن سياق تراكمي من الانزياح القيمي المنظم والمعد له عبر
مؤسسات وكيانات هي الأخطر على العالم، وقد خطه طريقه عبر ما يسمى بمركزية الإنسان
قبال مركزية الله، ثم تحول باتجاه الاكتفاء بمرجعية الإنسان لكل فرد بنفسه، ثم
تعمقت فكرة الحرية المفتوحة غير المقيدة باي قيد أو شرط، وهي التي نقلت العالم الى
صورة مرعبة من هذا الانزياح تدرجت معه الامم لتعلن قبولها لعقد قران المثليين في
الكنائس والمعابد، وجوهر القصة في عملية الإفساد المنظم هذا لا تعود لنفس فكرة
الفساد، بل ان مؤسسات الشيطان التي لها وجودات وتمظهرات مختلفة وأغطية متعددة،
تدرك ان مقاصدها الحقيقية لا يمكن تحقيقها في مجتمع محصن ونظيف ويملك ممانعة لحدود
معينة، بل لا بد من إيصاله لدرجة القبول بكل شيء مهما كان قبيحاً وسيئاً.
- لقد شارك وبشكل
فاعل ومؤثر في إنتاج هذا المسار من انحراف خط فكري وأيدلوجي وثقافي وسياسي
واقتصادي، له رموزه وأسمائه، وقد تم تهيئة البيئة المناسبة لتسيد هذا الفكر ونشره
وتبنيه بمقاربات مختلفة، بحيث شكلاً عقلاً وديناً قائماً بذاته، وفي ذات السياق تم
حجب وشيطنة اي مسار فكري او عملي يتقاطع مع هذا الاتجاه تحت عناوين ولافتات تجريم
مختلفة.
- إن من الشجاعة
والوعي القول وبكل صراحة، أن نحو من الصمت والتغافل او الغفلة وحتى التماهي الذي
لف العالم غير المتفق مع هذا المسار، بحيث كانت مواقفه وردوده فردية وباهتة وخجولة
وخائفة وسطحية في معظم الأحيان، مما أتاح لخط الشيطان ان ينمو بشكل متصاعد دون خوف
ووجل، وقد كان الشعار الأولي انا بخير مازال بلدي آمن، ثم تراجع إلى مازالت مدينتي
آمنة، ثم بيتي ثم نفسي، ثم نسي البعض أنفسهم دون ان يدركوا انهم أصبحوا منخرطين
ضمن اللعبة.
- لقد حذرت بشكل
مكتوب ومصوت وبمرات متعددة من اول ايام التغيير في نيسان 2003 ولعل الكثير مما كان
قريباً مني يتذكر ذلك، وكررت نفس التحذير بخصوص مصير بلدان التحول، وهناك صرخت
باعلى صوتي بخصوص الانزياح القيمي المنظم والمتدرج الذي سيتجه له البلد والمجتمع، وأشرت
الى تراجع خطوط الصد الفردية والجماعية بشكل ناعم دون ان نشعر بها، وأشرت الى ان
المجتمع سيتعايش ويأتلف مع مظاهر هذا الانزياح بشكل طبيعي ومقبول، واليوم يجد من
يشاهد الاب مع زوجته وبناته في محل عام وكل منهن يمسك النرگيلة ويدخن بشراهة
وتلذذ، انه مشهد طبيعي لا مشكلة فيه، وهكذا الأمور الأخرى، وهذا الانزياح اسقط
حصانتنا الذاتية تجاه المخدرات ومفهوم العيب والعار الاجتماعي، وتماهى مع مظاهر
مختلفة ليست المثلية آخرها.
- ليدرك الجميع ان
هذا الانزياح متواصل الانزلاق بسرعة تفوق سرعة الصوت، ومن يريد الاطلاع على مساره،
ليذهب الى مراكز الشرطة ومكاتب مكافحة الجريمة والمحاكم، ويحضر في الكافيهات
والاندية، وليشاهد التصاعد المرعب في هذا الانزياح، ونحن امام صعود جيل جديد سيكون
كل ما تم رصده والتنفر منه في مرحلة السابقة لا قيمة له مقابل الوضع القادم، وأؤكد
اني أتحدث عن معلومات وليس عن تحليل، وان هناك عمل منظم خارجي وداخلي، لن يكتفي
بالانزياحات البسيطة، ولا يريد لمساره ان يكون فردياً وشخصياً، بل هو متجه لتشكيل
جيل متماسك بهوية موحدة، ومنطق محدد، وأهداف تتوجه الى إرجاع كل خطوط الممانعة الى
الخلف، ولاي متدبر بصير ان يشاهد برامج مثل لايكي وتك توك وانستغرام فضلا عن الفيس
بوك والتلغرام وغيرهن، ليعرف بوضوح معالم هذا المسار وتوجهاته.
- ان لطم الخدود
والنواح على ايام الزمن الجميل لم ولن يكفي لإنتاج اي صورة ممانعة حقيقية، لذلك
لابد من عمل مؤسساتي متعدد الوجوه، تنخرط فيه الدولة والمجتمع بكل مؤسساتها
وقدراتها، ويكون للمفكرين والنخبة دور حيوي فيه، ويتضمن رصد وتفكيك مداخل هذا
الانزياح من كل البوابات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والقانونية والسياسية،
ووضع اليد بشكل حاذق على مواطن الداء، كما يتم ترميم مناطق التكسرات في الثقافة
العامة الممانعة، ومدارسة تقديم البدائل الموضوعية التي تحقق حالة توازن تدريجية،
ولنعود بشكل منظم الى الأدوار الحيوية للبيت والمدرسة والمسجد والمكتبة والمركز
الثقافي وحتى الشارع، كما ان إطلاق اليد لردود الفعل المرتجلة وغير المدروسة يجلب
نتائج عكسية، ويزيد من التمسك بخط الانحراف، كذلك لابد من ادارك ان هذا الأمر
مسؤولية جماعية تكافلية تكاملية، لا تخص جهة بعينها، كما ان التنسيق الدولي العابر
للحدود ضروري وفعال.
- ختاماً انبه واحذر ايضاً من
الانجرار والغفلة خلف اتجاهات ماكرة تخلط الأوراق بطريقة ذكية لغرض مرور ما تريد،
فمثلاً يمكن ان تواجهك دعوات تقول: فلتحارب الدولة الفاسدين والسراق ثم تتحدث عن
المثلية، او ان خطر هؤلاء فردي بخلاف الفاسدين، وهو طرح ماكر، والصحيح ان الدولة
لا بد ان تقوم بواجباتها في كل الميادين َتعمل على مواجهة كل الأخطار، وكل من
الفساد والانحراف لابد من مواجهته بما يتناسب معه قانوناً، كما ان من المهم
التنبيه الى ان الفساد المدخل الأعظم لكل الشرور، وهو أسبقية مهمة تتقدم كل
الاسبقيات.
أرجو ان تصل هذه
الكلمات من خلال كل من يؤمن بها الى أوسع دائرة من المتلقين.
0 تعليقات