رياض محمد
في هذا اللقاء الذي أجراه
الدكتور حميد عبد الله مع الدكتور احمد الجلبي يروي الجلبي الكثير من القصص اغلبها
صحيح أو دقيق. لكنه وفي الدقيقة 21 والى الدقيقة 25 من الفيديو المرفق يروي حكاية
مثيرة اشك في صحتها.
يقول الجلبي ان مسؤول
محطة المخابرات المركزية في أوروبا والشرق الأوسط في الستينات جيمس كريتشفيلد
اخبره شخصيا (بعد تقاعده) انه زار القاهرة في عام 1962 واجتمع مع عبد الناصر وطلب
مساعدته للإطاحة بحكم عبد الكريم قاسم.
وهنا استدعى عبد
الناصر صدام حسين الذي كان لاجئا بعثيا في القاهرة وبلغ كريتشفيلد ان صدام هو من
يستطيع ان يساعدهم في ذلك (الإطاحة بعبد الكريم قاسم).
الجلبي كان شخصية إشكالية
في حياته وحتى في مماته. وعند وفاته انقسم العراقيون بين من أحبه وكتبوا عنه ما
لايصدق من مبالغات عن ذكائه وعبقريته وانه الذي قاد الولايات المتحدة لتطيح بصدام...
الخ.
واحدهم كتب ان الجلبي
لم يكذب في حياته أبدا.
أما من كرهه فقد نعته
بشتى الاتهامات وكثير منها لا يستند الى اي دليل أو يبالغ في حجم الرجل.
لا ادعي أنني عرفته
عن قرب لكنني التقيته - كصحفي - عددا من المرات أحداها كانت في ذروة أزمة إعادة عد
الأصوات عام 2010 بعد الانتخابات البرلمانية وعندها أقام الجلبي الدنيا مدعيا ان
الانتخابات كانت مزورة.
في ذلك اللقاء سأله
مدير مكتب النيويورك تايمز في بغداد - off the record
(بمعنى انه تصريح ليس للنشر) - عن حقيقة رأيه في نزاهة أو عدم نزاهة الانتخابات
فقال الجلبي ان الانتخابات كانت نزيهة. وقد أثبتت إعادة عد الأصوات أن الانتخابات
كانت نزيهة.
مغزى هذه القصة ان
الجلبي ليس ملاكا كما يحاول محبيه تصويره وهو بالتأكيد ليس شيطانا كما يراه كارهيه.
والاهم من ذلك ان كلا الطرفين ضخما دوره فمعه او بدونه كان الرئيس بوش سيغزو
العراق عام 2003 وكان دوره في الغزو هامشيا. والاهم من تضخيم دوره هو ان الجلبي
يكذب في بعض الأحيان وقد اعترف بكذبه مرة واحدة على الأقل وأنا شاهد على ذلك.
بالعودة الى القصة
التي سردها الجلبي عن لقاء عبد الناصر وصدام والمخابرات المركزية في القاهرة في
عام 1962. الرجل الذي يقول الجلبي انه اخبره بالقصة هو فعلا كان مسؤولا عن الشرق الأدنى
في وكالة المخابرات المركزية بين عامي 1959 و1969 وقد توفي في عام 2003.
راجعت ما نشر عنه وما
صرح به الرجل علنا وقد ألف كتابا عن ألمانيا. لم أجد أي إشارة الى اللقاء المزعوم
الذي يتحدث عنه الجلبي. كما راجعت ما أفرج عنه من وثائق سرية أمريكية عن تلك
الفترة - وهو كم هائل من الوثائق - فلم أجد أي إشارة لدور أمريكي في التخطيط او
تنفيذ انقلاب 8 شباط. ما تأكد هو ان هناك (مصدر) للمعلومات داخل قيادة حزب البعث
كان يمد الأمريكيين بالمعلومات لكنه لم يكن يخطط معهم لتنفيذ الانقلاب.
ولم يكشف عن هذا
المصدر أو المصادر وان كان هناك شكوك كثيرة حامت حول صالح مهدي عماش أو طالب شبيب أو
غيرهم.
من القصص التي ثبتت
صحتها هي قصة المنديل. وقد أفرج عن بعض وثائق الموضوع بعد التحقيقات التي أجرتها
لجنة تشيرتش في الكونغرس بعد فضيحة ووترغيت. وباختصار فان وكالة المخابرات
المركزية فكرت في تسميم شخصية مهمة برتبة عقيد في نظام عبد الكريم قاسم بإرسال
منديل مسموم. وكان هدف المنديل العقيد فاضل المهداوي رئيس محكمة الشعب. ولا تذكر
الوثائق المفرج عنها ان كان المنديل قد أرسل أم لا.
المهم هو ان رواية
اجتماع عبد الناصر وصدام وكريتشفيلد ليس لها أساس لأسباب كثيرة. منها ان ما بين
عبد الناصر وحزب البعث ما صنع الحداد وانه أمر شبه مستحيل ان يلتقي عبد الناصر
بالمخابرات المركزية الأمريكية بحضور بعثي.
ثانيا : ان عبد الناصر لم يكن يثق بالمخابرات الأمريكية
وكان جزء من عناصر نظامه يلتقي مع ممثليها - كما يلتقي ممثلوا أجهزة المخابرات
المختلفة والمتنافسة للحصول على المعلومات او جس النبض. لكنني استبعد لقاءا للتأمر
على دولة عربية أخرى.
ثالثا ان صدام نفسه لم يكن في عام 1962 شخصية مهمة
في قيادة البعث العراقي لكي يوصي عبد الناصر به للمخابرات الأمريكية.
فالقاهرة كانت تعج
بالكثير من العراقيين الأهم من صدام سواء أكانوا مدنيين أو عسكريين. فلماذا صدام
وهو بلا شهادة وليس ضابط وليس قياديا في حزب البعث ولم يكن عمره يتجاوز 25 سنة؟
النتيجة هي انه إما
ان الجلبي كذب وألف القصة أو أن كريتشفيلد كذب عليه.
0 تعليقات