أحمد مبلغي
نظرية التقديس
الكاذب في الاستنباط (٥)
لم تكن آنذاك فلسفة الفقه:
عندما قدم الشهيد
الصدر تحليله وفكرته حول "تشكيل الإطار الفكري للفقيه بسبب المعلومات التي
يحصل عليها"، وتحدّث عن خطورة ذلك وانعكاساته على مسار الاستنباط، وتأثيره في
نقل حركة الفقه في اتجاهات معينة، لم تظهر آنذاك فلسفة الفقه بعد كعلم، بل لم يكن
هناك حتى اسم فلسفة الفقه على اللسان العلمي، لأن فلسفة الفقه قد تشكلت أخيرا كعلم
في حوزة قم.
طرح فكرة الشهيد
الصدر في إطار أدبيات ولغة فلسفة الفقه:
صحيح أنه لم تكن
آنذاك فلسفة الفقه، لكن أدبيات الشهيد الصدر أدبيات عميقة فلسفية، وفي الوقت نفسه،
إذا أردنا تقديم فكرة الشهيد الصدر عن الإطار الفكري للفقيه في قالب الأدبيات
الجديدة المتبلورة لفلسفة الفقه ونشرحها بلغة هذه الفلسفة، ينبغي القول إن عمليةً
يتحدث عنها الشهيد الصدر تتشكل مما يلي:
١. تشكيل المنهج
الفقهى بشكل غير كامل وبعيدا عن العنصر التاريخى.
٢. حصول الفقيه على
معلومات بناءً على ظروف الوقت الذي يعيش فيه، أو بناءً على وجهة نظر غير مكتملة
لجزء من التاريخ، أو لأي سبب آخر.
٣. صنع الفقيه فكرة
على أساس المعلومات غير الصحيحة أو غير المكتملة التي حصل عليها.
٤. قبول هذه الفكرة،
وتبنيها وتصديقها من قبل هذا الفقيه.
٥. ذهاب هذا الفكر
المقبول والمصنوع نحو الاستقرار، وصيرورته فكرة مفترضة ومسبقة ومتجذرة.
٦. حصول وصفي
الاطارية والمعيارية للفكرة:
عندما لبس الفكر،
لباس الفكرة المسبقة، يحصل له وصفان، وهما: "الاطارية" و"المعيارية".
أما وصف الاطارية فهو
بسبب أن لكل فكرة إطار، فقبول فكرة ما، يعني تبني إطارا فكريا، وأما وصف
المعيارية، فهو لأجل أن أي فكرة اصبحت افتراضية مسبقة، فهي في الواقع أصبحت معيارا
قياسيًا يعطي زاوية للنظر، ونافذة للرؤية، ومنصة للقفز نحو التفسير، ومهما كان
تعبيرنا ( زاوية أو نافذة أو قفزة) فإن الفكرة تصبح معيارا فتلاحظ الأفكار الأخرى
على أساسها، وتأخذ المعلومات الجديدة التي يتم اكتشافها واكتسابها لون هذه الفكرة
المسبقة، وحتى أنه يذهب الأمر إلى حد يتم فهم النص الشرعي بناءً على هذه الأفكار
الافتراضية المسبقة.
بلوَرَ الشهيد أحد
الوصفين:
لذلك الذي قلناه، إن
الإطار الفكري الذي يتحدث عنه الشهيد الصدر هو في الواقع احد وصفي الفكرة التي تم
صنعها (بناءً على سلسلة من المعلومات) أولا، وتم قبولها ثانيا، وتم رسوخها ونفوذها
كنقطة الانطلاق والحركة للفقيه ثالثا، فانه بعد هذه الخطوات، تتبلور الفكرة في
سياق الوجود مع وصفين مهمين، وهما:
أ- الاطارية، أي: إنها
تهيمن على عقلية الفقيه فتعطي إليها إطارا للحركة.
ب- المعيارية: أي
أنها تصبح معيارا لتقييمات الفقيه وتحليلاته وتفسيراته حتى بالنسبة الى النصوص.
0 تعليقات