رياض محمد
عملت في الحكومة العراقية لحوالي 4 سنوات موظفا في وزارة العدل وتنقلت بين
مكتب الوزير وعدد من دوائر الوزارة. كما كنت مرتبطا – فنيا وليس إداريا – بالأمانة
العامة لمجلس الوزراء وكنت احضر هناك بشكل دوري اجتماعات ضمتني وممثلين عن باقي
وزارات الدولة. كما شاركت مع ممثلي الوزارات في دورات متعددة ولفترات غير قصيرة.
كانت النتيجة ان هذه التجربة وفرت لي سبل التعامل الشخصي مع الوزراء الذين
تعاقبوا على الوزارة (وكانوا 3 أصالة و2 وكالة) بالإضافة الى مسؤولي الوزارة الآخرين
مثل الوكلاء والمفتش العام والمدراء العامين والمستشارين. بالإضافة الى ممثلي
الوزارات الأخرى ومسؤولي الدائرة المسؤولة عني فنيا في مجلس الوزراء. ويضاف لذلك
توفرت لي الفرصة في الاطلاع على عدد كبير من مراسلات الحكومة (البريد) وبعضه سري
وخصوصا تلك الصادرة من مجلس الوزراء.
وهنا سأوجز حصيلة ما خرجت به من استنتاجات تجيب عن السؤال المهم: لماذا
تفشل حكوماتنا ووزرائها في إدارة الدولة؟
لن اذكر اسم احد لان المنشور ليس هدفه شخصنة الموضوع بل طرح أفكار.
كان اول وزير عدل بعد سقوط صدام محامي بغدادي من قياديي الحزب الوطني الديمقراطي.
كان من أوائل (انجازاته) اقتراحه لبريمر فصل المحاكم عن وزارة العدل وتشكيل مجلس
القضاء. هنا ولكي لا يسارع البعض في توجيه الاتهامات أود ان أشير الى ان مفهوم
استقلالية القضاء لا يتعلق ب(إداريات) القضاء والمحاكم بل ب(أحكام) هذا القضاء. فمثلا
تتبع غالبية المحاكم في الولايات المتحدة وزارة العدل وينتخب القضاة في اغلب الأحيان
أما قضاة المحكمة العليا فيعينهم الرئيس ويصادق على ذلك الكونغرس.
وعليه ان فصل المحاكم عن وزارة العدل في العراق لم يؤد الى الهدف المرتجى
وهو تحقيق استقلالية القضاء لان القضاء هيمن عليه ولمدة عقد كامل شخص لايمت
للاستقلالية بصلة.
كما خلق هذا القرار تفاوت في الراتب والمخصصات (غير مبرر) بين موظفي
المحاكم وباقي موظفي الحكومة وبين القضاة (الذين أصبحوا أشبه بالإلهة!) في رواتبهم
ومخصصاتهم دون ان يحقق كل هؤلاء اي شيء ملموس للمواطن العراقي سواء في سرعة
الانجاز او في نوعية الخدمات. فلا تزال المحاكم على حالها البائس ولم يتحسن فيها
اي شيء.
وكان قراره الثاني (التاريخي) أن رفع إحدى موظفات مكتبه – وهي موظفة
قانونية بلا أي كفاءة – ليجعلها مديرة مكتبه. ومع ذلك دخلت وزارة العدل رحلة
استمرت لسنوات طويلة تحولت فيها الوزارة الى أشبه بالإقطاعية لهذه الموظفة!
فمن خلال سيطرتها على البريد المقدم للوزير أصبحت وبالتدريج المتحكم الأول
في ترقية مدراء الأقسام الى مدراء عامين لا بل وصل الأمر أنها بدأت اختيار بعض
مستشاري مجلس شورى الدولة بالإضافة الى اختيار المبتعثين في الايفادات الى خارج
البلد.
وفي كل ذلك كان المعيار الوحيد هو ان يكون المعني بالأمر من شلتها أو مزكى
من احد أعضاء هذه الشلة. ومن سخرية القدر انه ولان هذه الموظفة افتقرت لاي كفاءة
فكان اغلب من كانوا في شلتها يماثلونها في انعدام الكفاءة وبالتالي هيمن ذلك على
الوزارة قاطبة!
كانت إحدى أساليبها في خداع الوزير هي الاهتمام المفرط (والكاذب بطبيعة
الحال) بأمن الوزير الشخصي. فروت لي احدى المديرات العامة أنها دخلت على الوزير في
احد الايام وكانت الموظفة اياها هناك وكانت تقول للوزير "لا أستاذ ما أخليك
تروح اليوم أخاف عليك!"
وفي احد الأيام كنت أتحدث مع الوزير الذي تلاه وقاطعته مختلفا معه برأي في
قضية ما وكانت الموظفة تقدم البريد له فنظرت في وجهي غير مصدقة وكأنني قاطعت
الجنرال ديغول أو إيزنهاور أو عبد الناصر!
ولا يأخذكم الظن ان هذه الموظفة تمكنت من ذلك لأنها جميلة أو ساحرة فالحقيقة
انها لاتملك من ذلك أي شيء يذكر أيضا!
استمر الحال على ماهو عليه في عهد الوزير الثاني وكان زعيما لأحد الأحزاب
القومية من الحلة ونقيبا للمحامين ثم انتهت سيطرتها على الوزارة مؤقتا عندما عين
الوزير الثالث وكان قاضي جنايات من الكرادة وعضوا في حزب المؤتمر الوطني العراقي.
خلال سنوات سيطرة تلك الموظفة على مقدرات وزارة العدل أسميت انا وزارة
العدل بوزارة فلانة لأنها فعلا كانت وزارتها هي لا وزارة العدل للعراقيين.
يتبع...
0 تعليقات