آخر الأخبار

تأملات قرآنية: المعرفة والبيان شرط التكليف (2)










علي الأصولي

 


وعليه. أن سبب العصيان وأصله هو الجهل كما ذكرنا سابقا. وهذا الجهل ليس جهلا بسيطا كما في الاصطلاح المنطقي بل هو من الجهل المركب. فإبليس جاهل ولا يدري بأنه جاهل.

 

 

عدم العلم هو من أوصله لهذه النتيجة المؤسفة بعد عبادة طويلة عريضة كما سمعنا من الأخبار.

 

 

وما قوله كما في النص الديني القرآني - خلقتني من نار وخلقته من طين - فهي دعوى إبليس وليس تقرير بياني إلهي- يعني أن هذا التقرير الخلقي ليس من بيانات الله المعرفية بل هو مجرد ادعاء إبليسي ولم يكن النص سوى ناقلا للكلام والحادثة ونحو ذلك - وهذا المعنى الذي نحن بصدده هو انسياقا مع فهم المشهور الذي آمن بعدم رمزية القصة كما هو الفهم الصوفي السني والفهم العرفاني الشيعي والفهم الباطني الاسماعيلي والفهم الغنوصي النصيري –

 

احتج إبليس كونه مخلوقا ناريا جنيا ورفض السجود للمخلوق الطيني الآدمي. ومن المؤسف أن المشهور الديني العام أنساق مع دعوى وادعاء إبليس وكون منشأ خلقه النار.

بينما نجد رواية كما ما عن إسحاق بن جرير قال: قال: أبو عبد الله - ع - أيُّ شيءٍ يقولُ أصحابُك من قول إبليس (خلقتني من نار وخلقته من طين) ؟ قلت:جعلت فداك قد قال ذلك وذكرهُ اللهُ في كتابه ، قال: كذب يا إسحاق ما خلقه اللهُ إلا من طينٍ ثم قال:(الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون) خلقه الله من تلك النار والنار من تلك الشجرةِ والشجرةُ أصلُها من طين).

 

 

إذن: وعلى مفاد هذه الرواية أن إبليس مخلوق من طين أيضا ولذا ردت مقايسته وبطلت لا بلحاظ الفرق الناري والطيني بل فرق الناري الجني الطيني. مع الطيني الآدمي البشري الذي نفخ فيه من روحي،



ومن العجيب أن تقف على حقيقة الجهل الذي تلبس به إبليس وتجد من يبرر له فعله وعدم السجود!

 

 

ولنقف على نص منسوب للحلاج المقتول سنة - 309 - هجرية. أو ما يسمى بشهيد الصوفية أو المتصوفة وما هي تصوراته حول المسألة المبحوثة في هذا المقام. إذ قال في - الطواسين -

وما كَانَ فى أهل السَّماءِ مُوَحِدٌ مثل إبليس ، حَيْثُ إبليس [تَغَيَّرَ] عَلَيْهِ العين ، وهَجَرَ الأَلحاظَ فى السَّيْرِ ، وَعبدَ المعبودَ على التَّجرِيدِ ، ولُعِنَ حَيْنَ وَصَلَ إلى التَّفْرِيدِ ، وطُلِبَ حَيْنَ طَلَبَ بالمزِيد ، فقال له "اُسْجُدْ!"

 

 

 

       قال " لاغير! " قال لَهُ "وإِن عليك لعنتى ؟ " – قال " لا غير!

 

"مالى لى إلى غيرك سبيل ، وإنى مُحِبٌّ ذَليل " قال له "استكْبَرْتَ" قال " لو كان لى مَعْكَ لَحْظَةٌ ، لَكَانَ يليق بِى التَكَّبر والتَّجَبُّر ، وأنا الذَّى عَرَفْتُكَ فى الأَزَلِ " أنا خير مِنْهُ" لأَنَّ لى قدمةً فى الخدمة ، وليس فى الكونيْن أَعْرَفُ مِنْى بك وَلِى فيك إرادةٌ ولك فِى إرادةٌ ، إِرادتُكَ فىَّ سابقة، إِن سجدتُ لغيرِك، فإن لم اسجُد ، فلا بُدَّ لى من الرجوع إلى الأَصْلِ ، لأنَّك خَلَقْتَنِى مِن النار، والنار ترجع إلى النار ، ولَكَ التقدير والاختيار . فما لى بُعدٌ مالى بَعْدك بعْدما تَيَقَّنْتُ أَنَّ القُرْبَ والبعد واحدُ : أنتهى.

 

 

وكما تلاحظ محاولة صوفية لتصوير عرفانية إبليس من جهة وإضفاء صبغة شرعية على العصيان بداع عرفاني التفت إليه إبليس دون باق الملائكة جنسا ورتبة. ولا أعرف من نقل هذه الحوارية العرفانية الصوفية المفترضة بين الحق وإبليس وأوصلها لمسامع الحلاج وألقاها في خاطره!

 

 

وكما ترى. المسألة لا تقتصر على عدم التفات من ذكرناهم بل شملت حتى الحق تعالى وسبحان عما يصفون.

 

 

وهنا ينبغي إلفات النظر للتفريق بين إبليس الذي هو رمز الانحراف والشيطنة وبين الشيطان الذي نسمع عنه وله أكثر من مصداق.

 

فالشيطان بناء على ما أفهم مفهوم ذات مصاديق متكثرة ومتعددة.

 

 وكل ما يكون مصدرا للشر ماديا أو معنويا فهو شيطان. وإبليس أحد تلك المصاديق الشيطانية غاية ما في الأمر هو رمزهم وكبيرهم الذي عرفته البشرية منذ آدم - ع –

 

 

ولذا نجد بعض المرويات ناصة على مفاد - شيطان كل امرئ نفسه - وشياطين الجن والإنس - ونحو ذلك بل حتى ورد النهي عن الشرب من مكان مخصص - مكان الكسر - من الاناء بدعوى أنه مقعد للشيطان - وبناء على كون كل مؤذ فهو شيطان - يمكن تسمية البكتيريا المضرة والفيروسات الفاتكة شياطين. وهذا بلحاظ فهم فلسفي باطني كما هو واضح.

 

 

المهم هناك حصل عداء بين إبليس وآدم مرجع العداء للجهل الابليسي المركب. بعد المغالطة القياسية. وحتى ورد عن الأئمة - ع - النهي عن القياس وكون أول من قاس إبليس. لان القياس مع خفاء العلل والمناطات تؤدي إلى الخروج عن جادة الحق وبالتالي الابتعاد عن الهدف المنشود.

 

 

الذي أود بيانه - ولا بأس بل من الضروري مراجعة ما كتبته سابقا تحت عنوان حقيقة الشيطان - أن إبليس بعد أن أثبتنا طينيته وكونه نارا وجنيا لا يلزم منه انتفاء أصله الطيني كما في - في الشجر الأخضر - الذي يوقد نارا - واصل منبت الشجر الطين كما هو معروف.

 

 

أقول: إن إبليس مع أنه من أصول طينية أصلية ونارية وسطى بالاضاقة إلى كونه جنيا - وللفظ الجن معنى سوف أقف عنده في هذه التأملات - أقول: ان إبليس لا يختلف شكلا عن الصورة الآدمية وأن أختلف ببعض الجوهر - الناري –

 

 

ذهب بعضهم وبفهم فلسفي باطني إلى أن الاختلاف عرقي فقط - أي أن إبليس ناري وآدم طيني - وهذا الفهم مجانب للصواب بعد أن أثبتنا الأصول الأصلية لإبليس وكونه من طين أيضا بفارق عن آدم بالنارية بينما آدم زاد عليه - بالروحية - ونفخت فيه من روحي –

 

 

 

وهذا ما دفع إبليس بعد أن كان يحسب بمصاف الملائكة وتسيده على الأرض بلحاظ كونه من قدماء عبادها وذا معرفة معتدا بها. استكبر على آدم الذي رآه بأنه لا يختلف عنه شكلا.

 

 

مع جهله باختلافه معه مضمونا.

 

 

وبناء على هذا الفهم بعد ما كان إبليس جاهلا بأمر الخلقة النفسية له فحسب أن أصله ناري وهو طيني ناري جهل مضمون خلقه غريمه آدم - ع - الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه ونحو ذلك.

 

 

قد لا تتصور مادية إبليس الطينية ولكن عليك أن تتصور كيفية تمثيل إبليس بصور متعمدة على فترات متعاقبة وظهوره لبعض الأنبياء والمرسلين - ع - والتمثل بالصورة فرع السنخية. ومن هنا نعرف طبيعة الدور الذي يلعبه إبليس في عصر الظهور المهدوي حتى جاء في المرويات أن إبليس سوف يكون الناطق الرسمي لأحدى الجهات العالمية الدينية بل وكبير مخططيهم الاستراتيجيين. وله قدم واضحة في الوسط الإسلامي بصورة عامة والشيعي بصورة خاصة. إذا مشينا قدما نحو مرويات الملاحم والفتن. ومنه تعرف طبيعة ذبح إبليس ألمادية بصرف النظر عن مكانها أفي بيت المقدس على يد النبي - ص - وأن كنا نحتاج إلى فهم طبيعة الرجعة برتبة سابقة - بعد أصل ثبوتها - أو على يد الإمام المهدي - ع – بالكوفة.

 

 

 

المهم أن نعرف أن الصيحة الأولى والنداء باسم جهة الحق والأخرى نداء مضاد مثبط من منطقة غرب الفرات.

 

 

هذا أهم ما ذكره بعض المهتمين في الشأن المهدوي ولا يعنيني في هذا المقام نقاشه دليليا ومضمونيا ومدى حقانية هذه المرويات فقد سيقت على نحو الاستشهاد والاستطراد





وهنا عليك أن تتفهم معنى إبليس كما صورناه بعيدا عن إسقاطات الفهم الظاهري والفلكلوري الشعبوي. وقصص الكتب الدينية التي حاولت أن تستعرض القصة بغية إيصال رسالة للبشرية بصرف النظر عن هذه التفرعات التي نحن بصددها.

 

فلا فرق ظاهر بين آدم وإبليس شكلا. أو قل من الناحية الصورية.

 

 

 وأن كل الصفات التي سمعنا بها وقراءنا عنها فهي صفات ملكوتية على ما يعبرون بلسان العرفاء. وإلا من ناحية ملكية فلا فرق.

 

 

 

ويمكن تمثيل عدم الفرق الظاهري بتقريب : أن ليس هناك اختلاف ظاهري بينك وبين المعصوم نبيا كان أو إماما - وأعني بالظاهري الجسماني والصوري والمادي - بل الاختلاف بلحاظ الصفات والملكات التي تكون موجودة في المعصوم على نحو عدم الانفكاك وبين انفكاكها بل تصور خلافها عندك.

 

 

بتعبير آخر - إنما أنا بشر مثلكم - من الناحية البشرية ليس هناك فرق فالرسول يمشي في الأسواق ويأكل الطعام - وتعرف معنى ما يلزم من أكل الطعام - ويجامع النساء ونحو ذلك. غاية ما في الأمر - يوحى إلي - هذا هو الفارق بين النبي أو الرسول وبين الآخر . تشابه ظاهري واختلاف باطني وأعني بالباطني النفسي والذهني والكمالي وغير ذلك.

 

 

ولذا قلت : لا فرق بين آدم كصورة عن إبليس إلا بلحاظ باطني كما مثلنا أعلاه.

 

 

ربما تقول: أن ما يطرح في هذه التأملات هو خلاف التوجه. توجه قلم الكاتب الذي عرف بالتزامه بالفقه ورسومه والأصول وحدودها. وينبغي على المشتغل بالفقه البقاء على الفهم الظاهري للشريعة بلا تاؤيلات ربما تكون تكلفية زائدة عن المؤونة والمعروف أن البقاء على الفهم والظهور حجة في باب الفقه.

 

 

قلت: ان حجية الظهور العرفي هو في باب المحاورات العقلائية وقد وظفها الفقهاء والأصوليون بفهم الكتاب والسنة. وما نحن فيه فهو مزيج من قصص قرآنية وأن ارتبطت بفهم عقدي فرعي بصورة غير مباشرة والأمر سهل.

 

 

ولو التزمنا بالبقاء على الفهم الظاهري وحجية الظهور العرفي في باب العقديات للزم لوازم لا يلتزم بها أحد في مذهب الإمامية. منها إثبات جسمانية واجب الوجود و هذا خلاف ما ثبت في محله عقلا وكتابا وسنة.

 

 


تأملات قرآنية: المعرفة والبيان شرط التكليف



يتبع

 


إرسال تعليق

0 تعليقات