آخر الأخبار

تأملات قرآنية: المعرفة والبيان شرط التكليف






 

 

 

 

علي الأصولي

 

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

 

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) - آيات من سورة ص .

 

 

على ما يظهر وفقا للنص خاصة في بدايته - إذ قال ربك - أن المعرفة والبيان شرط التكليف. ومع العدم - أي عدم البيان - لا يصح بالحكمة - أي التكليف - وهو قبيح بطبيعة الحال. وبما أن الله عز وجل حكيم وعادل وللطيف لا نتصور يكلف أحد ما إلا بعد البيان وتشخيص موضوعه خارجا.

 

 

ومنه تعرف أن قوله تعالى - إذ قال ربك للملائكة - لا على نحو استشارتهم ولا على نحو طلب أبدا رأيهم. بل غاية ما يقال أن الخطاب بياني تعريفي مقدمي لضرورة تنفيذ التكليف الإلهي.

 

ومنه تعرف أن الخطاب محصور بصنف الملائكة فقط. إذ لا يوجد أي كائن آخر وجه له التكليف سوى الملائكة.

 

 

إن قلت : كيف لا يوجد كائن آخر وفيهم إبليس كما في النص أعلاه ؟

قلنا: أن وجود إبليس مع المخاطبين بالتكليف لا يعني أكثر من كونه بدرجة مصاف الملائكة. ولذا وجه له التكليف معهم بالسجود. ولذا أن إحدى الأطروحات الدينية تفييد بان هناك مخلوقات أقدم من آدم - ع - بصرف النظر عن كونها آدمية أو من أجناس أخرى. ولكن المقطوع به. هو أن التكليف لم يكن شاملا لأي جنس غير جنس الملائكة ومن كان بمستواهم الكمالي. ولذا دخل إبليس آنذاك في هذه المعادلة التكاملية حتى كلف من قبل الله تعالى.



إذن: لم تكن ماهية إبليس ملائكية. غاية ما يمكن أن نفهمه من النصوص - إذ قال ربك للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال. أأسجد لمن خلقته طينا - كما في سورة الإسراء. 16/

 

 

 

يفهم من هذا النص وغيره. أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم . ما يعني أن الأمر لكل مخلوق برتبة الملائكة يجب عليهم السجود. وإبليس ليس من الملائكة واقعا بل برتبة الملائكة وإلا لم يصح له الأمر بحال من الأحوال.

 

 

وإلا كان بمقدور إبليس أن يحتج بأنه ليس من الملائكة. ولكنه سكت لأنه يعرف أن الأمر لوحظ بوجود وحصول الرتبة الملائكية.

 

 

بصرف النظر عن ماهية نفس الملائكة فهذا بحث لا يعنينا وهذه التأملات. فقد آمن أنباع الأديان على أن ماهية الملائكة نورانية ومنهم من تفلسف وقال أنها من جنس مادي أو هيولي. وصلت لمقام أو رتبة ما يسمى بالملائكة.

 

 

إذن إذا ثبت كون الملائكة ذات حقيقة واقعية فليس هناك مانع من الوصول لرتبة الملائكة وأن اختلف الجنس بشريا أو غيره.

 

 

ولذا نحن نجد أن الله عز وجل. يذكر مفاد - ما منعك - إلا تسجد ، لأن نتيجة عدم السجود عصيان للأمر وهو كفر .

 

 

- وكان من الكافرين - ومن المناسب ذكر موضوعة أن مخالفة الأمر الشرعي تارة تكون كفر وتارة تكون فسق بحسب المورد المخالف فيه أو قل بحسب مورد العصيان.

إبليس كفر بالتالي وذكر النص الشرعي بإنه - فسق عن أمر ربه - فكيف نسب إليه الكفر في سورة البقرة /34/ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين –

 

 

قالوا : أن سبب الكفر هو الاستكبار على الأمر الإلهي.

 

 

ولكن: يمكن مناقشة هذا الرأي وهو أن الاستكبار غايته الفسق لا الكفر. إلا اللهم أن يقال أن الكفر هو بسبب الجحود ونكران النعمة ولذا أحد أقسام الكفر هو جحود النعمة. نعمة الخلق والتفضل ونحو ذلك.

 

 

ويمكن أن نتقدم خطوة أخرى لفهم معنى الكفر الذي وصف به إبليس بعد أن نعرف أن الكفر - للغة - الستر - إذ قد اتجه إبليس إلى ستر الحقيقة بالتدليس أمام الأشهاد بعد أن احتج - أنا من نار وهو من طين - فقد غطى حقيقة كونه برتبة الملائكة فحقت عليه كلمة الكفر من هذه الناحية.

 

 

وعدم قوله أنا ليست بملاك لأنه يعرف أن هذا الاحتجاج لا يمكن تمريره على الأشهاد ولا يمكن إقناع نفسه بهذا التبرير. لأنه يكون كاذبا أمام الملائكة وغيرهم. بل ذهب إلى صوب منشأ خلقه والتي فيها نقاش أيضا. لان إبليس احتج بجهل هو غير ملتفت إليه بحال من الأحوال. على ما سوف تعرف في هذه التأملات.

 

 

المهم. أن النص ذكر الجدال الدائري التدليسي بدون تقديم حجج مقنعة سوى كونه من عنصر النار وكونه جنيا.

 

 

وهنا نجد أن إبليس قبل على نفسه التنازل عن رتبته بناء على عصيانه وفسقه وكفره وكل هذه العناوين راجعة بالأصل لجهله بالحقائق. بل وجهله بحقيقة أصله أيضا ولا أعرف من قال أن إبليس أعلم العلماء إذا قورن ببني البشر !

 

 

وما يهمنا في هذا المقام أن هناك قاعدة عامة يمكن أن تنطبق على كل المخلوقات بلا استثناء إذ يمكنهم - أي هذه المخلوقات - الوصول إلى الرتبة الملائكية تبعا لقاعدة أنا اخترعتها وانتزعتها من المفاهيم الشرعية والعقلية وحاصلها - ما صح للفرد يصح للجميع - وكما قيل بالفلسفة خير دليل على الإمكان الوقوع.

 

 

نعم : يبقى الكلام. من جهتين:

 

الجهة الأولى: أن الرتبة الملائكية ليس رتبة إعلائية إلا لمن كان أدنى منها. فهي متسافلة بالنظر إلى الأعلى وعالية بالنسبة للأدنى.

 

 

الجهة الثانية: أن الكمال لا متناه فهل يمكن للفرد أن يصل مرحلة الرياسة بمعزل عن - العالين - أم يبقى دونهم دائما وأبدا ربما يأتي الحديث عن هذه الجهة في هذه الأوراق البحثية.

 




إرسال تعليق

0 تعليقات