محمود جابر
قال العلامة الحجة المتكلم أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن أحمد الدِّجوي
المالكي الأزهري المتوفى سنة 1365هـ :
تفرق قومنا من غير
شىء فحل بقومنا وبنا البلاء
كتبنا فى الموضوع العدد الماضي من مجلة الأزهر، وفى هذا العدد أيضا – انظر مجلة
الأزهر الجزء الخامس، المجلد الرابع ربيع الآخر 1352. يوليو 1933.
ولعلنا نكتب غدا ، وإنما نريد بذلك الدفاع عن سماحة الإسلام، غيرة عليه من
الطائفة التى جعلته حربا لا سلاما، ولو كان كما زعموا لم يكن دين الرحمة والمحبة
والحكمة، بل كان دين الخصام والانقسام والنار والدمار، ولم يصلح إلا لقوم جامدين
وطائفة مخصوصين .
ولسنا نريد بكل ما نكتب فى هذا الموضوع غير إلا يتنازع المسلمون ولا ينقسم
بعضهم على بعض، من أجل أشياء يقع فيها الخلاف ويتباين فيها الرأي .
فيجب على أولئك المكفرين أن يحترموا رأى غيرهم، ولا نريد أن يتبعوا غيرهم،
بل أن يتركوهم أحرار كما أنهم أحرار، وأين يقيموا لاؤلئك العلماء من أئمة الهدى
وزنا، فلهم منطق سليم ونظر مستقيم وسلف صالح .
وينبغي أن يعرفوا أن كل ماهو محل للنظر موضوع للاجتهاد يجب أن لا يتنازع
فيه الناس، فكم اختلف الصحابة والتابعون وتابعوهم مع المحبة بعضهم بعضا، حتى قال الإمام
مالك للإمام الشافعي ما له مرارا، وقد خالفه فى أشياء كثيرة وهو تلميذه، وقال إن
المنكر لا يجب إنكاره إلا إذا كان مجمعا على إنكاره، فكيف بالكفر الذى جاء فى حديث
صحيح أن احدهما يبوء به؟! وكيف بالقتل الذى يستبيحه هؤلاء؟!
وقد أنكر صلى الله عليه وآله وسلم على أسامة حين قتل من قال : لا إله إلا
الله – تقية فى رأى أسامة- ولم يقبل منه عذر، ولا رضي منه تأويل .
وأنى اكرر عجبي منهم كيف يلزمون غيرهم بإتباعهم وهو ينادى بخطئهم ويقيم
البرهان من الكتاب والسنة والعقل والنقل على ذلك؟ وهل هذه إلا رتبة المعصوم الذى
يجب على الناس ان يتبعوه ولا يخالفوه؟ فهل هم معصومون حتى لا يجوز أن نخالفهم بحال
من الأحوال؟!
بل نتنزل قليلا ونقول لهم : أجيبوا علينا التقليد وانتم تحرمون التقليد ،
أم تلزموننا أن نتبعكم ونحن مجتهدون كما أنكم مجتهدون ؟!
وان علامات الراسخين فى العلم أن يحترموا كلام الأئمة، وما درجت عليه الأمة
.
أما إمامهم ابن تيمية فلم يسلم منه أحد حتى أبى بكر وعمر وعلى وفاطمة ولا
يسعنا تفصيل ذلك الآن .
وإنني أعجب لتفريقهم بين توحيد الإلوهية والربوبية، وجعل المشركين موحدين
توحيد الربوبية مع قول الله تعالى ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )
.
وهل المراد من الأرباب فى الآية إلا
المعبودون الى آخر ما ذكرنا فى المقال
السابق من تفنيد تلك البدعة التى جاء بها ابن تيمية وابن عبد الوهاب .
والخلاصة التى نريدها من ذلك كله: أن الذى يجب على كل من يحتاط لدينه ونفسه
هو الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا، فإن استباحة دماء المسلمين المقرين
بالتوحيد خطأ لا يماثله شيء، فإن الخطأ فى ترك ألف كافر فى الحياة أهون من الخطأ
فى سفك دم بريء.
ولا أدرى كيف يكفرون بالاستغاثة ونحوها، فإن المستغيث إن كان طاليا من الله
بكرامة هذا الميت لديه فالأمر واضح، وإن كان طالبا من الولى نفسه فإنما يطلب منه
على اعتقاد أن الله تعالى أعطاه قوة روحانية تشبه قوة الملائكة فهو يفعل بها بإذن
الله تعالى ، فهل فى ذلك تأليه له؟
ولو فرضنا جدلا أننا مخطئون فى ذلك لم يكن فيه شرك ولا كفر ، بل نكون كمن
طلب المعونة معتقدا انه صحيح غير مقعد، مع أن عمل الأرواح ومواهب الأنبياء والأولياء
ثابتة فى الدلائل القطعية، على الرغم من أنوفهم .
وصفوة القول أننا: هؤلاء المستغيثون يعتقدون أن الله تعالى أعطى هؤلاء الأولياء
مواهب لم يعطها لغيرهم، وذلك جائز لا يمكنهم منعه.
هم يقولون : أنهم اعتقدوا فيهم الإلوهية، مع أن ذلك لا يقول به احد، إلا
عند من أساء الظن بالمسلمين ظلما وعنادا، ولو فرضنا أن ذلك مشكوك فيه، فهل يجوز
التكفير والقتل بمجرد الشك ؟
فالاستغاثة مبنية عندنا على أن الأنبياء والأولياء أحياء فى قبورهم
كالشهداء. بل أعلى من الشهداء، ويمكنهم أن يدعو الله تعالى للمستغيث بهم، بل
يمكنهم أن يعاونوه بأنفسهم كما تعاون الملائكة مع بنى آدم، وللأرواح تصرف كبير فى
البرزخ، وعلى ذلك دلائل كثيرة أطنب فيها ابن القيم نفسه، ورد على نفسه وعلى أتباعه
من هؤلاء، واثبت ابن تيمية سماع الأموات وردهم السلام فى فتاويه وغيرها، مستندا
الى الأحاديث الصحيحة فى ذلك .
ولو فرضنا أننا مخطئون فى ذلك، لم يكن هناك وجه للتكفير، وإنما يقال
للمستغيثين، إنكم أخطأتم فى ذلك، فإنهم ليسوا أحياء ولا قادرين على ما سبق لنا .
فإن يكن الخلاف بيننا وبينهم أن الأموات يسمعون ويعقلون ويدعون، أم هم
كالجماد لا يستطيعون شيا من ذلك ؟ فنحن نقول بالأول ، مستندين الى كتاب الله تعالى
والى سنة رسوله .
وهم يقولون بالثاني، أن الأموات قد دخلوا عالم العدم. كما يقول الماديون. وعندما
تحرجهم بالبراهين القاطعة يقولون : إنهم أحياء، ولكنهم مشغولون بالعذاب أو النعيم
!
وهذا كلام خيالى، فإن المتنعم حر مختار، ولا ينافى نعيمه انه يدعو الله لأحد
المسلمين، بل قد يرى من نعيمه ان يساعد ابنه المحب بما يقدر عليه .
وللحديث بقية
2 تعليقات
الحلقة الثانية فى رد الشيخ الدجوى على ابن تيمية
ردحذفالشيخ الدجوى احد اكابر علماء الازهر
ردحذف