عز الدين البغدادي
ينظر كثير منا الى
التاريخ نظرة ساذجة ومحدودة لا تتجاوز أحد موقفين: أما التبجيل والتمجيد المبالغ
فيه أو الذم والانتقاص. وبأي حال فنحن نعيش تاريخنا أكثر من واقعنا، فمثلا لا زلنا
نناقش ما حصل في السقيفة ليس كحدث تاريخي يدرس بموضوعية كما تدرس أي أمة تاريخها،
بل باعتبار هذا الحدث سببا لكل ما حدث ويحدث وسيحدث، حتى أننا نبني مواقفنا
السياسية ورؤيتنا الاجتماعية وفهمنا للواقع انطلاقا من هذا الفهم.
في الصورة جون كيري
وزير الخارجية الأمريكي المعروف والمرشح السابق للرئاسة، سياسي أمريكي يتميز بذكائه
وشخصيته القوية، كاثوليكي متدين، مطلع بشكل جيد على القرآن الكريم، وهو أيضا شخصية
ماسونية معروفة.
يقف كيري في هذه
الصورة أمام المسلة العراقية الآشورية السوداء في القاعة الأثرية بمتحف لندن،
ومديرة المتحف تشير له لمشهد ركوع الملك اليهودي أمام أقدام الملك العراقي شلمنصر
الثالث.. يبدو الرجل مهتما جدا، ومستغربا جدا، ويرجع هذا لرؤيتهم للتاريخ وتأثيره
على الحاضر.
سأنتقل لأمر آخر لكنه
يتعلق بنفس الموضوع: موقف الإيرانيين من الكيان الصهيوني واضح، وبرأيي أن موقفهم
ليس موقفا منافقا أو شكليا، بل هو موقف حقيقي يستند إلى رؤية دينية لأيدلوجية
السلطة هناك، وترجع من جهة أخرى الى النزعة الوطنية الإيرانية التي لا تنسى (وهذا
جزء من نظرتهم للتاريخ) الدور الأمريكي والصهيوني في إيران.
أما اليهود فان هناك
قضيتين تاريخيتين لا يمكن ان ينسوها، الأولى: انهم تعرضوا كثيرا للاهانة من قبل العراقيين
(الأشوريين والبابليين) وانهم هم من اسقطوا دولتهم وان نبوخذنصر العراقي هو من
سباهم مرتين وأخرجهم من فلسطين، والثانية ان ملك الفرس قورش الذي اسقط الدولة
البابلبة هو من ارجع اليهود الى فلسطين مرة أخرى، ويعتبر بعض المؤرخين هذا بأنه
وعد بلفور الأول وهو الأمر الذي استمد منه بلفور وعده لليهود.
هناك شارع في إسرائيل
باسم كورش، وهناك طابع بريدي يحمل صورة لأسطوانة طينية اشتهرت باسم "بيان
قوروش"، وذلك تكريما للملك الذي أعلن في بيانه موقفا ايجابيا من اليهود، كما
انه أرجعهم بعد السبي وأعطاهم الأموال لتجديد بناء الهيكل بعد تخريبه في السبي
البابلي، ورد إليهم نفائس الهيكل المنهوبة المخزونة في خزائن ملوك بابل.
الصهاينة يكرهون
العراق ولا ينسون تلك الاهانة التي وجهت لهم بإسقاط دولتهم وسبيهم، ولا يزالون
يرونه خطرا كبيرا عليهم، بل حتى في زمان المواجهة العربية مع الكيان الصهيوني
كانوا يعتبرون العراق الأكثر خطرا من سوريا ومصر رغم أنه ابعد جغرافيا، ورغم
الموقف الإيراني الحالي من الكيان الصهيوني الا أنهم يحترمون الإيرانيين لأنهم لا
ينسون فضل قورش عليهم. ولأن الإيرانيين كجنس آري أقرب اليهم في تفكيرهم لذا فهم
معجبون بهم، بينما ينظرون الى العرب خصوصا في الخليج تظرة احتقار، وكلما أمعن
هؤلاء في الدعوة الى التطبيع معهم، وكلما زادت المليارات التي يدفعونها لهم زاد
احتقار اليهود لهم. بينما كلما زاد موقف الإيرانيين تعنتا منهم فإنه يحترمونهم
أكثر.
قد تقول بأن اليهود
أمة سامية، فهم أقرب للعرب من الفرس وهم آريون، لكن هذا فهم سطحي للأمور لأن العقل
الصهيوني هو عقل أوربي، ومنظروا وقادة الصهيونية هم أوربيون ثقافة وفهما، لذا فهم
يحترمون العقلية الفارسية بشكل كبير.
0 تعليقات