آخر الأخبار

٣٠ يونيو وطبيعة الثورات الشعبية.. (١ – ٥)










تحت عنوان ثورات المصريين: كشف الغطاء، نقدم رؤية سياسية، اجتماعية، ثقافية، للتعرف على ما كشفت عنه هذه الثورات من حقائق، ومن خبرات ودروس، في هذا المقال، نقدم الحلقة الأولى من هذه الرؤية.



بقلم محمد فرج





مدخل:

 

كشفت ثورات المصريين المعاصرة – خاصة منذ ثورة 25 يناير 2011 وموجتها الثانية في 30 يونيو 2013 – عما في باطن المجتمع المصري من حقائق اجتماعية مذهلة، وصراعات اجتماعية / ثقافية غريبة وعجيبة، كان يظن أغلبنا أنها قد ذهبت مع ذهاب عصرها، أو أن قضاياها وأفكارها ومعضلاتها قد حسمت منذ أكثر من قرن من الزمان، فإذا بها تعود للحياة في صور واضحة وجلية، فينكر البعض وجودها، أو يدعو لتجاهلها، أو يسعى للقفز عليها، متصوراً أن فعلها أو تأثير وجودها أقل من ضرورة الاهتمام بها، لكن خبرة ودروس التاريخ تعلمنا أن تجاهل وجود الحقائق لا يمكن أن يؤدي إلى نفيها، بل قد يؤدي إلى تركها تتفاقم وتنتج آثارها السلبية وربما المدمرة .



هدف واحد وتناقضات عدة :

 

فقد كشفت مسارات الثورة الشعبية المصرية خاصة في موجتها الثانية في 30 يونيو 2013 عن جملة من التناقضات والصراعات والمحاور الإقليمية والدولية الجديدة، وهي صراعات وتناقضات تعكس طبيعة الثورات المصرية كموجات وحركات شعبية، تنتمي لنمط محدد من الهبات والتحركات والانتفاضات والثورات، هي الثورات الشعبية، التي تتسم بالعفوية والتلقائية، وتتسم بغياب التنظيم الثوري القائد والمنظم للثورة، وتتسم بغياب القيادة الثورية المنظمة، وتتسم بمشاركة العديد من الفئات والطبقات والأطياف الاجتماعية والسياسية والثقافية المتنوعة، وخروجها في حشود شعبية صغيرة أو كبيرة أو مليونية، بمشاركة فئات وطبقات وأطياف من منابع فكرية وسياسية متنوعة، تعبر عن مصالح متنوعة وأهداف وطموحات شديدة التنوع.

 

 

 

وقد التقت هذه الفئات والطبقات والأطياف رغم تعدد مصالحها وتنوع مساراتها على هدف واحد وحيد، هو إزاحة الفئة الطبقية الاحتكارية المهيمنة على السلطة، رأسمالية المحاسيب الطفيلية وميولها وخططها في توريث السلطة في موجة 25 يناير 2011، ورأسمالية الأهل والعشيرة التجارية الإخوانية ودائرة مكتب الإرشاد في موجة 30 يونيو 2013، واختلفت هذه الفئات والطبقات والقوى بعد ذلك، في الكثير من الأهداف والطموحات والمسارات، بما يفتح أمام البلاد سيناريوهات عديدة، قد تؤدي إلى استمرار التحركات والانتفاضات والثورات الشعبية، أو تدخل بها في مسارات جديدة، مفتوحة على كل الاحتمالات، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، الأمر الذي تحدده طبيعة الصراعات الدائرة على الأرض، وطبيعة التناقضات الجديدة، وطبيعة التحديات، وعلاقات وأوزان القوى الواقعية وليست المفترضة، وتحدده القوى الفاعلة لا المفعول بها، ولا التي قررت أن تكون متفرجة أو تكتفي بدور التعليق على الأحداث، أو التي تكتفي برفع الشعارات، أو التي تكتفي بالنصح والإرشاد.

 

 

 

30 يونيو ليست موجة خاطفة:

 

 

لكن موجة 30 يونيو 2013 الشعبية لم تكن خاطفة كموجة 25 يناير 2011، فقد آثرت أن تكون ممتدة في الصراع وفي التاريخ وفي الجغرافيا، وكان هذا التمدد نتيجة لطبيعة التحدي الذي نشأ بوصول الإخوان المفاجئ للسلطة، (وكان هذا الوصول مفاجئاً للبعض، ومتوقعاً من البعض، ومحبَّذاً ومرحباً به من البعص، ومرفوضاً من البعض)، ثم محاولة انفراد التنظيم بالسلطة، ومحاولة اختطاف المجتمع والدولة، عبر عمليات التمكين والأخونة، ونتيجة لطبيعة السلطة الإخوانية، كسلطة مرتبطة بتنظيم مسلح، ويديرها مكتب الإرشاد من خارج القصر الرئاسي، ونتيجة للطابع الإرهابي المنظم للجماعة، وحليفاتها من الجماعات والدول الإقليمية وتنظيمها الدولي، وأذرعها السياسية والدينية المسلحة، وعلاقاتها الإقليمية والدولية متشابكة المصالح والأهداف السياسية والإستراتيجية.

 

 

فقد كشفت جماعة الإخوان وحليفاتها، بعد قيام موجة 30 يونيو الشعبية بعزل ممثلها عن الموقع الرئاسي، عن وجهها الحقيقي، غير السياسي وغير الديمقراطي، كمنظمات إرهابية تمارس العنف والإرهاب والقتل والحرق والتمييز الطائفي، وأكدت على ارتباطها بمخطط التحالف الأمريكي الصهيوني الذي يستهدف تفتيت وتفكيك البلاد والأوطان والدول الوطنية، والمنطقة كلها، وإعادة رسم خرائطها من جديد، عبر مشروع إقليمي ودولي معلن هو مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يستهدف جعل الولايات المتحدة سيدة على العالم، ودولة إسرائيل الأقوى في المنطقة، ويستهدف أن تكون مصر بعد إضعافها وتفتيتها وبقية الدول والدويلات العربية مجرد أطراف تابعة اقتصادياً وسياسياً وعسكريا.

 

 

وفرضت هذه الأمور على القوى الوطنية المصرية، السياسية والشعبية وأجهزة الدولة المصرية وجيشها الوطني، ضرورة الاصطفاف الوطني، والوقوف معاً في وجه هذا التحدي السياسي، وفي وجه هذا العنف والإرهاب وجماعاته، وضرورة رفض كل صور التدخل الأجنبي والتدويل، بهدف استعادة المجتمع والدولة، انطلاقاً من أن الصراع مع اليمين المتستر بالدين شديد الارتباط بالنضال من أجل إنجاز المهام الوطنية وبناء قواعد الدولة الوطنية، وقواعد المشاركة الشعبية، وشديد الارتباط بالكفاح من أجل الاستقلال الوطني وتأسيس قواعد الإرادة الوطنية المستقلة.

 

 

..وإلى الحلقة الثانية من ثورات المصريين، لنركز على زاوية أخرى.

 


إرسال تعليق

0 تعليقات