آخر الأخبار

"العقب الحديدية" والتنبؤ بما يحدث في أمريكا

                

 

 

 

 

حسناء علي

 

 

منذ بداية الأحداث في أمريكا بعد وفاة جورج فلويد الأمريكي من أصل إفريقي علي يد أحد رجال الشرطة الأمريكية، تردد في أذني صوت إرنست طاغيا يتردد صداه: "أخفقتم في تدبير أمر المجتمع، وحولتم الحضارة إلى مسلخ وكنتم عميانا وشرهين".

 

 

ارنست ايفرهارد هو بطل رواية " العقب الحديدي" للكاتب الأمريكي جاك لندن 1876- 1916.

 

 

فمنذ عدة سنوات وبناء علي نصيحة أحد الرفاق من اليسار العراقي قمت بقراءة رواية "العقب الحديدية"، الرواية للكاتب جاك لندن والمنشورة عام 1907 والتي تُصنف علي أنها من الخيال العلمي، ولكن كما أفلام الخيال العلمي الهليودية التي نجدها تتحق حولنا ما بين جائحة عالمية إلي تطور تكنولوجي سواء علي الصعيد السلمي أو العسكري. فوجئت في خلال الأسبوعين الماضيين بالكثير من أحداث التي تنبأ بها جاك لندن منذ أكثر من 100 عام .

 

"العقب الحديدية" أو الكعوب الحديدية رواية تصف الصراع الدائر بين النظم الاشتراكية والرأسمالية في أمريكا، وتتنبأ بما سيحدث من فوضي ودمار نتاج للصراع الطبقي بسبب جشع النظام الرأسمالي الذي يصفه بطل الرواية بنظام أخلاقية الجشع الخنزيري، واصفا الكنيسة بالابتعاد عن مبادئ المسيح، لأن الكنيسة تغض الطرف عن الوحشية الرهيبة التي تصطنعها الطبقة الرأسمالية في معاملة الطبقة العاملة، مهملة لوصية المسيح "أطعموا حملاني".

 

 

يدافع إرنست عن العمال ويهاجم وكلاء الشركات الفاسدين الذين يلوون أذرع الحقيقة ويرون أن القانون شيء والحق شيء آخر:"إن حضارتنا التي نفخر بها مبنية على الدم، منقوعة بالدم، وليس في وسع أحد الهروب من اللطخة القرمزية".

 

أفيس بطلة الرواية والتي قامت بكتابة مذكراتها لتحكي كيف تعرفت علي حبيبها وزوجها أرنست الزعيم الاشتراكي، والتي تقوم بدعوة الناس لاكتشافه كما اكتشفته هي، وتسرد زوجته قائلة: «كان الزعيم المعترف له بالسبق في فلسفة الاشتراكية، وكان لا يزال في العاشرة من العمر عندما مضى ليعمل في المصانع، كان ذا ثقافة ذاتية، رزقه هزيلا من طريق ترجمة المؤلفات العلمية والفلسفية، أبهجتني براعته وأفزعتني في وقت واحد معا، طائش حتى لقد وجدت نفسي أعتبره حبيبا وزوجا». فكان إرنست لهذا وذاك يفحم الرجال في النقاش ونبرة الحرب في صوته، واثقا ومقوضا لهم رضاهم عن أنفسهم.

 

أفيس وارنست بطلا الرواية والتي تنشأ بينهما علاقة حب علي الرغم من اختلاف وجهات النظر بينهما حول النظام الاقتصادي، فأفيس كاننغهام ابنة العالم الفيزيائي الشهير والتي تعرفت علي المناضل الاشتراكي ارنست لم تكن علي علم بما يقوم به النظام الرأسمالي من استغلال غير آدمي للعمال، ولكن ارنست دفعها للبحث في أحوال العمال لتجد نفسها أمام مشاهد إنسانية مؤلمة ونماذج لعمال وأسر مدمرة بسبب العمل في ظروف غير إنسانية.

 

تقتنع أفيس كما يقتنع القس مورهاوس برؤية أرنست لتبدأ رحلة كفاح ضد نظام "الأوليغارشية" أو أصحاب العقب الحديدية.

 

وسرعان ما تحولت الأمور إلى معسكري الطبقة العاملة والعدو الرأسمالي، بعد أن تعذرت الأمور لإيجاد قواسم مشتركة بين الفريقين، هاجر فيها مَن هاجر واختبأ فيها مَن اختبأ وتحولت إلى حرب طاحنة بين الجائعين والمتخمين، واشتعلت حرب كثرت فيها المطاردات وسالت فيها الدماء غزيرة في الشوارع، وكان من أبرز ضحاياها إرنست نفسه، وبلغ اشتراكيو سائر العالم أكثر من ثلاثة وعشرين مليوناً يوحد بينهم الجوع وفقدان العدالة وأهمها عدالة الأجور، فكان صوت إرنست طاغيا ويتردد صداه وهو نفسه صوت جاك لندن:"أخفقتم في تدبير أمر المجتمع، وحولتم الحضارة إلى مسلخ وكنتم عمياناً وشرهين."

 

 

إن تصوير جاك لمدن لما يسمي بثورة الرعاع والتي قامت بعد فشل الثورة المنظمة هي وصف صريح لما يحدث في أمريكا اليوم من تدمير للممتلكات العامة والخاصة وعمليات سلب ونهب عشوائية.

 

 

جاك لندن:

وُلد جون غريفيث تشاني المعروف ب جاك لندن عام 1876 في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية لوالديه ويليام تشاني وفلورا ويلمان. والده كان يعمل كصحفي ومدعي عام، كما كان رائدًا في علم الفلك.

لم تكن طفولة جاك سهلة، حيث كان يعمل في صغره بمهنٍ شتى لتأمين حياته مثل مناجم الفحم والسفن، وخلال أوقات فراغه كان يزور المكتبات ويستمتع بقراءة الروايات وكتب الأسفار.

 

في عام 1894 قبض عليه خلال تجواله في منطقة شلالات نياغارا و سجن بتهمة التشرد لمدة ثلاثين يوما دون محاكمة، وقد تعرف في السجن على الطبقات العاملة المسحوقة وما تعاني منه جراء استغلال أرباب العمل لها، فالتحق فور خروجه من السجن بفرع الحزب الاشتراكي في أوكلاند، وانكب على القراءة والكتابة دون كلل، وأخذ طموحه يشتد لتحقيق ما أصبح حلمه في أن يصبح كاتبا كبيرا، وكان يرى أنه كي يحقق هذا الهدف ينبغي أن تكون له فلسفته الواضحة وأفكاره المميزة.

 

 

  بدأ حياته ككاتب من خلال مسابقةٍ قصصيةٍ في إحدى الصحف وحصل على الجائزة الأولى. عانى خلال مراهقته وشبابه من الفقر فلم يكن قادرًا على نشر قصصه لذلك عمل في العديد من الأعمال.

 

توفي جاك لندن عام 1916 عن عمر يناهز 40 عام نتيجة معاناته من مرضٍ في الكُلية.

 

 

 

 


إرسال تعليق

0 تعليقات