عز الدين البغدادي
عند التعامل مع الرؤية التي قدمتها الوهابية في موضوع التوحيد ستجد انه
هناك أسلوبين للتعامل معها: الأول هو الرفض التام لأي شيء موجود في هذه الرؤية وهو
الأسلوب الرائج عند غالبية الشيعة والصوفية، والثاني: هو القبول التام.
إلا أنّ هناك أمرا لم أجد -على ما في بالي- من تنبّه له بشكل واضح، وهو
التفريق بين التوحيد النظري والتوحيد العملي في النظرية الوهابية، والتمييز بينهما.
بل كانت المواقف تتراوح بين رفض تام للكل أو قبول تام دون فرز وتمييز بينهما.
وللتمييز بينهما أقول: التوحيد العملي هو التوحيد السلوكي، أما التوحيد النظري
فهو الفكرة التي نكونها ونؤمن بها عن الله وتصوراتنا عنه.
التوحيد النظري عند المدرسة الوهابية هو اضعف ما فيها، لأن هذه المدرسة
تقدم رؤية غريبة شاذة، من قبيل إن الله له حيّز أي يشغل فراغا وأنه يجلس على
العرش، أن السماء السابعة فوقها بحر فوقه ثم فوقه عدد من الاوعال (الوعل: تيس
الجبل)، وأنه يرى على صورة شاب أمرد، وأن الله له رجل، وأصبع، وعين، ولهوات، وهو
يجيء ويذهب ويهرول ويضحك ويصاب بالملل ويتكلم ويسكت… وغير ذلك من أمور غريبة شاذة
منكرة.
أما التوحيد العملي عندهم، فهو كما قلنا توحيد سلوكي يقول لنا بأنه لا يجوز
أن تدعو غير الله، ولا تطلب الرزق من غيره، وأن لا تقسم بغيره، ولا تذبح لغيره،
وانه هو وحده بيده كل شيء واليه الأمر، وهذا الأمر يتم التأكيد عليه كثيرا في
الطرح الوهابي، وهذا ما يجعل كثيرا منا يرفضه ويراه أمرا غير مقبول، وإذا تحدثت
بشيء من ذلك ستجد انزعاجا من كثير من الناس وسوف تتهم رأسا بأنك وهابي أو متأثر
بالوهابية وتحمل أفكارهم، رغم أن الأحاديث عن أهل البيت في ذلك كثيرة كقول الإمام
الصادق (ع) وقد سئل عن قوله تعالى: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) فقال:
هو الرّجل يقول: لولا فلانٌ لهلكتُ، ولو لا فلانٌ لأصبتُ كذا وكذا، ولو لا فلانٌ
لضاعَ عِيالي، ألا ترى أنّه قد جعل لله شريكاً في مُلكِهِ يرزقُ ويدفع عنه؟! فقيل:
فيقول: لولا أنّ الله منَّ عليّ بفُلانٍ لهلكتُ؟ قال: نعم، لا بأس بهذا.
كما تجد كثيرا من هذا الكلام في الصحيفة السجادية وغيرها من كلام الأئمة (ع)،
وما كتبه الفقهاء في مصنفاتهم.
معظم ما يقولونه في الجانب العملي هو مقبول، وهو رأي أئمتنا وعلمائنا، أما
الجانب النظري فهو رؤية شاذة يتم تمريرها من خلال الجانب العملي ووفق منهج خاص بهم
في التعامل مع النصوص.
قد تستغرب قد تمكنت الوهابية من نشر رؤيتها النظرية عن التوحيد وهي بالصورة
النظرية التي تحدثنا عنها؟ والجواب هو أن الوهابية تمكنوا من نشر رؤيتهم عبر
التأكيد على الجزء العملي، وهو الجزء المقبول نفسيا وعقليا عند معظم الناس لكون
ينسجم مع الفطرة الدينية.
بينما قليل جدا من الناس هم الذين يدركون الجانب النظري، وهو الجانب الغريب
والشاذ في هذه المدرسة.
0 تعليقات