علي أبوالخير
نعم فجأة ودون مقدمات
احتاج العالم وباء كورونا، ولجأت كل الدول للعلماء والأطباء والباحثين من أجل
الوصول إلى علاج ناجع للوباء، وبالموازاة بدأ رجال الدين والعوام اللجوء إلى الله
الرحيم ليكشف البلاء عن العالم، الحاخامات والبابا في الفاتيكان ورجال الدين في
الإسلام، بل ورجال الدين البوذيين ومعهم رجال كونفوشيوس والبراهما، الكل لجأ
لمعبوده ليكشف الغمة، ودعا كثير من رجال السياسة الناس للدعاء من أجل الخلاص من
الوباء، على رأسهم الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، لأن البشر عندما
يجدون كارثة ينتظرون العلماء لاكتشاف الدواء، ولكنهم في المقدمة يلجؤون إلى الله،
وهو شعور فطري موجود في ضمائر البشر، وربما كان ذلك من فوائد الميكروب، أنه وحد
البشر حتى لو بسبب الهلع، وربما أيضا من فوائد الميكروب الضئيل أنه جعل العزلة على
الكثيرين إجبارية، فتعلّم الناس التفكير في أنهم خسروا أبسط الأشياء وهي التواصل
ولقاء من نحب أكثر وأهم من كل كنوز الدنيا، هذا بالإضافة إلى ما قاله الكثيرون من
فوائد علمية ومناخية ليست من اختصاصنا.
ولكن على المستوى
الإسلامي، وهو موضوع مقالنا، يمكن أن نقول مطمئنين إنه يمكن اتخاذ الوباء خطوة
لتجديد الخطاب الديني، واتخاذ مرجعية دينية إسلامية من كل المذاهب لتوحيد الفتوى
وجلب شبه تقريب، فوباء كورونا قرّب كثيرا من رؤية علماء المسلمين بين بعضهم البعض،
دون تواصل مسبوق، ولكنه الخوف على النفس، هو الذي جعلت الرؤية موحدة، نعرف أن أركان
الإسلام خمسة، اتفق المسلمون عليها، الشهادة بلا إله إلا الله ومحمد رسول الله،
خارجة عن نطاق الاجتهاد، تبقى أربعة أركان، حدث فيها اجتهاد، لاحظنا أن الفتاوى
كلها تقريبا واحدة.
الصلاة فى المساجد
:
فالنسبة للصلاة في المساجد، فقد تم غلق كل
المساجد، ولأول مرة تتفق الفتوى عند كل المذاهب الإسلامية، اتفق الأزهر الشريف
الوسطي الأشعري مع السلفية الوهابية الحنبلية المتشددة والصوفية الروحية على
اختلاف طرقها والشيعة على اختلاف فرقهم، اتفقوا جميعا على فتوى غلق المساجد ومنع
الصلاة فيها حتى انكشاف الوباء، واتفقوا لأول مرة على أن درء المفسدة مقدم على جلب
المنفعة، وأن أرواح البشر أكثر أهمية من الصلاة في المساجد، وأن الله جعل حرمة
الدم تفوق حرمة الكعبة ذاتها، وتم منع الصلاة في أقدس بقاع الأرض في البيت الحرام
والمسجد النبوي، والبعض جمع بين صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، دون أن يُنكر
عليهم أحد، وهو أمر محمود رغم أنه جاء عفويا فطريا.
الزكاة :
وبخصوص الزكاة، فقد
أفتى مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علّام، بجواز إعطاء الزكاة لغير المسلم،
وهي فتوى صحيحة، وقد قلنا بها كثيرا، لأن آية المستحقين للزكاة تنص على الأصناف
الثمانية، كما في الآية 60 من سورة التوبة "إنما الصدقات للفقراء والمساكين
والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل
فريضة من الله والله عليم حكيم"، ولم يذكر الله في القرآن الكريم دين هؤلاء
الأصناف، وأن صدقات أو زكاة أهل الحي تؤخذ وتُعطى للفقراء من نفس الحي، بدون النظر
إلى معتقده أو دينه أو عرقه، وهو ما نصّ الله تعالى عليه في سورة النساء|36 (واعبدوا
الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار
ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا
يحب من كان مختالا فخورا)، وفيها لا نجد ذكرا للدين أو المذهب أو العرق، فالفقير
والمسكين من الجيران أولى من البعيدين، وإذا فاضت الأموال تعطى للأقرب فالأبعد،
ومن الدولة الغنية إلى الدول الفقيرة، دون منّ أو أذى ودون معايرة، وجميعها بدون
النظر إلى الدين، فالفقير المسيحي أو اليهودي القريب، الأولى بالزكاة.
التنمر والسخرية:
ولابد أن نستطرد ونذكر قضية التنمر، أو السخرية
التي عاش فيها المسلمون، سخرية من اللون الأسود أو العقيدة أو بسبب الإعاقة
الذهنية والجسدية، وأخيرا التنمر أو السخرية بسبب إصابة البعض بوباء كورونا ثم
السخرية من المصاب، وهذا يحدث، وجاءت الفتاوى تعترض على هذا التنمر البائس، وقد
استندوا واستندنا إلى الآية الكريمة في سورة الحجرات|11 (يا أيها الذين آمنوا لا
يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن
ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب
فأولئك هم الظالمون)، فالله الكريم الحكيم جعل السخرية لأي سبب من الفسوق الذي هو
ضد الإيمان، وطلب التوبة من الساخر والساخرة، ولا يمكن أن يسخر مسلم من غير مسلم
لمجرد أنه شخص مختلف في العقيدة أو اللون أو الإعاقة، ونبينا الكريم محمد عليه
السلام لم يسخر قط من رجل أو امرأة، بل إنه طلب التوبة من بعض زوجاته عندما سخرن
من قصر قامة زوجته اليهودية أم المؤمنين السيدة "صفيّة بنت حيي بن أخطب"،
كما إنه استنكر على بعض الأنصار لأنهم رفضوا تزويج إحدى بناتهم للصحابي الكريم
المظلوم المؤذن بلال بن رباح، بسبب لون بشرته، وقال لهم محتدا عليه السلام :"أين
أنتم من رجل من أهل الجنة" فزوجوه راضين، وعندما فتح مكة المكرمة، لم يسخر من
أهل قريش بسبب شركهم وكفرهم العقائدي ومحاربتهم له طوال ثلاثة وعشرين عاما، وطلب
منهم الانصراف آمنين إلى بيوتهم، فصاروا الطلفاء الأحرار، وغيرها من المواقف
النبوية المشرفة.
الصوم :
وبخصوص الصوم، فلأول
مرة تخرج فتوى تنص على أحقية المسلم الخائف من الوباء، بل مجرد خوف أن يفطر في شهر
رمضان دون حرج، صحيح أن دار الإفتاء أصدرت فتوى تجيز إفطار من يحمل الوباء فقط
وبتوصية طبية، لكن تبقى الفتوى للصالح العام مقدمة على كل شئ، شذّ بعض المسلمين
بفطرتهم الإيمانية غير الواعية وصاموا، ولكن في النهاية تأتي الفتاوى حريصة على
صحة البشر، وهو أمر محمود في كل الأحوال.
الحج:
وعندما نصل إلى الركن
الخامس وهو الحج، نجد أنه تم منع المسلمين من العمرة، ولم يشكو أحد في العالم
الإسلامي، لأن الأمر ليس فيه سياسة سعودية، ولا مذهبية شيعية سنيّة، ولكنه أمر
يتعلق بالصالح الإسلامي والإنساني العام، ومن شبه المؤكد الحج هذا العام، وبدون
أية مشاكل سياسية أو مذهبية أيضا، وذلك يحدث لأول مرة في تاريخ المسلمين، فقد حدثت
أوبئة وحروب منعت حجاج هذا البلد أو ذاك من الحج، لكن لم يحدث أن وباء من الأوبئة
منع العمرة والحج عن كافة المسلمين في الداخل الحجازي أو الخارج الإسلامي، على
النحو الذي حدث ومازال يحدث.
من خلال هذا التصور
الذي حدث، يمكن أن يكون ذلك كله مقدمة للتفكير حول الصالح الإسلامي، بحيث تبتعد
السياسة عن الدين، السياسة بمشاكلها وضيق أفقها وعدم نبل أغراضها، ويبقى الأمل في
جعل الفتاوى الجديدة مقدمة لإصلاح أو توحيد أو تجديد أو تحرير الخطاب الديني ؟!،
ويكون القرآن دليلنا والسيرة النبوية نبراسنا، والهدى البشري دليلنا.
وأخشى ما نخشاه أن
ينصرف الوباء، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه، فلا نتعظ من آيات الله، التي يقدمها
للبشر، فتعود الفرقة، وتعود السياسة لترسخ الاستبداد وتظل تتخذ من الدين دليلا لا
يهديها إلا إلى سوء المنقلب، ندعو الله تعالى أن يستفيد العالم ويستفيد المسلمون
من الداء والوباء، والله هو الرحيم الرؤوف الحكيم وهو الأعلى والأعلم..
0 تعليقات