آخر الأخبار

حب فوق الضغط العالي





 

 

 

نعمه العبادي

 

 

تحف الكثير من الأعمال متاعب ومخاطر، تختلف من عمل لآخر، وقد أضيف الى أجور بعض هذه الأعمال مبالغ خاصة تحت مسمى (الخطورة)، وهي امتياز مادي ومعنوي يحاول مكافأة خطر الظروف التي ترافق بعض الأعمال.

 

 

مهما كانت تصوراتنا عن نوع بعض الأعمال الخطرة، لايمكننا إدراك الصورة الواقعية التي يعيشها المنخرطون في مواقع العمل، فلا يمكن تصور ظروف عمال المناجم أو العاملين في مجال حفر الآبار أو الكهرباء بشكل دقيق، لذلك من المهم ان تكون هناك أعمال فنية وتوثيقية تسلط الضوء على هذه المخاطر وتعرف بها، وتبرز الجهود المضنية التي يبذلها بعض الناس المغيبين عن ساحة الذكر.

 

 

يقدم ( Life on the line)  خليطاً غريباً يمتزج فيه (الخطر والحب والقلق والانتظار والمعاناة والمصادفة والأقدار وأشياء أخرى) ، وهو يعرض لقصة واقعية عن (الكابل) عامل الأسلاك الكهربائية في أمريكا، والظروف المرعبة التي يتعامل معها.

 

 

يبدأ الفلم بعملية استذكار لشخصية محورية في القصة وهو (دنكن)، والذي يقدم سرداً تخيلياً للمجريات، يؤرخها بما قبل العاصفة.

 

 

في ليلة ممطرة، يخرج الأب العامل في الأسلاك بعد ان يطمئن صغيرته التي تخاف من البرق، وينبأها بأنه صوت الله لأهل الأرض وخطابه لهم، ويهديها مصباحاً يدوياً تستعيض به عند انقطاع التيار، وبعدها يغادر تلبية لنداء عاجل اثر حدوث عاصفة أدت إلى تعطيل الكهرباء، حيث يلتحق بمجموعته، وعند صعوده لمعالجة احد الأعطال تصعقه الكهرباء ويخر صريعاً، وفي ذات اللحظة التي ينقل بها الى المستشفى، تلحقه الزوجة مسرعة بسيارتها، وبسبب انشغالها بمنظر الإسعاف القادمة الى المشفى، تصطدم سيارته بأخرى مسرعة، وتموت على اثر الحادث، لتصبح طفلتهما الوحيدة، يتيمة الأبوين في ليلة مشؤومة.

 

العم بو الذي يكرس حياته لتربيتها، والذي يحبها بطريقة مجنونة، وهو رئيس لمجموعة عمال الأسلاك، شخصية قوية ومحبوبة، ثم الحبيب الذي تجعله الأقدار من نصيبها، هو الآخر يتيماً لأب مات في حادثة إصلاح أسلاك، وأم فقدت صوابها لذلك، ومع كل ذلك، ألتحق بالعمل كعامل أسلاك.

 

مشاهد مثقلة بدراما الحب والخطر والخوف، تنتهي في رائعة وفاء استثنائية، تضيف قيمة مميزة لأهمية العمل المتعلق بإصلاح الأسلاك وتحمل الخطر، إذ ينقطع التيار عن كل المدينة بما فيها صالة العمليات التي تولد فيها البنت الحامل من دنكن، والذي صار مقرباً من العم بعد صراع طويل بينهما، وبعد جولة من الخطر المرعب، يحاولان فيها تدارك الأمور، يصعد العم ليتفقد المشكلة، ويجد الخلل الرئيس الذي تسبب في قطع الكهرباء عن المستشفى، وبعد محاولات لإصلاحه بالعصا تفشل كلها، يقدم بطريقة مجنونة للتعبير عن حبه ووفائه لاخيه وابنته، فيلقي بجسده على منطقة التشابك، ويفك القطع، ولكنه في اللحظة التي يعود فيها النور للجميع بما فيها صالة العمليات، تنطفىء معها أنوار حياته، ليخر صريعاً على الأرض في لحظة فداء نبيلة، تشكل بمجموعها معزوفة ملحمية تمثل خلاصة عناء الوجود، واحد اكبر قصص الحب الكبرى.

 

أن تبقى القلوب نابضة وخافقة بالحب الاستثنائي مع التواجد المستمر في أحضان الخطر، هي قصة ملهمة بكل ما تعني الكلمة، فنحن في زمن تمثل الأنانيات والمصالح سمته العامة.

 

في اللحظة التي أعيدت في الكهرباء الى أسلاك المدينة المقطعة، وسطعت أنوارها اللامعة، كنت أشاهد أنفاس وروح العم المضحي تحولت الى تيار حب بطعم مختلف، سرت في الأسلاك وأنارت الظلام بشكل مختلف، حيث أعادت الروح لكل الصدور المختنقة.

 

إننا في هذا العمل نقف على نموذجين من الإلهام، الأول يتمثل في حجم الخطر والمعاناة التي يتعرض لها بعض قطاعات العمل من اجل تقديم خدمة للآخرين، وفي هذه المناسبة نتذكر افواجاً من العاملين في القطاع الطبي وهم يتحملون المخاطر جراء انخراطهم لمواجهة هذا الوباء الخبيث، والثاني يتمثل في صور الحب النقية التي قدمها هذا العمل المميز، وهي صور تحتاجها حياتنا المحملة بقحط الجفاء وأشواك الكراهية.. بصدق انه جرعة حب مميزة..

 

 

 

 

 

 

 

 


إرسال تعليق

0 تعليقات