نعمه العبادي
في أدبيات العلاقات
الدولية، لا يصح أطلاق توصيف (مفاوضات) على حوار بين طرفين حول أي موضوع إلا في
حالة كون كل منهما يستطيع القول (وإلا)، وهذه العبارة، لا يمكن قولها إلا في حالة
وجود أوراق ضغط حقيقية متكافئة أو متقاربة، وأما في الصورة التي يكون فيها التكافؤ
مفقود، فهي أما أملاءات وشروط، أو في أحسن الأحوال تفضل ومنة من الطرف القوي.
انطلاقاً من هذه
القاعدة، فأنه من الصعب جداً تسمية ما يدور مع الأمريكان بالمفاوضات، خصوصاً في
الجزء المهم من الحالة، والمتمثل بالأمن وحرية الحركة العسكرية والأمنية وإدارة
توازنات القوة في المنطقة، وحجوم التواجد العسكري، وما يظهر ويخفى من المعلومات
السرية الضرورية.
اعتقد إننا نحتاج من أي
مفاوضات أو حوارات تحقيق الأمور الأساسية الآتية:
- اعتراف مصادق عليه
من المؤسسة التشريعية الأمريكية (الكونغرس)، يقدم وصفاً واضحاً للمنظور الأمريكي
للدولة العراقية الجديدة بعد ان كان التوصيف المعتمد هو الاحتلال ثم تم تخفيف
اللهجة الى توصيفات اقل حدة، ولكن مؤدى الاحتلال ظل مبثوثاً في التصرفات القانونية
والتعامل العملي.
- التزام أمريكي
مصادق عليه، وملزم لكل الرئاسات مهما كان توجهها، بعدم اتخاذ الأراضي العراقية،
والعراق عموماً، منطلقاً ولا قاعدة لأية صراعات أو مناوشات أو مناورات عدائية تجاه
أي دولة أو كيان محترم، وان تكون كل التصرفات التي تجري في أي مؤسسة أو منشأة أمريكية
على الأراضي العراقية، بشكل شفاف وواضح، وان يكون الاستئذان وطلب حق التصرف سابق
للفعل وليس على نحو الإشعار الشكلي ومتأخر عن الفعل، أو في أوقات لا قيمة عملية له.
- أن يتم حسم كل
الملفات القديمة المتعلقة بموقوفي وسجناء الإرهاب والملفات التي أدارها أو اشرف
عليها الأمريكان، وتسليم كافة التفاصيل والمعلومات الوافية عنها.
- ان تلتزم أمريكا
الدولة بعدم زج العراق أو وضعه ضمن أية ترسيمات أو أحلاف او معادلات لترتيب
مصالحها في المنطقة، وان يكون التعاطي مع العراق كطرف مستقل لا صلة له بالآخرين.
- ان تضع أمريكا صورة
واضحة لموقفها من العلاقة مع إيران، خصوصاً في الأوضاع التي يدخل العراق ضمن بعض
ترتيباتها، وان تفرق عملياً بين إيران وبين التكوينات العراقية، وتبتعد عن لغة
التعميم والخلط.
- ينبغي إعادة النظر
في حجم التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وخصوصا السفارة الأمريكية، وعدد العاملين
فيها، وطبيعة الملفات التي تتدخل فيها، وان تكون العلاقة محكومة بالشروط والضوابط
الدبلوماسية الحقيقية المعروفة بين الدول.
- ان تلتزم أمريكا
الدولة بان العراق في ملف العلاقات الخارجية كياناً واحداً، ولا يجوز ان تقيم
علاقات مستقلة مع الإقليم أو أية محافظة أو مكون أو طرف بشكل مستقل، وان يقتصر
التمثيل على التسميات المعهودة والمعروفة في العرف الدبلوماسي لا غير.
- ان تحترم أمريكا
الدولة الخصوصية الثقافية والاجتماعية للعراق، وتتفهم مواقفه التي تنبع من مصالحه
ورؤيته، وتفرق بين خصوصية الموقف وعدائية التوجهات، وتدرك بان للعراق والعراقيين
توجهات مبدئية وأخلاقية قد لا تتطابق مع التوجه الأمريكي، بل ربما تخالف كل العالم.
- لا بد من إيجاد صيغة جديدة
واضحة وشفافة تكرس السيادة العراقية المطلقة على الأموال العراقية من الواردات
النفطية وغيرها، وان التحجج بان التصرف الأمريكي نحو من الحماية والحصانة للمال
العراقي لا حقيقة له.
ان هذه المعطيات لا
يمكن تحقيقها بدون تماسك داخلي حقيقي، ومواقف سياسية متكاملة، وإخلاص وشفافية من الأطراف
التي تدير الحوارات مع الأمريكان، كما ان الموضوعية والعقلانية والتفكير الصادق
بالمصالح العراقية، امر ضروري لا مناص من استحضاره وتقديمه على كل المصالح مهما
كانت مسمياتها.
0 تعليقات