آخر الأخبار

قاعدة الرشد في خلافهم (الحلقة الأولى)

 






 

قاعدة الرشد في خلافهم

نظرة في المساحة ودائرة الاحتجاج

دراسة نقدية

(الحلقة الأولى)

 

 

 

بقلم/ علي جميل الموزاني

 

 

 

التساهل في تطبيق هذه القاعدة:

 

يحاول البعض التمسك بجزئيات مُعينة فيؤسس على ضوئها منهجاً معرفيّاً في مسيرته العلمية من دون مراجعة وتدّقيق في النصوص الواردة في هذا الشأن, وقراءتها بتدبر وتفحص تام لكي ينظر مدى سعتها وشموليتها وموارد تطبيقها.

 

وما نلاحظه لدى البعض من التمسك بمقولة الرشد في خلافهم او اللجوء الى تفسير النص بأنه ورد في موارد التقية في حالة التعارض أو التضاد حتى (أنّ بعضهم حمل بعض الروايات على التقية مع أنّ فيها حكماً مرفقاً باستدلال الإمام لهذا الحكم من القرآن الكريم)(1), مما لا يجعل لنا منهجاً واضحاً للوقوف على أساس تلك الأحكام ومعرفة نُكاتها الشرعيّة ودراستها دراسة منهجية من زاوية أُخرى, خصوصاً وان حالة التعارض والاختلاف الفقهي تعم سائر أبواب الفقه حتى أن باباً منه لا يسلم الا وقد وجدت العلماء من الطائفة مختلفة في مسائل منه أو مسألة متفاوتة الفتاوى, وذلك ناجم من اختلاف الأحاديث المعتمدة لدى الفقهاء والتي أوصلها الشيخ الطوسي الى خمسة آلاف حديث قائلاً (وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها وذلك أشهر من أن يخفى حتى انك لو تأملت اختلافهم في هذه الأحكام وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة، والشافعي، ومالك)(2), فلا يمكن جعل موارد الاختلاف هذه دائرة تحت مسمى التقية او العمل بمقولة الرشد في خلافهم كما هو الحال لدى المدرسة الإخبارية في تعاملهم مع هذه النصوص.

 

 

 

فربما تكون هذه الأحكام واردة للرخصة او جُعلت للتخيير والتسهيل على المكلف أو أنها أحكام ولائية يصدرها الشارع لزمن او ظرف معين مما يفتح لنا مجالاً وأفقاً واسعاً في إعادة ترتيب وقراءة الكثير من النصوص الدينية التي تشتمل على هذا النوع من الأحكام, (حتى أنّ بعض الروايات المتعارضة التي حُمل بعضها على التقيّة يمكن أن يكون راويها شخصاً واحداً كمحمّد بن مسلم، وهذا مثال واقعي، فكيف اتّقى منه الإمام في مكان دون مكان؟ هذا يحتاج لتفسير تاريخي)(3).

 

 

 

 

وما نُريد ان نقف عليه هنا ونتحدث عنه ونثير بعض الاستفهامات والتساؤلات المشروعة اتجاهه هو مسلك الاعتماد على مقولة الرشد في خلافهم والنظر الى سعتها وأماكن تطبيقها وما يمكن ان يُحتج بها على الآخرين ووفق أي مذهب يمكن ان تطبق هذه القاعدة اذا كانت مذاهب المسلمين مختلفة في الفتاوى والأحكام بل وحتى فروع العقيدة أيضاً.

 

 

 

مشروعية التقية لا دخل لها بهذه القاعدة:

 

 

وبالطبع فإننا لا نُريد الحديث عن مشروعية العمل بالتقية فإنها ثابتة بالنصوص الصحيحة ومواردها هي حالة الضرر كما عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (التقية في كل ضرورة، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به)(4), وقد عُرفت التقية بأنها (كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا)(5), او انها (الإظهار باللسان خلاف ما ينطوي عليه القلب للخوف على النفس)(6), مع ملاحظة ان لا يؤدي العمل بها الى تضييع الدين او هدم عقائد الناس او ارتكاب المحرمات المنهي عنها في الشرعية كشرب الخمر والزنا تحت عنوان التقية, فإذا وصل الأمر الى القتل مثلاً فلا تقية حينئذٍ لورود النهي عن ذلك كما عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية)(7).

 

 

بل لابد من مراعات ظرف حال التقية حال تطبيقها كما ورد ذلك في النصوص التي أشارت الى عدم مواجهة الحكام او السلطات او المذاهب المتنفذة آنذاك ولابد من أن (تُثبت بالدليل ولو الراجح أنّ الأمور صدرت لظرف تقيّة، مثل أن تكون القضيّة مما يمسّ السلطان مسّاً شديداً في ظرفٍ حسّاس، بحيث يُخشى فعلاً على الناس منه)(8), ولا يُجعل من التقية عنوان سيّال ويطبق على كل الأزمنة, وفي جميع الحالات.

 

 

 

وقد انتقد بعض المحققين التعاطي المفرط من قبل بعض المدارس الإخبارية وغيرها لمنهج التقية قائلاً: (بعضنا اليوم صوّر لنا الأئمة بأنّ آلافاً من رواياتهم صدرت تقيّةً حتى في التفاصيل الجزئيّة البسيطة في الفقه والآداب والأخلاق، والتي غالبها مما اختلف فيه سائر علماء المسلمين أشدّ الاختلاف، بحيث قدّمنا تجربتهم (عليهم السلام) لبيان الدين على أنها أسلوبٌ مبهم مراوغ مشوّش لأذهان العلماء والرواة والفقهاء بعدهم,... وكلّما وصلنا إلى نقطة محرجة لقناعاتنا الشخصية قلنا بأنّ الإمام قال هذا تقيّةً، حتى نفرّ من حديثٍ صحيحِ السند هنا أو روايةٍ معتبرة هناك، دون أن نقدّم أيّ دليل على ذلك)(9).

 

 

هوامش: _____

 

 

(1) إضاءات في الفكر والدين والاجتماع, حيدر حب الله, ج4, ص76.

(2) عدة الأصول, الشيخ الطوسي, ج1, ص١٣٨.

(3) إضاءات في الفكر والدين والاجتماع, حيدر حب الله, ج4, ص75.

(4) وسائل الشيعة, الحر العاملي, ج١٦, ص٢١٤, حديث1.

(5) تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد, ص137.

(6) مجمع البيان، الشيخ الطبرسي, ج2، ص729.

(7) وسائل الشيعة, الحر العاملي, ج١٦, ص٢3٤, حديث1.

(8) إضاءات في الفكر والدين والاجتماع, حيدر حب الله, ج4, ص76.

(9) إضاءات في الفكر والدين والاجتماع, حيدر حب الله, ج4, ص74-75.


إرسال تعليق

0 تعليقات