علي الأصولي
قال تعالى ( الم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه. أن أتاه الله الملك ) البقرة
٢٥٨
في هذه الآية أخبار عن قصة المحاججة النمرودية الإبراهيمية ومفادها كما ذهب
المشهور أن نمرود الملك قد ناظر وحاجج نبي الله إبراهيم - ع - إذ دائرة الحوار حول
القدرة الإلهية وإمكانات اله إبراهيم - ع –
وفي قراءة أخرى أن إبراهيم - ع - هو الذي آتاه الله الملك وإرجاع الضمير في
الآية ( أتاه الله الملك ) لنمرود مجانبة للصواب ولعل مستند هذه القراءة هو قوله
تعالى ( أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله. فقد أتينا آل إبراهيم الكتاب
والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) النساء ٤٥
وكيف كان: يبدو بأن الملك لنمرود فهو الحاكم السياسي لتلك الفترة وما كان
لإبراهيم الملك لوضوح الشواهد القرآنية حسب وقصة قذفه بالنار ونحو ذلك.
والآية من سورة النساء فهي تتحدث
عن ملك آل إبراهيم - ع - لا ملك نفس إبراهيم - ع - وعلى أي حال. هناك محاججة بين
طرفين أحدهما نبي والآخر ملك.
ومعلوم أن سلطة النبي الدنيوية
منعدمة عند أغلبية الأنبياء إلا إذا استثنينا بعضهم - ع - بينما سلطة الآخرين فهي
سياسية بغطاء كهنوتي مشرعن للأفعال والأقوال.
( إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيى ويميت )
فكانت الإجابة النمرودية ( وأنا أحي وأميت ) وقد اعتمد نمرود على مغالطة
بجلب رجلين عفى عن أحدهما وقتل الآخر أو هدد واظهر بأنه قادر على قتل الآخر.
وعلى ما يبدو لي بأن المجتمع لا
يملك الوعي الكافي لاكتشاف المغالطة كما الحيل المنتشرة في هذه الأزمان وعني بها
الحيل السياسية. التي تمرر الآلاف المرات على المجتمعات ذات الوعي المنعدم أو
المنخفض.
إبراهيم - ع - لم يصبر على كشف الخديعة والمغالطة لأنها تحتاج إلى مقدمات
توعوية وليس بوسعه بيانها في أثناء المحاججة لذا نجده - ع - التجأ إلى طريق آخر لإفحام
الخصم وإظهار عجزه مع ما ادعاه بأنه ملكه قائم على القدرة والإمكانات التي لا
تتوفر بحسب زعم نمرود لأحد غيره.
قال إبراهيم - ع - ( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. فبهت
الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ) والبهت هو لعظم الطلب المناسب للادعاء
الملكي.
فكانت الدعوة بقدرها إما إحياء الميت أو الإتيان بالشمس من مغربها..وعلى
ضوء هذين الطلبين ( الإحياء أو الإتيان بالشمس من المغرب ) يمكن استكشاف أن دعوة
نمرود لم تكن دعوة كونه ملك قادر فهو يعلم علم اليقين بأن هذه الطلبات خارج نطاق
قدرة ملوك الأرض. وإبراهيم - ع - يعلم جيدا بأن هذه الطلبات ليس من المناسب أن
يطلبها من رؤساء دول فهي أوسع من المدعى.
بعبارة أخرى: أن المجاججة ليست في بيان قدرة الله إذ لا نزاع بينهم حول أصل
القدرة الإلهية التي يرضخ لها كل من في الأرض. بل أصل النزاع على ما يبدو لي
بالتمثيل الإلهي في الأرض. ولو تلاحظ ان إبراهيم - ع - على طول خط المحاججة لم
يقدم على تقديم نفسه كونه هو الممثل الإلهي بقدر ما كانت مهمتة كشف زيف دعوة الاتصال
بين نمرود والسماء.
ولربما كشف إبراهيم - ع - عن إمكانياته وارتباطاته بالسماء عن طريق تنفيذ
ما عجز عنه نمرود بإحياء الميت وإتيان الشمس من المغرب في آن ما.
ولكن القرآن لم يصرح بذلك للأسف المهم أن إثبات دعوة الملك بالمعنى الذي
ذكرناه - لا الملك السياسي - انتفى بوجود العجز عن المجاراة وهذه كانت غاية رئيسية
في المحاججة بالنسبة لإبراهيم - ع –
وكيف كان: أن كشف دعوات الضالين المضلين وزورهم وكذبهم وخداعهم للناس هو
سلوك الطريق الإبراهيمي التعجيزي لإظهار ضحالة الدعوات ومعرفة صدقها من كذبها لا
ان تعتمد مثل هذه الدعوات والانتماء لها عن طريق منام هنا واستشعار هناك وفهم
خاطىء لنص أو وهم نفسي متجذر ...
والحمد لله رب
العالمين.
0 تعليقات