عمر حلمي الغول
في كل الحروب
والصراعات بين الأعداء تفرض التطورات الميدانية، والتدخلات الإقليمية والدولية
والمناسبات الاجتماعية والدينية وقفا مؤقتا لها، أو الاتفاق على هدنات بينها. بيد أنها
لا تنتهي إلآ بهزيمة أحد طرفي المعادلة، أو انتفاء الحاجة لمواصلة الحرب، أو الوصول
لبناء ركائز سلام مقبول بين الطرفين، أو لتدخل دولي حاسم، وحتى في الحروب الأهلية
يحدث غالبا ذلك، والتي تعتمد نفس القواعد.
لكن معادلة الصراع
الفلسطيني الفلسطيني، التي يمثلها أتباع الوطنية من جهة، وإتباع الإخوان المسلمين
حاملوا رايات هدمها ونفيها، وتمزيق وحدة الأرض والشعب والقضية والأهداف الوطنية
خدمة لإغراض وغايات الأعداء من جهة أخرى تختلف نسبيا مركباتها، حتى لو شهدت لحين الاتفاق
على هدنات اضطرارية ولاعتبارات وخلفيات وأهداف وطنية، جلها يصب في حماية نزيف الدم
الفلسطيني، وفتح الباب أمام مراجعة قوى الردة والتآمر على مصالح الشعب العليا،
ولإقناع المضللين من الشعب بأن قوى الظلام كاذبة، وتخدعهم بشعاراتها الوهمية
والغوغائية، وللتأكيد لهم بأنها ليست معنية بالمشروع الوطني لا من قريب أو بعيد،
وكل ما يهمها وتعمل من اجله تنفيذ أجندة المخطط التآمري الصهيو أميركي الإخواني. وبالتالي
الحديث عن مهادنة الانقلابيين، أو الافتراض للحظة بإمكانية استعدادهم للعمل سويا
في لحظات تصاعد الهجمة المعادية على المشروع الوطني، والرهان على إمكانية قيام
شراكة ميدانية ضد العدو الإسرائيلي بعيدا عن تصفية الانقلاب، وجسر الهوة بين الكل
الوطني يكون للأسف رهانا خاسرا وخاطئا. ويعكس قراءة مبتسرة وناقصة للانقلاب
وخلفياته الوظيفية والعقائدية التخريبية، ولأن هكذا رؤية تتناقض جذريا مع وظيفة الانقلاب
وجماعة الإخوان المسلمين.
ومن يفترض أن
المواجهة الأساسية يتوجب ان تكون مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، فهو مصيب ومخطىء
في آن. لإن الصراع بالضرورة يجب ان لا يتوقف ضد العدو الصهيو الأفنجليكاني. بيد ان
القراءة العلمية والمسؤولة تحتم إزالة الورم من داخل الجسد الفلسطيني، ومعالجة
الخاصرة الرخوة، وشد عضلاتها. ودون تصفية الانقلاب ستبقى المواجهة مع المشروع
المعادي تعاني من خلل فاضح. لإن بقائه في مطلق الأحوال يصب في مصلحة المشروع
الصهيو أميركي. وعودوا لتصريحات نتنياهو وغيره من قادة إسرائيل، وأقرأوها جيدا،
وعودوا لقراءة تاريخ جماعة الإخوان المسلمين الدولية، وكل فرع من فروعها، ولا
تنصتوا لشعاراتها الكاذبة والديماغوجية. عودوا لحسن البنا، ولسيد قطب والهضيبي
وعاكف واحمد ياسين وهنية والزهار والحية والسنوار وابو مرزوق وزيدان وقبها وغيرهم،
وعودوا لوثائقهم، وتعاميمهم الداخلية، واسألوا أنفسكم قبل كل شيء، هل التنظيم
الدولي للجماعة يؤمن بالوطنية والقومية والدولة من حيث المبدأ؟ هل يؤمن بنظرية
التحرر الوطني؟ هل يؤمن بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والتنظيم والتظاهر والانتخابات؟
والآ تقوم سياساتهم
وعلاقاتهم مع كل الأنظمة، حتى التي تعاونت معهم، وحملتهم، وآوتهم في ديارها، على
الخديعة والنفاق والتواطؤ عليها وضدها، كما حصل مع العربية السعودية ودول الخليج
والمغرب العربي عموما والسودان ومصر وطبعا فلسطين اولا؟ وهل فرع جماعة الإخوان في
فلسطين يؤمن بالمقاومة ضد إسرائيل فعلا؟ وإذا كان يؤمن لماذا تأخر عشرين عاما عن
اللحاق بالثورة؟ وماذا كان يصف شهداء الثورة الفلسطينية؟ وهل تأسيسه ووجوده عشية
الإنتفاضة الكبرى 1987/ 1993 كان بالصدفة المحضة؟ وإذا إفترضنا ذلك صحيحا، لماذا
رفضت حركة حماس الشراكة الوطنية، وأبت إلآ ان تصدر نداءاتها الخاصة، ورفضت
الإنضواء تحت لواء القيادة الوطنية الموحدة؟ ولماذا رفضت الإلتزام بفعاليات
ونشاطات القيادة الوطنية الموحدة على مدار الأعوام الستة؟ ولماذا بعد قيام السلطة
الوطنية عانم 1994 قامت بسلسلة من العمليات التفجيرية كلما حان موعد إعادة انتشار
الجيش الإسرائيلي من المدن والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967؟ والأهم من ذلك،
لماذا قامت بالانقلاب من أساسه عام 2007؟ وهل يستقيم منطق الانقلاب مع الكفاح
التحرري الوطني؟ ومن قال ان الانقلاب على الشرعية يخدم الأهداف الوطنية؟ ولماذا لم
تنفذ الإتفاقات المبرمة منذ عام 2009، أو 2011 عندما وقعت في القاهرة ممثلة بشخص
خالد مشعل، رئيسها آنذاك؟ ولماذا رفضت بناء صرح الوحدة بعد إعلاني الدوحة والشاطىء
وبعد إتفاق إكتوبر 2017؟ وما هي الحكمة السياسية أو حتى النفعية الفئوية لحركة
حماس من مواصلة الإنقلاب على مدار الثلاثة عشر عاما الماضية، إلآ انها رهينة
الأجندة الصهيو أميركية؟ هل هناك تفسير آخر؟ هل هناك قراءة موضوعية وواقعية غير ما
تقدم؟
في الذكرى ال13 للانقلاب
الحمساوي على الشرعية الوطنية، وفي ظل احتدام الصراع مع العدو الصهيو أميركي تحتم
الضرورة مكاشفة الذات الوطنية والشعب، بأن المهادنة مع الانقلابيين لا تخدم
المشروع الوطني، ولا تصب في تحقيق المصالح العليا للشعب، ولا تخدم المصالح القومية
العربية، ولا الأنظمة العربية الرسمية. وعليه لا يجوز ترك الحبل على الغارب للانقلابيين
الإخوان المسلمين في فلسطين، ويفترض اخذ قرار إستراتيجي حاسم بتصفية الانقلاب
وآثاره كليا، لإنه ترك آثارا كارثية على النضال الوطني برمته، وعلى القضية
ومستقبلها، وعلى الشعب ومصيره، وعلى آفاق الصراع مع العدو الصهيو أميركي. وأؤكد
مجددا لا يمكن الانتصار على المشروع المعادي إلآ بتصفية عنوانه الأول في الجسد
الفلسطيني، لإنه يمثل حصان طروادة القابع
في نسيج الشعب الاجتماعي والسياسي والثقافي، ويهدد التاريخ المجيد للثورة والشعب والقضية
والنظام السياسي الفلسطيني. وبالمحصلة كل من يعتقد ذلك، وهذا حقه، لكنه شاء أم ابى
سيكون جزءا من تعميم الوعي المشوه، وفاقدا للأهلية السياسية في قراءة الإخوان
المسلمين وفرعهم في فلسطين، وشريكا في الإساءة للقضية والأهداف الوطنية.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com
0 تعليقات