آخر الأخبار

الثورة الكبرى.. وقراءات الهزيمة




 

عز الدين البغدادي

 

يصادف اليوم مرور مائة سنة على الثورة العراقية الكبرى التي عرفت باسم "ثورة العشرين" تلك الثورة التي انطلقت من الرميثة في السماوة بعد أن اعتقلت قوات الاحتلال الشيخ شعلان أبو الجون شيخ عشيرة الظوالم ثم شملت كل الفرات الأوسط بعشائره الكريمة ومناطق مختلفة في العراق.

 

 

وقتها أفتى آية الله “محمد تقي الشيرازي” بحرمة التعامل مع الانجليز ، كما إن آية الله الشيخ “مهدي الخالصي” بما يملك من تأثيره الواسع حرض الجماهير على الثورة من خلال خطبه الحماسية، وكان هذا الرجل المتنور والوطني بلا شك من أهم القادة الفعليين للثورة والمحركين لها .

 

 

 

وفي الشمال حدث تحرك هام ضد الانجليز ، كما انتقلت الثورة الى مناطق مختلفة مثل قلعة سكر وشهربان وخانقين وكفري وفي أبو غريب والفلوجة بقيادة ضاري المحمود شيخ عشيرة زوبع وايضا في تلعفر وسامراء وعانة، إضافة الى حراك سياسي كبير في بغداد.

 

 

اندلعت الثورة بعد شهر واحد من توقيع معاهدة ( سان ريمو ) عام 1920 والتي حولت العراق إلى الانتداب البريطاني، واستمرت لأكثر من أربعة أشهر، ومثلت صدمة كبيرة للانجليز، حيث تكبدوا نحو 500 قتيل من الجنود البريطانيين والهنود، كما كلفت الحكومة البريطانية ما مقداره 40,000,000 باوند، والذي كان ضعف مبلغ الميزانية السنوية المخصصة للعراق.

 

 

كانت خسائر العراقيين كبيرة قدرت بما يتراوح بين 5- 10 آلاف شهيد، وتسببت الثورة بتغيير جذري لنظرة المسؤولين البريطانيين ولإعادة النظر في إستراتيجيتهم بالعراق، حيث قرر وزير المستعمرات الجديد ونستون تشرشل أن هناك حاجة إلى إدارة جديدة في العراق وكذلك في المستعمرات البريطانية بالشرق الأوسط، ونادى لعقد مؤتمر موسع بالقاهرة. وهو ما حصل سنة 1921، حيث انتهت الأمور بتنصيب فيصل بن الحسين ملكا على العراق.

 

 

هذه الثورة كتب عنها وقيل فيها، وكان العراقيون يفتخرون بها وبعتبرونها واحدة من أهم ملامح تاريخهم المعاصر، وهي الثورة التي أجبرت بريطانيا العظمى على ان تعيد فلسفتها في ادارة الدول التي تقع تحت انتدابها وتحسب حسابا لشعوبها. إلا أنه وبسبب الاحباطات وبسبب انتشار قراءة سلبية تحاول تقليل قيم الشجاعة والمروءة والعزة الوطنية وتبرر للتخاذل والضعف بل والعمالة الصريحة بحجة البرغماتية صرنا في السنوات الأخيرة نسمع عن انتقادات لهذه الثورة وتقليلا لقيمتها.

 

 

هناك من يصور هذه الثورة على أنها ثورة عشائر وأنها جاءت بتحريض شيوخ العشائر لانتزاع امتيازات ومكاسب شخصية لهم من حكومة الانتداب البريطاني آنذاك.

 

 

وهناك من انتقدها لأنها أراد أن يبرر لنفسه التعامل مع الاحتلال الأمريكي بحجة أنه لا يريد أن يكرر خطأ 1920، وبلا شك فإن تكلفة الخنوع فضلا عن الخيانة هي أقل من تكلفة الموقف الوطني.

 

 

وهناك من انتقدها لأنها ثورة تحمّل الشيعة عبأها وخرجوا منها بلا نتيجة تذكر، فالسلطة صارت لغيرهم، وهذا جزء من الخطاب الطائفي الذي يقرأ كل شيء من خلال هذا المنظار دون أن يعي الأسباب الجغرافية والثقافية لذلك.

 

 

كل الأمم تفتخر بثوراتها، وتعتبرها علامات تثبت أنها أمم حية ترفض الاستعباد وتعشق الحرية، لا سيما مع ثورة كانت بمثابة العنصر التأسيسي للروح الوطنية العراقية، والتي أظهرت تعاوناً غير مسبوق بين العراقيين بغض النظر عن الانتماء الديني والقومي.

 

 

واعتقد أن هذا هو السبب الحقيقي لما تعرضت له هذه الثورة الكبرى من نقد وهجوم.


إرسال تعليق

0 تعليقات