عمر حلمي الغول
الهزائم الإستراتيجية
للقوى والمنظمات والجيوش والدول لا تتم بضربة واحدة، وإن حدث ذلك يكون نتاج خلل
وأزمة عضوية في الطرف المهزوم. بيد ان صيرورة عمليات الصراع تأخذ خطوطا بيانية
متصاعدة أو هابطة ارتباطا بالعوامل الذاتية والموضوعية. وعليه فإن هزيمة الأشخاص
أو القوى أو الدول تبدأ بتراجع وهزائم صغيرة ومتناثرة على أكثر من جبهة ومستوى مما
يراكم الخسائر الكمية كمقدمات للتحولات الكيفية، وسقوط كامل لصرح ومكانة الجهة
المستهدفة.
وغالبا في الصراعات
بين القوى المتنافسة والمتصارعة في أي حقل أو مجال يكون لهزيمة شخص ما ثقل وأثر
هام في معادلة الصراع، لما يمثله في الفريق الذي يقف على رأسه، او يكون جزءا منه، وأيضا
لوزنه في معادلة الصراع الدائرة بين القوى ذات الصلة بالصراع المحدد. لما ذكر صلة
عميقة بما جرى يوم الأربعاء الموافق حزيران / يونيو الحالي (2020) مع هزيمة النائب
الأميركي الصهيوني، إليوت إنجل، احد أهم أعمدة " الإيباك" في مدينة
نيويورك امام منافسه الديمقراطي، جمال بومان، وهو مدير مدرسة سابق.
وهزيمة إنجل ليست
عادية في المشهد السياسي والتشريعي الأميركي، فالرجل تربع في مقعده النيابي لمدة
ثلاثة عقود، ولعب دورا خطيرا في دعم وإسناد دولة الإستعمار الإسرائيلية، واستخدم
نفوذه في تمرير سياسات "مجلس العلاقات الإسرائيلية الأميركية" (الإيباك)،
وقام بتبني وتمرير العشرات من مشاريع القوانين والقرارات ذات الصلة بالدعم
الأميركي للدولة الاستعمارية. هذا وعمل إليوت في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس
النواب من عام 2013 إلى عام 2019، وتبوأ موقع الرئيس فيها خلال العامين الماضيين،
وبالمقابل كان له باع طويل في تشريع القوانين والقرارات المعادية لمصالح وحقوق
الشعب العربي الفلسطيني، حتى المتعلقة بحقوق الطفل الفلسطيني.
ويعمق أهمية الهزيمة،
انها تتلازم مع التقاعد المتوقع للنائبة الصهيونية، نيتا لوي، التي قادت داخل
الحزب الديمقراطي خلية صناعة السياسات الديمقراطية الموالية لدولة إسرائيل الاستعمارية،
بحكم تبوأها رئاسة لجنة الإعتمادات من اجل ضمان التمويل العسكري الأميركي السنوي
للدولة المارقة والخارجة على القانون. وبالتالي فالهزيمة تصبح هزيمتين مركبتين،
وهي تساهم في تحرير سياسات الحزب الديمقراطي أكثر فأكثر تجاه الصراع الفلسطيني
الإسرائيلي، كونها تفتح الأبواب امام المشرع الديمقراطي للإقتراب من روح العدالة
الأممية، وترتقي إلى مستوى التماثل النسبي مع الشرعية الدولية، وأخذ مصالح
الولايات المتحدة بعين الإعتبار في محاكاة تطورات الصراع، وكذلك الإقتراب أكثر
فأكثر تجاه مصالح وحقوق الشعب العربي الفلسطيني، لإن قيود "الإيباك" أخذت
في التفكك، والتراجع النسبي داخل مطبخ صناعة القرار الأميركي.
وتعود أسباب
هزيمة إنجل وفق ما ذكره الكاتب جوش روبتر
إلى الطبيعة الإنتهازية للوبي الصهيوني، التي مهدت الطريق لجملة من الهزائم لعدد
كبير من المرشحين في الآونة الأخيرة، ومن ابرزها المذكور آنفا. وايضا لإفتضاح
وإنكشاف دورهم وظهرهم غير الإيجابي في السياسة الأميركية، والذي ترك بصمات وندوب
قاتمة على عمل الإدارات الديمقراطية خصوصا والإدارات الأميركية عموما، وإبتعادهم
عن المحاكمة العقلية الموضوعية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما ساهم في إنتهاج
سياسة تتناقض مع مصالح اميركا.
كما ذكرت، وكما يعرف
المراقبون، إليوت إنجل ليس شخصا عاديا في المشهد الأميركي، انما هو صاحب نفوذ كبير
داخل اروقة السياسة الخارجية الأميركية، وله باع طويل في التخطيط والتشريع داخل
المؤسسة التشريعية الأميركية لصالح الدولة الإسرائيلية المعادية للسلام، ولخيار حل
الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، والتي ترتكب (إسرائيل) الموبقات
المتناقضة مع القانون الدولي ضد ابناء الشعب الفلسطيني، وتضرب روح السلام في مقتل.
لهذا فإن هزيمته تحتل اهمية خاصة، لإنه سيكون لها إرتدادات على مكانة "الإيباك"
اولا، وثانيا على الكونغرس عموما، وثالثا على السياسات الأميركية العامة، ورابعا سيكون
لها اثر إيجابي على الشعب الفلسطيني وحقوقه، لإن خروجه من المؤسسة التشريعية، مكسب
غير مباشر للحقوق الوطنية. لا سيما وان من حل مكانه يتمتع بحس المسؤولية السياسية،
ولا يخضع لإبتزاز " الإيباك"، ولا غيره من المؤسسات الصهيونية أو
الإنجليكانية المتواطئة مع إسرائيل المارقة.
وقبل ان اختم، أود
لفت إنتباه الجميع بضرورة قراءة التحولات النسبية من منظور رجل السياسة الأميركي،
وليس من الرؤية الفلسطينية. بتعبير آخر، النظر للتطورات بمسؤولية وموضوعية ودون
مغالاة، أو تطير. لإن معادلات السياسة الأميركية الداخلية والخارجية تحكمها مصالح
الولايات المتحدة، لا مصالح فلسطين المنكوبة بالإستعمار الإسرائيلي، والذي كان
لإميركا باع طويل بذلك.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com
0 تعليقات