آخر الأخبار

مصر ليست جنة ولكنها دولة





 

محمود جابر

 

 

أرجو ممن يقرا هذا المنشور أن يصبر مع القراءة وان يعذرني فى الإطالة، ويعذرني فى التنقل من الحديث إلى القديم او العكس ...

 

-    بيما كان آخر ملوك مصر يستعد للرحيل على متن يخت المحروسة ... كان المنقلبون عليه من ضباط الجيش يقفون فى وداعه بالموسيقى العسكرية وطلقات المدافع تنطلق فى الجو ....

 

بينما فى بلدان آخرى كثيرا حينما يتم خلع ملك ملك أو رئيس رئيس فمصيره إما  السجن أو الإعدام أو الفرار ...

 

 

خرج الملك فاروق بكل كرامة وكل حب وكل وداع ومعه أسرته يحملون كل متعلقاتهم الشخصية ....

 

الصورة الفرنسية ... التى ضرب بها المثل فى الحرية كم أعدمت ... وثورات أخرى ....

 

اعتقد ان ما تم مع فاروق حدث مع مبارك حيا وميتا، وحدث قبل مبارك مع الرئيس محمد نجيب أول رئيس للجمهورية الذى عاش فى إقامة جبرية حتى وفاته .

 

وما قد حدث شىء قريب مع جنرال كبير خرج من مصر وحاول قيادة ثورة من الخارج وتقمص قميص المعارضة ولكنه عاد الى مصر قضى سنوات سجنه فى بيته ثم مات وشيع فى جنازة عسكرية .

 

الجمهورية فى مصر مولود حديث نسبيا فهو مولود عمره تقريبا أقل من سبع عقود، ولكن الدولة فى مصر قديمة قدم التاريخ الذى يحفظ الأهرامات وأبو الهول وأبو سنبل والمسرح الرومانى، وعمود السوارى وقلعة محمد على قلعة بابليون .

 

والحياة النيابية فى مصر بدأت منذ اكثر من قرنين من الزمان وتحديدا فى 1805م، حينما انشأ ما عرف بـ (المجلس الأعلى)

 

تأسيس المجلس الأعلى وقد كانت البداية الحقيقية لمجلس تمثيلي تم انتخاب أعضائه جزئياً ومثلوا جميع فئات الشعب. في البداية كانت تتألف من 24 عضوًا ثم 48 عضوًا بعد إضافة 24 شيخًا في جامعة الأزهر وتم اختيار اثنين من التجار من قبل التجار ورئيس العاصمة والمحاسبين واثنين من الشخصيات البارزة من كل محافظة تم انتخابهم من قبل الجمهور.

 

-    مجلس التشاور 1829م  ويتكون من: المجلس الاستشاري و المجلس التشريعي الخاص والمجلس التشريعي العام ويألف من موظفين حكوميين رفيعي المستوى والعلماء والشخصيات البارزة برئاسة إبراهيم باشا نجل محمد علي. كان هذا المجلس بمثابة جمعية عامة تتألف من 156 عضوًا، 33 منهم من الموظفين رفيعي المستوى والعلماء و 24 من مدراء المقاطعات و 99 من كبار الشخصيات المصرية الذين انتخبهم الشعب.



عقد مجلس الاستشارات جلساته لتقديم الاستشارات في مجالات التعليم والإدارة والأشغال العامة. في عام 1830 صدر النظام الداخلي للمجلس وفي عام 1833 أصدر المجلس قانونًا خاصًا لاستكمال نظامه الداخلي وتنظيم العمل ذي الصلة.

 

 

- المجلس الاستشاري التمثيلي صدر مرسوم الخديوي بشأن إنشاء هذا المجلس في نوفمبر 1866 ، والذي تضمن النظام الدائم لقواعد وإجراءات المجلس. تألف النظام الدائم من ثمانية عشر مادة حددت النظام الانتخابي ومتطلبات أهلية المرشحين وشروط الجمعية التشريعية. وشملت كذلك التحقيق في الشؤون الداخلية وإحالة التوصيات إلى الخديوي. تأثر النظام الدائم للمجلس والنظام الداخلي تأثراً كبيراً بالنظم البرلمانية الأوروبية المعاصرة، ولا سيما الفرنسية.


يتألف مجلس النواب الاستشاري من 75 عضواً ينتخبون من شخصيات بارزة في القاهرة والإسكندرية ودمياط، بالإضافة إلى مجلس الشيوخ (زعماء القرى) والشيوخ في المحافظات الأخرى. تم انتخابهم لأول مرة في عهد الخديوي إسماعيل، بالإضافة إلى رئيس الجمهورية الذي تم تعيينه بموجب مرسوم ملكي.


في عام 1878 تم إنشاء أول مجلس وزراء، وأعيد تشكيل البرلمان ومنح المزيد من صلاحيات التمرين (على الرغم من أن بعض الأمور، مثل الشؤون المالية، ظلت خارج نطاق صلاحياتها).

 

في يونيو 1879 ، تم إعداد الأمر الدائم الجديد لمجلس النواب الاستشاري لإصداره من قبل الخديوي (رئيس الدولة). وذكر أن المجلس يتألف من 120 عضوا لمصر والسودان. وأهم بند في هذا النظام الدائم هو مساءلة الوزراء. أعطى المجلس المزيد من النفوذ في المسائل المالية. ومع ذلك، خديوي توفيق، الذي توج في 26 يونيو 1879 ، ينتهك النظام الدائم وألغى المجلس. لكن المجلس بقي في الجلسة حتى يوليو 1879.

 

- مجلس النواب المصري

9 أيلول (سبتمبر) 1881 شهد ثورة عرابي التي دعت إلى تأسيس مجلس النواب . تم إجراء الانتخابات وفقًا للأمر الدائم الصادر عام 1866. تم افتتاح المجلس الجديد المسمى مجلس النواب المصري في 26 سبتمبر 1881 ، حيث صدر مرسوم حكومي في 7 فبراير 1882 ، في انتظار موافقة الحكومة على قانون أساسي جديد . وقد حمّل ذلك القانون الأساسي مجلس الوزراء أمام مجلس النواب المنتخب من قبل الشعب، الذي كان له سلطة تشريع الوزير واستجوابه. كانت مدة مجلس النواب المصري خمس سنوات، وكانت كل دورة ثلاثة أشهر.


وهكذا تم تأسيس أساس الممارسة الديمقراطية تدريجيا.

 

- الجمعية التشريعية 1914.

 

 تألفت من 83 عضوا: 66 منتخبا و 17 معين. ينص القانون العادي الصادر في يوليو 1913 على أن مدة الجمعية التشريعية ست سنوات. في الواقع، استمرت الجمعية التشريعية في الفترة من 22 يناير 1914 حتى 17 يونيو 1914 عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى وأعلنت الأحكام العرفية في مصر. في وقت لاحق من ديسمبر 1914 ، أعلنت بريطانيا مصر محمية بريطانية، وتم تأجيل جلسة الجمعية التشريعية إلى أجل غير مسمى. في عام 1915 تم تعليق القانون العادي حتى تم حل الجمعية التشريعية في أبريل 1923.

 

-         مجلس الشيوخ : الذى تكون بموجب دستور 1923م

-         مجلس النواب 1923م

 

لتشهد مصر أول ملكية دستورية ...بالمعنى العلمي والسياسي.

 

هذه التجارب لم أقصد منها ان مصر كانت جنة الله على الأرض أو واحة الحرية والديمقراطية ... ولكن قصدت ان أقول ان المعادلة فى مصر لم تكن معادلة حاكم ورعية، ولكنها كانت معادلة شعب وحاكم... استطاع الشعب أن يخوض معارك ينتزع فيها حريته بكل ما أوتى من قوة ودفع خلال هذه المراحل ثمنا باهظا بل وغالى ...

 

حينما قامت الحرب العالمية الثانية التى بدأت 1939 وانتهت فى 1945، كانت مصر تغلى من شعورها ان الحاكم أصبح أقل من مصر، بل أن نظامه وصل إلى حد انه غير قادر على إدارة مكانة مصر ...

 

فمصر أقدم ملكية دستورية فى المنطقة، ومصر أكبر الدول سمعة وقدرة ومكانة، وما يحدث على حدودها فى فلسطين يقلق الشباب المصرى الذى أصبح عماد الجيش المصرى وهم من أبناء الفلاحين ... جيش مصر كان وما يزال جيش مصر لم يكن جيش توفيق ولا فاروق ولم يكن جيش ناصر ولا السادات ولا من أتى بعده ولن يكون .

 

الملك فاروق كان وراء تكوين جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الحرس الحديدى، وكانت إحدى عينيه على خلافة المسلمين، والعين الأخرى على التحالف مع الألمان، وعين الواقع مع الانجليز،والشارع الذى عرف المدنية منذ محمد على باشا يتصارع من حلفاء وعملاء المحتل من كل لون وجنس ولون، ثم ذاد الطين بله، بحرب فلسطين ..

 

فساد الملك ورعونته، لم تمنع الثائرين من خلعه، وتعامل الرئيس الأول مع الإخوان لم تمنع الثوار من خلعه هو أيضا، ووجود ود وصداقة، لم يمنع ناصر من وضع المشير عامر فى حجمه الطبيعى بعد كل ما تسبب فى كوارث، وأيا ما كانت النهاية لكل من فاورق أو نجيب أو عامر أو ضباط آخرين لكن الجميع تم تكريمه وفقا لما قدم من عطاء لبلده ... لان مصر لم تكن ملك لحاكم فى يوم من الأيام وعليك ان تتذكر كلمة عرابى فى ميدان عابدين للخديوى توفيق لسنا تراثا أو عقارا .....

 

هذا يوصلنا إلى الهدف الرئيس للمقال بالرغم من وجود أهداف أخرى :

 

والهدف هو اتفاقية السلام والسادات والتطبيع وإسرائيل ....

 

يجب ان تعلم بان مصر خاضت حربا متواصلة منذ ما قبل 1948م وحتى ما بعد أكتوبر 1973م.... أى تقريبا ربع قرن بالتمام والكمال، ربع قرن دفعت فيها مصر أولا، عقوبات بعدم شراء السلاح، وعقوبات بعدم تكوين جيش وعقوبات بقطع شريان حيوى مصرى هو طريق الحجاز، وتهجير سكان خمسة محافظات مصرية كاملة، ووضع مقدرات الدولة المصرية كاملة فى مواجهة هذا العدو .

 

مصر واجهت عدوا مدعوما من كل الدول الأوروبية ومن الاتحاد السوفيتى ومن أمريكا، وليس وحدها، فوضع لبنان والأردن وسوريا وهى دول الطوق لم يكن يسمح لهم بمواجهة ولم السعودية لم تتحول بعد الى دولة والعراق لم يكن لديه مشكلة كبيرة على مستوى السلطة بالرغم من غضب الشارع العراقى .

 

أما باقى الدول العربية فحتى عقد الخمسينات كانت ليبيا وتونس والجزائر والمغرب والسودان والصومال وموريتانيا تحت الاحتلال،

 

وحتى القعد السادس من القرن العشرين كانت اليمن والصومال والكويت تحت الاحتلال وحتى العقد السابع من القرن العشرين كانت الإمارات وقطر والبحرين وجيبوتى تحت الاحتلال ....

 

إذن لم يكن فى مواجهة الكيان الصهيونى طول هذه الفترة سوى مصر والعراق وسوريا والأردن ولبنان والسعودية، غير أن التنافس المصرى العراقى على قيادة المنطقة ساعد السعودية التى تريد ان تزيح مصر لانها تعلم أنها الأقوى وأنها زعيمة المنطقة بلا منافس وخاصة بعد ان أصبحت اغلب الأقطار العربية تدار من القاهرة، ولم تلقى بالا للعراق التى لم يكن لها دور كبير وسط المنطقة بسبب زعامة القاهرة ...

 

مات عبد الناصر فى ظروف يمكن ان اسميها غامضة ... ويمكن ان اسميها صعبة ويمكن ان اسميها مأزق تاريخى ...

 

تحمل السادات قيادة مصر فى هذا الظرف ... استكمل بناء الجيش واستكمال تجهيزاته فى ظل ميوعة عربية وحصار دولى لمصر ودعم كبير للكيان الصهيونى وخسارة مصر لنحو 6% من أرضها و5% أخرى تم تهجير سكانها .

 

وضغط شارع غاضب ومنهك واقتصاد موجه وربع قرن من الصراع اليومى على كل مستوى ...

 

الإدارة الأمريكية تخطط لتغيرات كبرى فى المنطقة من تغييرات فى إيران ووسط آسيا لمواجهة التمدد السوفيتى وحرب باردة بينهما، ولكنهما متفقين على عدم تفوق احد على إسرائيل رغم كل هذا العداء ...

 

مصر دفعت ثمنا باهظا، فى الحرب ودفعت ثمنا باهظا فى السلام، وما تزال تدفع هذا الثمن ... لكن الفرق بين مصر وغيرها، ان كل مؤسسات الاستقلال الوطنى العربى فيما بعد الاستقلال انهارت او تكسرت من العراق الى سوريا الى البحرين الى السعودية الى ليبيا الى تونس الى الجزائر وحتى السودان والصومال ...

 

ولم تبقى مؤسسة تتطور وتتقدم وتنتج وتدخل التصنيف الدولى سوى المؤسسة المصرى العسكرية ...

 

مصر عقدت اتفاق سلام مع العدو ولكن سلاما مرا، سلام من يقبض جمر الناصر بين كفيه، والفلسطنيين فى مصر مثلهم مثل كل عربى يعيش فى مصر بحرية كاملة لا يعيش فى ملاجىء للاجئين ولا مخيمات سواء كانوا عراقيين زمن الغزو وبعده، او يمنيين حاليا او ليبين او سوريين او سودانيين كلهم يعيشون فى مصر يبيعون ويشترون يتزوجون ويتصاهرون ....

 

مصر عقدت اتفاق سلام ولكنها لم تبيع القضية ولا تخلت عن جوارها، ولا حتى ردت تخاذل الصديق وخيانته بمثلها ....

 

مجددا وفى النهاية مصر ليست جنة ولكنها دولة ....

 


إرسال تعليق

0 تعليقات