قاعدة الرشد في خلافهم
دراسة نقدية
(الحلقة الخامسة, والأخيرة)
بقلم/ علي جميل
الموزاني
خلاصة القول:
فإذن أن روايات الرشد
تدعو إلى التحفظ عن بيان بعض الإحكام التي تتعلق بالحكم والقضاء وما فيه مخالفة
صريحة وواضحة لمنهج الدولة الحاكمة والظالمة آنذاك, ولا تتعلق بجزئيات الإحكام
الشرعية, وما عاشوه أصحاب المذاهب الأربعة من تضييق كأبي حنيفة لرفضه تولي القضاء
واحمد ابن حنبل لإصراره على مقولة قدم القرآن يدلنا بوضوح على أن أحاديث الرشد في
خلافهم لم يكونوا هم المقصودين بها, (ولنفرض أنّهم سيبرزون رأياً مخالفاً لمالك أو
أبي حنيفة، هل سيؤدي ذلك إلى جرّهم للسجن، وأبو حنيفة كان بنفسه مضطهداً في الدولة
العباسية الأولى)(1).
نعم ككبرى يمكن
تطبيقها على زمانهم بعد تجريدها عن الخصوصية وبعد تبني بعض الحكام المتأخرين لتلك
المذاهب, أما في زمن أهل البيت فهذا ما يحتاج الى تمعن ودراسة البعد التاريخي للنص
وما كان عليه مذهب الحكام والسلطة والقضاة آنذاك.
وعلى ضوء ذلك فلا
يمكن جعل أحاديث الرشد في خلافهم قاعدة مطردة في كل المجالات والروايات الفقهية
حتى التي تختلف المذاهب مع بعضها البعض في بيانها فهذا غير ممكن وفيه تضييع للدين,
فإذا كان أبناء العامة لم يتفقوا على رأيٍ فقهي واحدٍ كما أوضحنا بل ولا عقائد
أيضاً فكيف يمكننا جعل قاعدة تحت عنوان الرشد في خلافهم بعرضها العريض وندّعي
تطبيقها بأبسط المجالات الفقهية والقوم مختلفون حتى في بيان معاني التوحيد, ومحنة
خلق القران والكلام فيها مع الدولة وما رافق علماء المسلمين من محن خير دليل وشاهد
على ما نقوله, فلا نتمسك بمقولة الرشد في خلافهم حتى لو كان خلافهم يوقعنا في
المحاذير الشرعية, بل الإنصاف يقضي بان تحدد دائرة استعمالها ونجعلها في موضعها
المحدد لها وهو مرحلة من مراحل الترجيح بين الروايات كما بينه الأئمة عليهم السلام
وأوضحته الروايات الصحيحة كما تقدم.
انتهى
هوامش:__
____
(1) إضاءات في الفكر
والدين والاجتماع, حيدر حب الله, ج4, ص77.
0 تعليقات