آخر الأخبار

قاعدة الرشد في خلافهم(الحلقة الرابعة)










قاعدة الرشد في خلافهم

نظرة في المساحة ودائرة الاحتجاج

دراسة نقدية

(الحلقة الرابعة)

 

 

 

 

بقلم / علي جميل الموزاني

 

 

 

 

نظرة سريعة على نشأة المذاهب الإسلامية:

 

 

مع الالتفات الى أن المسار التاريخي لنشأة المذاهب الإسلامية جاء بعد العصر العباسي الأول وأما في زمن الدولة الأموية وحتى تولي العباسيين للسلطة فلم يكن هنالك مذهب محدد وإنما كان الاعتماد على ما كان متبع في عصر الصحابة كما يوضحه الدكتور الزحيلي بقوله (ولقد بدأت نواة المذاهب في عصر الصحابة ((فكان مثلاً مذهب عائشة، ومذهب عبدالله بن عمر، ومذهب عبدالله بن مسعود، وغيرهم))، ثم في عصر التابعين اشتهر فقهاء المدينة السبعة ((وهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبدالرحمن بن حارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، ونافع مولى عبدالله بن عمر))، ومن أهل الكوفة: علقمة بن مسعود، وإبراهيم النخعي شيخ حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة))، ومن أهل البصرة: الحسن البصري. وهناك بين التابعين فقهاء آخرون... وفي أول القرن الثاني إلى منتصف القرن الرابع الهجري، وهو الدور الذهبي للاجتهاد، لمع في الأفق ثلاثة عشر مجتهدًا، دُوِّنت مذاهبهم، وقُلِّدت آراؤهم، وهم: ((سفيان بن عُييّنة بمكة، ومالك بن أنس بالمدينة، والحسن البصري بالبصرة، وأبو حنيفة وسفيان الثوري بالكوفة، والأوزاعي بالشام، والشافعي والليث بن سعد بمصر، وإسحاق بن راهويه بنيسابور، وأبو ثور وأحمد وداود الظاهري وابن جرير ببغداد))، إلا أن أكثر هذه المذاهب لم يبقَ إلا في بطون الكتب, لانقراض أتباعها، وظل بعضها قائمًا مشهورًا إلى يومنا هذا)(1).

 

 

وما ظل منها هم أصحاب المذاهب الأربعة أئمة المسلمين السنة الذي يجمع على إمامتهم كل المسلمين من أهل السنة بكافة توجهاتهم، وهؤلاء الأئمة متفقون على كل الأصول الفقهية، واختلفوا في بعض الفروع، وهذا الاختلاف هو الذي كوّن نشأة المذاهب الفقهية الأربعة وهم: (أبو حنيفة النعمان بن ثابت، (80ـ-150هـ)، صاحب المذهب الحنفي, ومالك بن أنس، (93-179هـ)، صاحب المذهب المالكي, ومحمد بن إدريس الشافعي، (150-204هـ)، صاحب المذهب الشافعي, وأحمد بن حنبل، (164-241هـ)، صاحب المذهب الحنبلي).

 

 

 ويضاف لهم المذهب الجعفري الذي يُطلق على المذهب الشيعي الاثني عشري نسبة إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق (83-148هـ) الذي سُمّي المذهب بـ(الجعفري) نسبة إليه, ويرى الدكتور الزحيلي صاحب موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته بان فقهه أقرب المذاهب الى المذهب الشافعي وهو(لا يختلف في الأمور المشهورة عن فقه أهل السنة إلا في سبع عشرة مسألة تقريباً من أهمها إباحة نكاح المتعة فاختلافهم لا يزيد عن اختلاف المذاهب الفقهية كالحنفية والشافعية مثلاً... والحقيقة أن اختلافهم مع أهل السنة لا يرجع إلى العقيدة أو إلى الفقه وإنما يرجع لناحية الحكومة والإمامة)(2).

 

 

 

وذكر الاسترآبادي في شواهده فائدة في معرفة المذاهب الأربعة(3) مبيناً فيها نشأة المذاهب الإسلامية المعتمدة اليوم وما مرت به من مراحل ودور السلطة في إثباتها وإكراه الناس على الاعتقاد بها, وهذه المراحل جاءت بعد زمن الإمام الصادق عليه السلام, فبعد زمن التابعيين أتى فقهاء الأمصار كأبي حنيفة وغيره فجروا على تلك الطريقة من أخذ كلّ واحد منهم عن التابعين من أهل بلده فيما كان عندهم واجتهادهم فيما لم يجدوا عندهم, وفي زمن هارون الرشيد بدأت تظهر بوادر الاتجاه نحو رأي فقهي واحد تابع لما يراه القاضي الذي يعينه الخليفة العباسي فيقول (فلمّا قام هارون الرشيد في الخلافة ولى القضاء أبا يوسف يعقوب بن إبراهيم "أحد أصحاب أبي حنيفة" بعد سنة سبعين ومائة، فلم يقلّد ببلاد العراق وخراسان والشام ومصر إلا من أشار به القاضي أبو يوسف واعتنى به, وكذلك لمّا قام بالأندلس حُكم المرتضى بن هشام الملقب المنتصر في سنة ثمانين ومائة اختصّ بيحيى بن كثير الأندلسي وكان قد حجّ وسمع الموطّأ من مالك إلا أبواباً وحمل عن ابن وهب وعن أبي القاسم وغيره علماً كثيراً، وعاد إلى الأندلس فنال من الرئاسة والحرمة ما لم ينله غيره وعادت الفتيا إليه وانتهى السلطان والعامّة إلى بابه، فلم يقلّد في سائر أعمال الأندلس قاض إلا بإشارته واعتنائه، فصاروا على رأي مالك بعد ما كانوا على رأي الأوزاعي)(4).

 

 

 

وأما التبني الرسمي لهذه المذاهب الفقهية والاعتماد على العقيدة الاشعرية التي فرضها السلطان صلاح الدين على بلاد مصر والشام وأرض الحجاز واليمن وبلاد المغرب, فإنما اخذ رواجه بهذا الشكل الذي عليه اليوم في منتصف القرن السابع في زمن السلطان الظاهر بيبرس البندقداري حيث (ولي بالقاهرة ومصر أربع قضاة: شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي، فاستمرّ ذلك من سنة خمس وستّين وستّمائة حتّى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه الأربعة وعقيدة الأشعري، وعملت لأهلها المدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك الإسلام

 

وعوّدي من يذهب بغيرها وأنكر عليه، ولم يولّ قاض ولا قبلت شهادة أحد ولا قدّم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن متقلّداً أحد هذه المذاهب وأفتى فقهاء هذه الأمصار في طول هذه المدّة بوجوب إتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها والعمل على هذا إلى اليوم)(5).

 

 

 

قاعدة الرشد في خلافهم (الحلقة الثالثة)

 

 

[يتبع]

 

 

هوامش:_____

(1) الفقه الاسلامي وأدلته, وهبة الزحيلي, ج1, ص41-42.

(2) الفقه الاسلامي وأدلته, وهبة الزحيلي, ج1, ص55.

(3) معتمداً في ذلك على ما ذكره العلامة تقيّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الشهير والده بالمقريزي الشافعي من كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار.

(4) الفوائد المدنية, المولى محمّد أمين الأسترآبادي, ص72.

(5) الفوائد المدنية, المولى محمّد أمين الأسترآبادي, ص73.


إرسال تعليق

0 تعليقات